المكتبة الوطنية.. مليون مجلد وكتاب لخدمة البحث العلمي

في بداية العام 1920 اجتمع كبار مثقفي وأدباء العراق في بغداد لغرض تأسيس مكتبة وطنية خاصة بالمنتوج الفكري العراقي والكتب والدوريات الصادرة من الدوائر الحكومية والأهلية والمترجمة من خارج البلاد لتكون نواة تحفظ التراث المحلي والعالمي تعين الباحثين والدارسين في عملهم، وتعد كمرجع وخزين ثقافي للأجيال .وفي 16 نيسان من العام نفسه أسست المكتبة تحت مسمى مكتبة السلام تيمنا ببغداد مدينة السلام وأشرف على ادارتها الأب (انستانس ماري الكرملي) بميزانية اولية تبلغ 334 دينارا جمعت من تبرعات الأدباء والمثقفين الى جانب اهدائهم الكتب من مكتباتهم الخاصة، وبعد مرور عدة سنوات اصبحت المكتبة تابعة الى وزارة المعارف بعد أن عجز القائمون على ادارتها باستمرار في تقديم الخدمات للقراء ثم انتقلت المكتبة الى المدرسة المأمونية في الباب المعظم واصبح اسمها (المكتبة العامة).

في العام 1929 وبأمر من الملك فيصل الاول اصبحت المكتبة الرسمية للبلاد بعد أن خصصت لها بناية منفصلة في شارع الرشيد قرب باب الأغا وفي العام 1957 ازيلت بناية المكتبة العامة لافتتاح شارع الجمهورية، فانتقلت المكتبة الى دار في شارع الزهاوي وبقيت هناك حتى انتقلت في العام1977الى البناية الحالية في الباب المعظم مقابل وزارة الدفاع السابقة.

وكانت المكتبة تعرف بالمكتبة العامة حتى العام1961 اثر صدور قانون المكتبة الوطنية رقم 51 لذات السنة والذي نص على تأسيس مكتبة في بغداد تسمى المكتبة الوطنية تقوم بجمع وحفظ الكتب والمخطوطات والمطبوعات الدورية وغيرها ممن لها علاقة بالتراث الوطني والعربي ومايتصل بالحضارة والتراث الانساني.
التحقت بوزارة الثقافة والارشاد العام1964 بموجب القانون رقم43، وفي العام1970شرع قانون الايداع رقم37 واعتبرت المكتبة الوطنية مركزا للايداع القانوني، وفي العام 1978 تأسست دار الكتب والوثائق استنادا لتعليمات وزارة الثقافة والاعلام رقم 8 واحكام قانون وزارة الثقافة والاعلام رقم94لسنة1981 وتم دمج المركز الوطني للوثائق مع دائرة المكتبة الوطنية .

وتهدف الدار حسب التعليمات الى تحقيق الاهداف والمهام المنصوص عليها في قانون المكتبة الوطنية رقم51لسنة1961وقانون الحفاظ على الوثائق رقم70 سنة1983وبموجب هذه التعليمات تتمتع الدار بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري، وتلعب دورا مهما في خدمة الحياة الثقافية والفكرية والعلمية من خلال جمعها وحفظها للنتاج الفكري العراقي وكذلك الوثائق الرسمية وشبه الرسمية والاوراق الشخصية التي تمثل مصدرا مهما لمختلف المعلومات، الى جانب نشر الثقافة والتراث العلمي الادبي من خلال تقديمها الدعم المستمر للطلبة والباحثين وبقية شرائح المجتمع.

إعادة الحياة
وبعد أحداث 2003 تعرضت الدار الى هجمات من قبل اللصوص والسراق مستغلين الانفلات الأمني تسبب بتلف العديد من المجلدات والوثائق وفقدانها ربع محتوياتها من الكتب الثمينة والمراجع والبحوث الى جانب الاثاث ،غير ان ملاكها وبمبادرات شخصية وباشراف مديرها الدكتور سعد بشير اسكندر، تمت اعادة الحياة لها وتنظيم عملها لتقديم خدماتها الى المراجعين والدوريات الصادرة والكتب المنشورة وذلك خلال العام 2004 بعد عمل دؤوب ومثمر وجهد مثابر ومتواصل لاحياء هذه المؤسسة المهمة بين الركام والرماد.

مدير المكتبة الوطنية والمشرف العام عليها جمال العلوجي قال "تقوم المكتبة الوطنية باصدار ببليوغرافية وطنية بشكل دوري للتعريف عن التغيرات في المجتمع العراقي مزودة بالصور، وتتبادل المطبوعات مع المؤسسات الثقافية العربية والاقليمية والدولية وتعمل على تطوير العلاقات الثقافية مع المكتبات العالمية، بالاضافة الى توفير واقتناء النتاج الفكري العراقي الذي يصدر خارج العراق لمؤلفين ومترجمين اومحققين عراقيين واقتناء المطبوعات التي تخص الواقع العراقي الصادرة باللغات العالمية لتغدو مجموعات المكتبة متكاملة".


مطبوعات عمرها قرن
ومازالت المكتبة الوطنية تحتفظ بالمطبوعات القديمة التي اهداها كتابها او التي تمكنت من اقتنائها خلال السنوات السابقة، لذا فان موجوداتها من الكتب والدوريات والوثائق تقارب مليون مجلد وتتجاوز عن اربعين الف مجلد متخصص بالدوريات والرسائل الجامعية.

يوضح العلوجي" تبلغ موجودات المكتبة الوطنية زهاء المليون مجلد بحسب احصائية عام1999منها 43788مجلدا من الصحف والمجلات وعدد كبير من الرسائل الجامعية، ونتيجة ماآلت اليه الظروف في العراق العام2003 تعرضت المكتبة الوطنية الى اعمال تخريبية شملت أقسامها الفنية والخدمية، اذ فقدت اكثر من 25 بالمئة من موجوداتها ومواردها الثقافية كما اشتعلت النيران في عدد من اقسامها فاحترقت السجلات والفهارس ومعظم الادوات والمستلزمات الضرورية، واستنادا الى ذلك قام منتسبو الدار من كانون الاول 2003بحملة كبيرة لاعادة ترتيب وتنظيم مجاميع المكتبة بمختلف مواردها وموضوعاتها كخطوة اولى لتهيئتها وفتحها امام الجمهور، وان تبدأ بتقديم خدماتها الى الباحثين وطلاب الدراسات العليا وفعلا تم افتتاحها العام 2004 بعد تهيئة قاعة للمطالعة تتوفر فيها كل وسائل الراحة من تكييف وتدفئة ومقاعد مريحة للطلاب والباحثين".


خبرات متنوعة
وتتألف المكتبة الوطنية من عدة أقسام لادامة عملها استنادا للتوصيف الخاص بها على وفق قانونها ومن اهم اقسامها قسم التزويد، قسم الفهرس والتصنيف، قسم المخازن والإعادة، قسم الدوريات، قسم الببليوغرافيا، قسم تكنولوجيا المعلومات، قسم الارشيف الوطني، قسم التفتيش، قسم الخدمات والباحثين ،قسم خزائنة الوثائق، قسم الحاسبات، قسم الشؤون الادارية، قسم التخطيط، قسم التجارة، قسم التدقيق وقسم الشؤون القانونية وكذلك مركز الايداع القانوني وقسم العلاقات العامة، ويتميز كل قسم بخبرات متميزة وكادر بشري ملم بعمله.

وعن عمل قسم الايداع اشار العلوجي "يتولى مركز الايداع القانوني تنفيذ احكام قانون الايداع رقم 37لسنة 1970 الذي يلزم دوائر الدولة الرسمية وشبه الرسمية ودور النشر والمطابع الحكومية والأهلية تسليم( 5) نسخ من مصنفاتها وماهو يحكمها الى مركز الايداع القانوني في دار الكتب والوثائق والتي تتضمن الكتب والنشرات والكراسات والتقارير والاحصائيات والرسائل الجامعية (نسخة واحدة) والمجلات والجرائد الرسمية والاهلية وتسري احكام القانون على نسختين من المصنفات التي تطبع وتنشر خارج العراق اذا كانت لمؤلفين ومترجمين ومحققين وناشرين او منتجين عراقيين باعتباره جزءا من الواجب الوطني الذي يحتم عليهم القيام به ".

مطالعة وبحث
وتمتلك المكتبة الوطنية قاعة مكيفة تتخصص بتلبية طلبات الباحثين اذ توزعت مناضد وكراسي متعددة بين فضاء ساكن الا من وحيف الورق الذي تيقلبه الاصابع الملسة للقراء.
احمد عبد ماجد طالب دراسات عليا في الاعلام قال" احضر بحثا متخصصا لنيل شهادة الماجستير في احدى الجامعات الاردنية عن صحافة المرأة في العراق خلال العهد الملكي ،ولم اجد مواد البحث في مكتبات المملكة الاردنية، وعندما قدمت الى بغداد وجدت عشرات مجلدات المجلات النسوية العراقية خلال عقد الاربعينيات والخمسينيات الى جانب افراد صفحات في عدد من الجرائد تخص المرأة وصورا لها وللحياة الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت ".
واضاف "اقوم حاليا بتصوير صفحات المادة المطلوبة والتي تناسب البحث الخاص برسالتي "،مشيرا الى انه لم يكن يتوقع ان يجد هذه المجلدات وغيرها بحالة جيدة.

تعاون ثقافي
وخصص لقاعة المطالعة ملاك متفهم يعلم ماذا يحتاج المراجع، لذا فان أغلب المراجعين على صلة وثيقة بموظفي القاعة.
تقول سوسن علي – طالبة دراسات عليا في قسم الاجتماع-" عندما تعرفت على العاملين في قسم المطالعة واخبرتهم بمادة الرسالة التي ابحث عنها، اخذ كل منهم يبحث لي عن الكتب التي تفيد بحثي وكأن بحثي يهمهم بذات المقدار الذي يهمني، الى جانب تسهيل عمليات الاستنساخ او التصوير ".
واضافت "ان هذا التصرف لايختص بي لوحدي لاني اجد العاملين يسارعون بتقديم الخدمات الى جميع المراجعين ويجهدون انفسهم لتقديمها بصمت خوفا من اثارة الضوضاء" .
imn