لقد اوضحنا في الحلقات الماضية كيف لاحق إبليس آدم وسلالته الى يومنا هذا (لأغوينهم اجمعين)، فأقبلوا على أكل الأطعمة الغنية بالألياف (الفول بالشرق، والشوفان بالغرب) كما اقبل عليها آدم وزوجه فقصرت آجالهم بدلا من اطالتها، مما اضحك عليهم ابليس، ثم كرر ضحكه على سلالة آدم في الإغواء الثاني؛ وهو الملك الذي لا يبلي وهو عند البشر وسيلة نافذة لإشباع غريزة التملك ويبدأ إبليس بإغواء آدم وحواء عليهما السلام، إذ خدع آدم بأن الأكل من شجرة الألياف سوف يمكنه من الملك كما يمكنه من الخلود اما بالنسبه لسلالته فقد حذر الله سبحانه وتعالى البشر في الارض من سكرة السلطة فقال لهم: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وهي اشارة واضحه للبشر ان لا يتحالف اي اثنان منهم سياسيا من اجل السلطة فمجرد حصول تحالف اثنين او اكثر يكون الآخرون في معسكر آخر فيتحقق التفرق والشتات، فوسوس الشيطان لاحد ابني آدم عليه السلام ليقتل أخاه ليكون له الملك، ووسوس لسلالته ان يؤسسوا الأحزاب والجماعات والحركات بهدف أوحد؛ هو الوصول للسلطة والتمكين، (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديه فرحون) وبسبب هذه التكتلات تقسمت الارض الى دويلات وداخل كل دولة تنقسم الناس الى فرق وجماعات واحزاب وحركات وكل منها فرح بتنظيمه، ويظن انه مبعوث العناية الإلهية (كل حزب بما لديه فرحون) ولعل آخر انقسام لدولة واحدة كان اسمها السودان، وقع بسبب التنظيمات وتنافسها على السلطة، فانفرد المؤتمر الوطني بالسلطة في الشمال والحركة الشعبية بالسلطة في الجنوب، ولولا الحزبية لما انقسمت الارض الى دويلات، لقد ولد الناس احراراً فكيف يقبل شخص ان يرهن فكره وقراره لحزب او جماعة، ماذا يقول اعضاء كل حزب لربهم عندما يقرر مثلا رئيس الحزب الديمقراطي الامريكي اوباما قتل بن لادن دون محاكمة وعندما قرر الرئيس الراحل النميري قتل محمود محمد طه (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء) ورئيس حزب المؤتمر الوطني الترابي اصدر قانوناً يقتل المتعامل في العملة (مجدي)، وتقرر احزاب الحكومة والمعارضة السودانية كلها إعطاء مواطني جزء من السودان الحق في تقرير مصير بقيه اجزاء الوطن، بدون اي استفتاء من الشعب كله، وماذا يقول اعضاء حركة الجهاد المصرية لربهم في قرار رئاستهم تصفية الرئيس المصري انور السادات دون محاكمة عادلة، ان كل من يبصم على التنظيم مع آخرين يتحمل وزر اي اخطاء ترتكب من ورائه، او بما يسمى بتصويت الاغلبية داخل الجماعة، ان المرء يعجب للمنادين باستقلال الشعوب من الاستعمار الاجنبي وهم في نفس الوقت مستعمرين داخل تنظيمهم الحزبي، فالاستقلالية صفة فردية اصيلة ما دام الفرد يملك قلبا يفقه به وعقلا يأتمر بالقلب، إن الحزبية واقع ينبغي التعامل معه كحاله طارئة تسقط بمجرد تكوين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية واصدار القوانين، لا حاجة لدستور في وجود الكتب السماوية فهي دستور رباني تصدر بموجبه القوانين المنظمة للحياة وتسقط بعدها اي تنظيمات او جماعات، اي تسقط العصبية بكافة اشكالها فهي نتنة والفردية مسك ينبغي ان يسود فكل من يأنس في نفسه الكفاءة يتقدم للترشيح وفق القوانين المنظمة للانتخابات وكل مرشح يطرح برنامجه الانتخابي وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وبذلك وحده تظهر الامكانات الفردية ولا تتخفى خلف الحزب او الجماعة فلا مكان سوى للمبدعين في العمل السياسي، وكلٌ آتيه يوم القيامة فردا، فتامل الآية (فبعزتك لأغوينهم اجمعين) يقصد اكثر ما يقصد تكرار الاغواءين مع آدم وحواء، إغواء الخلود (طول العمر) وإغواء الملك الذي لا يبلى (اكثر من دورة رئاسية) فزين للبشر ان اداة طول العمر هو الطعام الجيد وهو الغني بالالياف حتى يقصر آجالهم فهو عدو لا صديق وقد كان، وأن أداة الملك هو التحالفات العصبية حتى يتقاتلوا فيما بينهم وقد كان، ولم ولن يسلم من الاغواءين الكبار ولا غيرهم من إغواءات نعرض لها في حلقات قادمة، إلا المخلص لله والمستعصم المتدبر لكتابه (لا يخرجنكما من الجنة فتشقى)، و(طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) ولعل اكبر نجاح لإبليس هو السودان الذي يحتل مركزا رفيعا في قائمة الدول المتخلفة، وذلك لسببين اساسيين، الاول هو ان الله سبحانه وتعالى اعطى اهله لغه القرآن فلم يستغلوها لتدبره كما اصطفى الله ارضهم لتكون موطنا لأشجار أهم طعامين في الكون بعد لبن الأم (هما المن والطلح المعروفان تحريفاً بالصمغ العربي) فلم يطعموا أنفسهم منهما، كما يشربون الماء ولم يطعموا الآخرين وبذلك فازوا بجائزه الإغواءين فأكثر طعامين غنيين بالالياف الضارة أداة الإغواء الاول (التي حرم الله أكلها في الجنة وحذر منها في الارض ويعاقب بها في النار كما ورد في القران والتوراة ووصفها المصطفي (ص) بالأذي) هما العدس والفول يشكلان اهم وجبة يومية لاهل السودان (بنيت أجساد من عاش بالداخليات المدرسية من أمثالنا على الاثنين) كما أفلح في نفس الوقت في إخفاء المن والطلح الغنيين بالبريبايوتك، أداة الاغواء الاول، الثانية رغم أنهما موجودان وبكثرة في ارضهم لا تخطئها عين وموصوفة بالطيب في القرآن الكريم الذي هجروه ونسوه فنسيهم الله.. أما الإغواء الثاني وهو الملك الذي لا يبلى فقد ابتلي أهل السودان بأداته المخالفة لأمر الله وهي تفشي العصبية بكافة أنواعها من أجل السلطة، مما يؤهل السودان لإدراجه كأكثر دولة بها تعددية سياسية عصبية فعدد الاحزاب لا يحصى والجماعات والحركات تتأسس على مدار الشهر والسنة، وكذلك الانقسامات مما ينذر بمزيد من الانشطارات الى دويلات، مما يفقد السودان ميزة تعددية ألوان بشره وانواع حيواناته ونباتاته وجماداته، مما حملته سفينه نوح السوداني عليه السلام، فهلا عاد الناس لتدبر القرآن للعمل به دستوراً (أضعنا ستين عاما نتجادل؛ علماني أم إسلامي في أمر لا فائدة منه غير الانفسام وتبديد أموال الشعب) في قلوبهم الحرة بدون إيذاء لغير المسلمين حتى يهرب الشيطان القرين (يكون له قرين) ثم يعودوا الى اكل المن والطلح (الغنية بالبريبايوتك) ويقللوا أكل العدس والفول (الغنية بالالياف الضارة) ومن ثم ينشر أطباء وصيادلة وخبراء التغذية بالسودان وجنوب السودان ونيجيريا وتشاد والدول الاسلامية فضيلة البريبايوتك لمكافحة امراض السكري والبدانة وغيرها من امراض العصر للعالم اجمع، ويطلق السودانيون العصبية ليكونوا احراراً مستقيلين من الاحزاب والحركات والجماعات، ليعود السودان واحدا وموحدا ثم يذوب في إفريقيا التي تذوب في آسيا وأوروبا وتذوب القارات لتكون ارضا واسعة للبشر يعشون فيها احرارا يملأون الارض عدلا كما ملئت جورا وظلما، وليس ذلك على الله ببعيد فهو القادر وحده لان يقول لأي شيء كن فيكون، والملك لله الواحد الأحد.