طالما أثار هذا الطريق خيال الشعراء والأدباء والرسامين، فوضعوا القصائد وألفوا القصص ورسموا اللوحات عن أحداث ومغامرات جرت. فطريق الحرير المثير لم يكن مجرد طريق بري وبحري تسلكه القوافل والسفن، وتنقل من خلاله السلع والبضائع، وامتد ليشمل قارات العالم القديم الثلاث، وإنما كان طريقاً لنقل الأفكار والمعتقدات والعادات والتراث والمهارات، وانتقال واختلاط الشعوب ببعضها، فقد عرف الغرب من خلاله البوذية كما تعرفت بواسطته شعوب آسيا على الإسلام واعتنقته بعض منها، وانتقلت عبره النظم الاجتماعية التي لولاه لظلت مدفونة في حواضر آسيا.
كما كان لطريق الحرير تأثير كبير على حضارات العالم القديمة كالحضارة المصرية والصينية والهندية وحتى الرومانية ومن بعدها الإسلامية، وكان له الفضل في التمهيد لعصور الاختراعات والاكتشافات اللاحقة.
فطريق الحرير الاسم الساحر المثير الذي أطلقه الجغرافي الألماني فرديناند فون ريتشتهوفن في القرن التاسع عشر على هذا الطريق التاريخي الطويل، الذي كان يمتد من المراكز التجارية في شمال الصين حتى مناطق آسيا الوسطى والأناضول وأنطاكية وإيران وأفغانستان مروراً ببلاد ما بين النهرين وتدمر ثم وصولاً الى مصر وشمال أفريقيا من جهة ومن جهة أخرى الى البلقان ومدينة البندقية وأجزاء أخرى من أوربا.
ومنذ اكتشف الصينيون صناعة الحرير قبل حوالي خمسة آلاف سنة وعرفوا في هذا الوقت المبكر فنوناً مبهرة في صنعه وتطريزه، هذه الصناعة الفريدة التي أدهشت العالم ولم يتسن لغير الصينيين اكتشاف أسرارها وخفاياها، والتي وصفها الشاعر الروماني (ويجير) بأنها أجمل من الزهور وأدق من نسج العنكبوت.
فالحرير الذي سعى الكثير من الأباطرة والملوك والنبلاء والتجار لاقتنائه بكل الأثمان الممكنة حتى إنهم كانوا يقايضونه مقابل وزنه بالذهب والأحجار الكريمة. وبالإضافة للحرير بدأ العالم يكتشف منتجات الصين الرائعة مثل الخزف الصيني وصناعات أخرى كان لها دور بالغ في إحداث تغييرات كبرى في تاريخ البشرية مثل الورق ومن ثم البارود والشاي والبوصلة والطباعة. حيث انتقلت هذه البضائع والمهارات والفنون عبر طريق الحرير ضمن محطات كثيرة، مالبثت هذه المحطات ان ازدهرت ازدهاراً كبيراً.
كما تم تبادل المنتجات الأوربية مثل الفراء والجلود، والجوز والفلفل الأسود مع حواضر الشرق الآسيوي، والمجوهرات والتوابل والعملات الذهبية والفضية والموسيقى والاطعمة والأزياء وزخارفها من دول غرب آسيا وآسيا الوسطى الإسلامية.
فطريق الحرير مثلما كان في القرون الغابرة طريقاً حيوياً عابراً للقارات لنقل البضائع والمخترعات والأفكار والأديان، مايزال حتى يومنا هذا محفزاً للإبداع،
ومثيراً للخيال.. فرواية الكاتب الإيطالي اليساندرو باريكو والتي تحمل عنوان حرير وتدور أحداثها حول تاجر حرير فرنسي يذهب لليابان لتهريب دود القز ويستحضر بذاكرته مغامرات جرت في طريق الحرير، كذلك استوحى الشاعر التركي فرهاد حسين إبداعه من هذا الطريق الساحر، وكانت أحداث رواية الكاتبة رجاء عالم والمجموعة القصصية للكاتب يوسف ضمرة اللتين تحملان العنوان نفسه وتقتبسان أحداثهما من الطريق المثير، كما أبدع عدد لا يحصى من الرسامين الشرقيين والمستشرقين لوحات فنية موضوعها التجار وخدمهم وعبيدهم الذين ينقلون بضائعهم عبر هذا الطريق ومغامرات البعض منهم وقصص عشقهم لنساء فاتنات يعشن في المناطق التي تمر بها قوافلهم.
منقول