جورج حاتم .. طبيب الملايين
إسم يجهله العرب بقدرما يعرفه الصينيون ، هو واحد من بين مائة شخصيّة مؤثّرة في التاريخ والمجتمع الصيني و الطبيب الخاص لماو تسي تونغ. ،

انه اللبناني ، ابن بلدة حمّانا في المتن الأعلى ( جورج نعوم حاتم ) واطلق عليه اسم «ما هايدي»، بالصينيّة ، لقّب ب «طبيب الشعب» ، قضى على مرض البرص وأمراض أخرى مستعصية في الصين، وحسّن نوعيّة الحياة لمليار شخص من خلال أعماله ودراساته وتطبيقاته.. حاز على جائزة «لاسكر» العالميّة للطبّ عام 1986، أي قبل عامين من وفاته.


في العام 1902، هاجر نعّوم حاتم ابن بلدة حمّانا اللبنانية إلى الولايات المتحدة الأميركيّة وعَمِل في مصنع للأقمشة في منطقة لورانس في ولاية ماساتشوستس. وفي العام 1909 وخلال زيارةٍ قام بها إلى لبنان، تزوّج نعّوم من تمام يوسف ابنة بلدة بحنّس وعادا معا إلى الولايات المتحدة.

انتقلت العائلة إلى مدينة بوفالو، نيويورك حيث بدأ نعّوم عملاً جديداً في مصنعٍ للحديد، وهناك، أبصر الابن البكر جورج النّور في 26 أيلول من العام 1910.
تابع جورج حاتم دروساً ابتدائيّةً في الطبّ في جامعة كارولينا الشماليّة وأكمل دروسه الجامعيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، حيث انتقل بعدها إلى جامعة «جنوة» أو «جنوفا» في إيطاليا التي نال فيها الدكتوراه في طب الأمراض الجلدية و التناسلية في العام 1933.

خلال مكوثه في إيطاليا تعرّف إلى عدد من الطلاب من شرق آسيا وأُعجب بحضارة الصين، فقرّر مع بعض زملائه الذهاب إلى الصين من أجل افتتاح عيادة متخصّصة بالأمراض المنقولة جنسيّاً، ومد يد العون ومساعدة مَن هم بحاجة إلى خدمات صحيّة أساسيّة. وبمساعدة ماليّة من أهالي أحد الزملاء، انطلق جورج حاتم الشابّ من مرفأ ترياست في إيطاليا مع اثنين من أصدقائه الأطبّاء في 3 آب عام 1933، ووصلوا إلى مرفأ شنغهاي في 5 أيلول بعد مرورهم بسنغافورة وهونغ كونغ.

أسّس جورج حاتم عيادته في شنغهاي وبعد وصوله إليها، وعمل تباعا في مستشفى قوانغتسه ومستشفى لستر، ثم أقام فيما بعد عيادة مع زملين له عمل فيها إلى غاية 1936
، وأصبح يُلقّب بالصينيّة «ما هايدي» وتعني «ما» حصان و«هايدي» «نعمة من البحار»، وترمز «ما» أيضاً إلى أي شخص يأتي من المنطقة العربيّة. بعد ثلاث سنوات، أقفل حاتم عيادته بسبب فساد الأوضاع وسيطرة «الكومينتنغ» أو الحزب الوطني صاحب النفوذ في تلك الفترة على شنغهاي.

استعرت الحرب بين الشيوعيين وخصومهم ، وانطلقت المسيرة الكبرى بقيادة ماو تسي تونغ من مقاطعة جيانغشي من الشمال نحو الغرب إلى مدينة يان آن في مقاطعة شانكشي. استغرقت هذه المسيرة الشهيرة 370 يوماً قطع خلالها ماو ورفاقه والجنود مسافة 12500 كلم.

في العام 1936، قام جورج حاتم بالتسلّل عبر خطوط الحزب الوطني إلى المنطقة الشيوعيّة لمدّ يد العون للجنود المنهكين، خاصّة بعد حصوله على رسالة توصية بعثت بها له سونغ تشينغ لينغ، مؤسِّسة مجلة «الصين اليوم»، تطلب فيها وبناء على طلب القائد ماو طبيباً يعالج الجنود. بعد فترة أصبح جورج حاتم الطبيب الشخصي لماو تسي تونغ وطبيب الجنود حتّى إعلان الصين الجديدة في العام 1949.

. أثناء كل هذه السنوات التي قضاها حاتم في الصين كان منهمكا في العمل الإنساني والبحثي ومشاركا نشطا ، ومع حصوله على الجنسية الصينية وزواجه من إمرأة صينية وتقلده وظائف ومسؤوليات حكومية، إندمج حاتم تماما في المجتمع الصيني.
بعد إعلان الجمهوريّة الشعبيّة انتقل حاتم إلى بكين كأوّل أجنبي يحصل على الجنسيّة الصينيّة، حيث تابع أعماله كمسؤول صحّي رفيع المستوى في الحكومة الصينيّة. ساهم في تحسين مستوى الطب الصيني عبر القضاء على معظم الأمراض المنقولة ، وكونه «طبيب الشعب» فقد رفع aمستوى الحياة في الصين، إذ كان متوسّط العمر المتوقّع للصينيين 35 سنة في بداية القرن العشرين وأصبح 65 سنة في العام 1975 بعد جهود مضنية وحثيثة من جورج حاتم للقضاء على الأمراض المستعصية التي كانت السبب الرئيسي للوفيات في الصين.

بعد تأسيس الصين الجديدة وتقديرا لكفائته تم تعيينه مستشارا لوزارة الصحة الصينية التي أسهم في تنظيمها. وركز حاتم جهوده على مقاومة الأمراض الجلدية والحد من البرص، وقد حقق في هذا المجال نجاحات كبيرة. حيث أسس في عام 1953 مركز أبحاث الأمراض الجلدية، وبالتنسيق مع وزارة الصحة الصينية وضع مخططا للقضاء على الأمراض التناسلية، وتنقل بنفسه إلى المناطق النائية والفقيرة والأرياف لمعالجة الأمراض الجلدية المنتشرة هناك.

كما كان حاضرا في المشهد الدبلوماسي الصيني، اذ قابل العديد من الشخصيات السياسية الهامة أثناء زيارتها للصين. وعلى المستوى الطبي، وضع جورج حاتم سنة 1981 مخططا للقضاء على البرص في الصين فى العام 2000، لكن الأجل وافاه قبل هذا التاريخ بـ 12 سنة، حيث توفي جورج حاتم في 3 أكتوبر 1988، ودفن في مقبرة عظماء الثورة الصينية، تقديرا لمسيرته العلمية وإسهاماته في بناء البلاد الجديدة،خاصة في مجال الصحة العامة. وفي العام 2009 أختير جورج شفيق حاتم ضمن 100 شخصية أثرت في المجتمع الجديدة.

دُفن في مقبرة الثورة وأبطال الحرب «باباوشان» في بكين.

ويعد وجود رفات جورج حاتم في هذه المقبرة تقديرا عظيما من الشعب الصيني له . ففي الصين، عيد يُطلق عليه «تشينغ لين» (ذكرى الموتى) و يصادف في أوّل يوم جمعة من شهر نيسان، حيث يقوم الناس بزيارة المدافن العائليّة في هذا اليوم، وكون جورج حاتم مدفوناً في مقبرة باباوشان، فإنّ الصينيين يزورونه للتعبير عن اشتياقهم لأبطال الصين وأبطال الثورة والحرب وتخليداً لذكراهم.
**