لقد ورد في رواياتنا أن النقطة البيضاء بنفسها تقدر على طرد جميع السواد والظلام من القلب حتى القضاء عليه تماما، كما إذا تمّ التأكيد على أحد السيئات في القلب، تتكاثر هذه السيئة كما تنمو الخليّة السرطانية إلى أن تطغي على القلب برمّته.[1] إنه لأمر عجيب. فإذا نشأت وتبلورت في القلب حسنة، تقوم بدور «التزكية» فيه. وأيّ حسنة أعظم وأرقى وأكثر تأثيرا من حبّ الزهراء سلام الله عليها.
فإذا أحبّ الإنسانُ أسوةَ الفضائل وقدوتَها، تسري هذه المودّة إلى باقي زوايا القلب شيئا فشيئا. وحينها يتبلور «حبّ الفضائل» في قلب الإنسان وتغادره السيّئات والرذائل. ومن هذه المنطلق نجد أنّ مودّة النبيّ وآله مطهرة للقلب: «وَ مَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ وَلَایَتِکُمْ طِیباً لِخَلْقِنَا وَ طَهَارَةً لِأَنْفُسِنَا وَ تَزْکِیَةً لَنَا وَ کَفَّارَةً لِذُنُوبِنَا.»[2]
فباعتبار أن حبّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها أنفذ في القلوب وأسهل نموّا واشتدادا، لابدّ أن نستغلّ هذه الفرصة لإصلاح قلوبنا. عززوا محبة الزهراء سلام الله عليها في قلوبكم لتطهروا.
وهناك أصل ذهبي آخر للحصول على هذه المحبّة، وهو أن تطلبوا هذا الحبّ من أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه يحبّ محبي فاطمة الزهراء سلام الله عليها وعشّاقها.
الحبّ مدعاة للولاء القلبي: لم يتقبل الله الولاء الظاهري من أحد. فلا قيمة عند الله لخضوعك أمام حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام دون أن يرضى به قلبك وضميرك. فقد أقسم الله بنفسه في القرآن أن لا إيمان لمثل هذا الإنسان. لا يتقبل الله إلا التسليم الحقيقي المنبثق من صميم القلب؛ «فَلاَ وَرَبِّکَ لاَ یُؤْمِنُونَ حَتَّىَ یُحَکِّمُوکَ فِیمَا شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لاَ یَجِدُواْ فِی أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُواْ تَسْلِیمًا».[3]
ولا يخفى أنّ هذا التسليم الحقيقيّ والرضا بحكم الله إنما يتحقّق بالحبّ. فكونك لا تشعر بأي كره تجاه حكم رسول الله صلى الله عليه وآله إنما يحصل ذلك بالمحبّة وحسب. لابدّ أن تبالغ في حبّك لرسول الله وأهل بيته عليهم السلام وتضاعف هذا الحبّ في مختلف زوايا وجودك وضميرك لتكون كما قال الله سبحانه: «وَیُسَلِّمُواْ تَسْلِیمًا».
لذلك قبل أن نواجه صاحب العصر والزمان لابدّ أن نرفع مستوى حبّنا لأهل البيت عليهم السلام ونبلغ مستوى هذا الولاء القلبي. لقد حذرنا أهل البيت عليهم السلام وأوصونا بالاستعداد قبل الظهور.
إن أشرقت الشمس على بستان تثير عطر براعمه وإن أشرقت على جيفة تأجج رائحتها المنتنة. وكذا الحال في شمس الولاية فإن طلعت من وراء ستار غيبتها وأصدرت أمرا ما، تؤجّج نتن رائحة من انطوى قلبه على شيء من «الأنانية». فإذا أردنا أن نتهيّأ قبل الظهور وننال درجة الولاء القلبي قبل أن نلتقي بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لابدّ أن نزداد حبّا لأهل البيت عليهم السلام. وفي سبيل تعزيز هذا الحبّ الذي هو الأساس في إحكام أواصر الولاء، حريّ بنا أن نقف عند محبّة الزهراء سلام الله عليها فإنّ ازدياد محبتها أيسر.
«الحبّ» هو المنجى الوحيد من العجب: من الصعب جدّا أن يصل الإنسان إلى المستوى الذي لا يرى فيه فضائله ولا يعتريه عجب. إنه فخّ لا يأمنه حتى الصالحون. والأمر الوحيد الذي ينجّي الإنسان من هذه الورطة هو «الحبّ». ليس أثر الحب هو القضاء على سلبيات الإنسان وحسب، بل إنه يحرق محاسنه في نظره وحسبانه أيضا. إنما «العشاق» فقط، هم الذين كلّما يزدادون فضلا وحُسنا يزدادون تواضعا وشعورا بالفقر والتقصير أمام حبيبهم. الشيء الوحيد الذي يخلّص الإنسان من «الأنانية» هو وهج الحبّ؛ حيث إنك إن أصبحت عاشقا سوف لا ترى سوى الحبيب ولم تعد ترى نفسك.
العاشق الذي لا تفوته صلاة الليل أبدا، إذا تذكّر صلاة السيدة الزهراء سلام الله عليها في جوف الليل ينسى نوافله، وكأنه لم يصلّ نافلة الليل مرّة، فيرى صلاته لا شيء أمام صلاة حبيبه ومن يهواه. إن نار الحبّ تحرق جميع صلواته في نظره.
لا يقوى شيء على إنقاذ الإنسان من العجب سوى «حبّ أهل البيت» وعلى رأسهم حبّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها. ولا مطهِّر للإنسان سوى الحبّ؛ «وَمَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ وَلَایَتِکُمْ طِیباً لِخَلْقِنَا وَ طَهَارَةً لِأَنْفُسِنَا وَ تَزْکِیَةً لَنَا».
فمن هذا المنطلق الجميع بحاجة إلى «المحبة». إن «حبّ أهل البيت» هو الأكسير الأعظم، وبالتأكيد إن أثر محبّة أم الأئمة أعظم في قلوب المؤمنين من محبّة جميع الأئمة عليهم السلام. إن هذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس في وجه النهار؛ إن فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي أمٌّ، وعلاقة الأمّ بالحبّ تختلف عن علاقة غيرها به.

يتبع إن شاء الله...


[1]«عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَیْراً نَكَتَ فِی قَلْبِهِ نُكْتَةً مِنْ نُورٍ وَ فَتَحَ مَسَامِعَ قَلْبِهِ وَ وَكَّلَ بِهِ مَلَكاً یُسَدِّدُهُ وَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءاً نَكَتَ فِی قَلْبِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ وَ سَدَّ مَسَامِعَ قَلْبِهِ وَ وَكَّلَ بِهِ شَیْطَاناً یُضِلُّهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ فَمَنْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یَهْدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما یَصَّعَّدُ فِی السَّماء»، الكافي، ج1، ص166
[2]مفاتیح الجنان، زیارة الجامعة الكبيرة؛ من‏لایحضره‏الفقیه، ج2، ص613.
[3]النساء، الآية 65.