المرأة المعنفة وحمايتها
في التشريع العربي المقارن
المقدمة
إن موضوع العنف ضد المرأة من العناوين الحساسة في مجال البحث العلمي في القانون لأنه يتعلق بحياة وحرية وكرامة الإنسان ويتعلق بأشخاص يمثلون العدد الأكبر في المجتمعات وتشكل نسبة مؤثر في الوجود الإنساني ولها دور في التنمية البشرية وارتقاء الحضارة الإنسانية نحو الكمال، والمراقب لذلك الموضوع يجد إن المجتمعات المتطورة حاليا كانت تعاني من حالات التخلف والتراجع الإنساني إلا إنها عندما حررت الإنسان من قيود الهيمنة والتسلط الفردي الفئوي الذكوري نهضت باتجاه المعرفة الإنسانية التي قادتها إلى ما عليه من تطور، بينما البلدان المتخلفة ومنها بلدان العالم الثالث ما زالت تعاني من عقد التخلف لأنها تتمسك بقيم وتقاليد بالية منذ آلاف السنين وبعضها كان محل اعتراض ورفض في زمانه، إلا أن حالة التردي الإنساني أعادت لها العمل بإطار مقدس أكثر وطأة مما كانت عليه، وبذلك فان هذه البلدان نجد فيها من عوارض التخلف ما يشرعن له بقوانين واجبة الإتباع ومن يخالفها يعاقب ويعد مجرما، واهتم الباحثون في ذلك الأمر كثيرا ووصلوا إلى تصنيفات عدة منها إطلاق التسمية على المرأة التي تقع تحت تأثير ذلك بالمرأة المعنفة، وحيث أن العراق هو جزء من منظومة التخلف في العالم الثالث وكذلك محيطه الإقليمي والعربي وجدت من المناسب أن اعرض إلى العنف ضد المرأة في العراق وبعض البلدان المجاورة مع الإشارة الى بعض تشريعات البلدان التي تقدم في هذا المجال وستكون هذه الورقة كشاف للتشريعات ذات الصلة بالموضوع وعلى وفق الآتي :ـ
أولاً : الجهد الاممي والدولي
بذلت الهيئات الدولية الكثير من الجهد والعمل في تقليل حالات التعنيف تجاه المراة منها جهود سياسية واخرى تشريعية وبعضها معونات ومساعدات مادية ودورات تطويرية لكن موضوع الورقة سيقتصر على الجانب التشريعي وعلى وفق الآتي:ـ
1. ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945
في هذا الميثاق أجهزة متعددة للأمم المتحدة منها اللجنة الإقليمية الاقتصادية والاجتماعية وللمرأة موقع مهم في لجنة مركز المرأة ولها وظائف عدة منها النظر في الشكاوى والوقوف على وضع المرأة وتعزيز حقوقها وتنفيذ التوصيات التي تصدر من المؤتمرات العالمية المتعلقة بالمرأة ومنها التي عقدت كوبنهاكن ، نيروبي، مكسيكو وبكين وأخرى في مدن عالمية متعددة، فضلا عن ديباجة الميثاق الذي جاء فيه ( أن نؤكد من جديد ايماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدرته وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية)[1]
2. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948
وفيه عدة مبادئ أشارت إلى المساواة واحترام الحريات والحقوق الأساسية ومنها ما يتعلق في الأسرة والمرأة التي وردت في المواد (2، 3، 4، 5، 6) وفيها اللبنة الأولى لمجموعة المبادئ التي أقرتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على وفق مفاهيم حديثة ومعايير جديدة تتلاءم مع متطلبات الحداثة وفكرة المساواة.
3. العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية
وكانت هذه العهود رد فعل تجاه الوضع الانساني المزري الذي تركته الحروب على البشرية فاكدا على ان الانسان هو الاساس للمجتمع ولابد من حمايته وتامين حياة كريمة له وردت في العهدين بعض من حقوقه وجعلت هذه الحقوق الحد الادنى له في حياة كريمة ومنها الاحق في الحياة ومنع العنف تجاه هذا الحق على وفق نص المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[2]
4. إعلان الأمم المتحدة القضاء على جميع إشكال التمييز العنصري الصادر عام 1963
5. الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عام 1979
6. إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عام 1993
وفيه تعريف العنف ضد المرأة وعلى وفق نص المادة (1) التي جاء فيها ((أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحريـة، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة)
ثانياً: التشريعات الوطنية (الداخلية)
الملاحظ على التشريعات الوطنية والت تتعلق بموضوع الورقة تشريعات الدول المحيط في العراق نجد مشترك بينهم يتمثل بعدم ذكر مصطلح العنف ضد المرأة وإنما ادمج المفهوم مع القواعد العامة التي تجرم الأفعال وهذا شكل نقص في توفير الحماية إلى المرأة مما دعا الهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والناشطات والناشطين في حقوق الإنسان إلى تكثيف العمل في الضغط على الحكومات والمجالس النيابية لإعداد تشريعات خاصة بموضوع العنف والتي سأعرض لها على وفق وضع الفعل الذي يتصدى له النص القانون وكالاتي:ـ
1. جريمة الاغتصاب
يعد القانون الاعتداء الجنسي على المرأة جريمة جنائية مادية ومعنوية ، ويعرفها شراح القانون الجنائي بأنها ( اتصال رجل بامرأة اتصالا جنسيا كاملا دون رضاء صحيح منها بذلك)[3] وتعد هذه الجريمة من الجرائم التي ترتب اثر مادي مزدوج بمعنى أن ينتج عنها ولادة طفل أو أكثر غير شرعي، ومن الملفت للنظر إن بعض شراح القانون يرى ان إكراه الرجل للمرأة في الاتصال الجنسي يعد فعل مشروع إذا كان في ظل نطاق نظام اجتماعي يعترف للرجل بهذا الحق ويفرض على المرأة الالتزام بقبوله ويقول الدكتور محمد نجيب حسني أن هذا النظام في الوقت الحاضر هو الزواج[4] بمعنى وجود نظام سابقا يتيح الحق في الاغتصاب في غير حالة الزواج وحتى في حالة الزواج نجد ان المشرع تعامل مع المرأة على إنها كيان لا إرادة له ولا روح فيه وإنما بضاعة جسدية يقضي فيها الرجل غرائزه فقط وهذا من مؤشرات التخلف في القيم الاجتماعية التي تتقاطع مع مبادئ ثابتة في الشريعة الإسلامية فضلا عن المواثيق الدولية وفي القران الكريم نجد انه كرم المرأة والرجل على حد سواء بقوله (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[5] وفي حالة الزواج ذكر الله عز وجل أسمى وصف له في الآية الكريم (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)[6] وتشير الإحصائيات المعلنة إلى إن جريمة الاغتصاب تكثر في فترة الحروب والأزمات التي تخلق الفوضى وانعدام الأمن ومما يؤسف له إن العراق لم يتوفر على إحصائية عددية حقيقية عن حالات الاغتصاب لإهمال السلطات عن هذا الموضوع وللفكر الشمولي الذي لا يرى بغير الحاكم صفات الفضيلة والآخرين أدوات له، لذلك لم نتوفر على هذه الإحصائية والأمر يسرى على البلدان الأخرى المماثلة وللفائدة اذكر بعض الإحصائيات نقلا عن الدكتورة شهبال دزه يي في كتابها الموسوم العنف ضد المرأة إذ ذكرت حالات الاغتصاب في الهند في ظل أحداث عام 2002 وفي كينيا إبان فترة الاحتلال البريطاني وفي تقرير طبي ذكرته منظمة (NCVS)[7] في عام 2002 إن حالات الاغتصاب بلغت 8629 حالة اغتصاب لامرأة منها 5% حوامل وفي عام 2006 نشر تقرير يشير إلى معدل حالات الاغتصاب في لندن إلى (10) نساء شهريا وفي عموم بريطانيا إلى (41000) حالة اغتصاب عام 2005 وفي جنوب أفريقيا سجلت بلاغات عن حالات اغتصاب بلغت (54000) حالة اغتصاب بين عامي 2002 ـ 2003 ومن الملفت للنظر إن بعض شراح القانون يرى إن إكراه الرجل للمرأة في الاتصال الجنسي يعد فعل مشروع إذا كان في ظل نطاق نظام اجتماعي يعترف للرجل بهذا الحق ويفرض على المرأة الالتزام بقبوله ويقول الدكتور محمود نجيب حسني إن هذا النظام في الوقت الحاضر هو الزواج[8] بمعنى وجود نظام سابقا يتيح الحق في الاغتصاب في غير حالة الزواج وحتى في حالة الزواج نجد إن المشرع تعامل مع المرأة على إنها كيان لا إرادة له ولا روح فيه وإنما بضاعة جسدية يقضي فيها الرجل غرائزه فقط وهذا من مؤشرات التخلف في القيم الاجتماعية التي تتقاطع مع مبادئ ثابتة في الشريعة الإسلامية فضلا عن المواثيق الدولية أما في العراق والبلدان المجاورة لم نتوفر على إحصائيات حقيقية[9] والتشريعات التي أشارت إلى هذا الجرم سأعرض لها على وفق الآتي :ـ
أ. قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل
الفقرة (1) من المادة (393) التي جاء فيها الاتي (1 – يعاقب بالحبس المؤبد او المؤقت كل من واقع انثى بغير رضاها او لاط بذكر او انثى بغير رضاه او رضاها.2 – يعتبر ظرفا مشددا اذا وقع الفعل في احدى الحالات التالية:ا – اذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ الثامنة عشرة سنة كاملة.ب – اذا كان الجاني من اقارب المجنى عليه الى الدرجة الثالثة او كان من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن له سلطة عليه او كان خادما عنده او عند احد ممن تقدم ذكرهم.ج – اذا كان الفاعل من الموظفين او المكلفين بخدمة عامة او من رجال الدين او الاطباء واستغل مركزه او مهنته او الثقة به.ز – اذا ساهم في ارتكاب الفعل شخصان فاكثر تعاونوا في التغلب على مقاومة المجنى عليه او تعاقبوا على ارتكاب الفعل.هـ - اذا اصيب المجنى عليه بمرض تناسلي نتيجة ارتكاب الفعل.و – اذا حملت المجنى عليها او ازالت بكارتها نتيجة الفعل.3 – واذا افضى الفعل الى موت المجنى عليه كانت العقوبة السجن المؤبد.4 – واذا كانت المجنى عليها بكرا فعلى المحكمة ان تحكم لها بتعويض مناسب.) ومما يلاحظ على المشرع العراقي ميله نحو التعامل معها على وفق اطار سياسي وليس موضوعي وتدخل في احكام هذه المادة بأكثر من نص تشريعي معدلاً و لاغياً أحيانا ومنها قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (488) لسنة 1978 الذي شدد العقوبة إلى الإعدام[10]
ب. قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 المعدل
المادة 267 التي تنص على الاتي (من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد. و يعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم ، أو تعدد الفاعلون للجريمة) .ومن تطبيقات القضاء المصري تجاه هذه الواقعة إن جعل مجرد الطلب من المرأة الفعل الفاحش وجرها من يدها وخلع ملابسها لا يعد شروع في جريمة وإنما عمل تحضيري لا يعاقب عليه[11]
ج. قانون العقوبات اللبناني رقم 340 لسنة 1943 المعدل
المادة 503 ـ من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات على الأقل.و لا تنقص العقوبة من سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره.
المادة 504- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من جامع شخصاً غير زوجه لا يستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوه من ضروب الخداع.
وفي القانون أعلاه نلاحظ المشترك بين جميع القوانين بان أهمل معاقبة الزوج الذي يعتدي على زوجته بالجماع تحت الإكراه حتى وان لم تكن في بيته عندما تكون على خلاف معه أو في دار أهلها أو غيرهم وهذا يعبر عن فلسفة ذكورية تهيمن على عقلية المشرع العربي
د. قانون العقوبات السوري رقم 148 لسنة 1949 المعدل
المادة (489) ) 1 ـ من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل 2ـ ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره(.
المادة 490) يعاقب بالأشغال الشاقة تسع سنوات من جامع شخصاً غير زوجه لا يستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوه من ضروب الخداع(
المادة 499 ) 1ـ كل موظف راود عن نفسها زوجة سجين أو موقوف أو شخص خاضع لمراقبة سلطته أو راود إحدى قريبات ذلك الشخص عوقب بالحبس من تسعة أشهر إلى ثلاث سنوات. 2 ـ وتنزل العقوبة نفسها بالموظف الذي يراود عن نفسها زوجة أو قريبة شخص له قضية منوط فصلها به أو برؤسائه. 3 ـ تضاعف العقوبة إذا نال المجرم إربه من إحدى النساء المذكورات آنفاً(.
ه. قانون العقوبات الاردني رقم (16) لسنة 1960
الماد(292) عقوبة الاغتصاب
(من واقع بالإكراه أنثى (غير زوجه) يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل.
2- ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان المعتدى عليها لم تتم الخامسة عشرة من عمرها.9
المادة (293) اغتصاب أنثى لا تستطيع المقاومة
(يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من واقع أنثى (غير زوجه) لا تستطيع المقاومة بسبب عجز جسدي أو نقص نفسي أو بسبب ما استعمل نحوها من ضروب الخداع.)
المادة (294) عقوبة مواقعة أنثى دون سن الخامسة عشر او الثانية عشر
1(ـ من واقع أنثى لم تتم الخامسة عشرة من عمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة.2- ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا كانت المعتدى عليها لم تتم الثانية عشرة من عمرها.)
و. قانون العقوبات الكويتي رقم 16 لسنة 1960 المعدل
المادة (186) (من واقع انثى بغير رضاها ؛ سواء بالاكراه او بالتهديد او بالحيلة ؛ يعاقب بالاعدام او الحبس المؤبد. إذا كان الجاني من اصول المجني عليها او من المتولين تربيتها او رعايتها ؛ او ممن لهم سلطة عليها ؛ او كان خادما عندها او عند من تقدم ذكرهم ؛ كانت العقوبة الاعدام.)
وفي مجمل هذه التشريعات وردت صور عديدة للجريمة منها متعلق بشخص المجنى عليها إذا كانت قاصر أو بالغة ومنها بشخص الجاني إذا كان موظف أو عهد إليه بتربية المجنى عليها أو رجل الدين بحكم سلطته الدينية وإذا كان من أقارب المجنى عليها[12] وهذه أثرت في تحديد عقوبة الجاني على وفق مقتضى الوصف الذي يتصف به .
2. جريمة الزنا
جميع المجتمعات سعت إلى حماية كيانها من التفكك من خلال حماية الحقوق والحفاظ على الأسرة وعاقبت على الأفعال التي تمثل علاقات غير منسجمة مع مبادئ وقيم هذه المجتمعات، ومنها العلاقة بين شخصين دون غطاء شرعي تشكل حالة طارئة على الحياة الأسرية وتفسد مودتها، وأطلق عليها جريمة الزنا في الشريعة الإسلامية تعرض لها كل الفقهاء في كل المذاهب وحرموا الفعل وعاقبوا من ارتكبه مؤسسين أحكامهم على حكم الآية الكريمة (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)[13] وعرفها فقهاء المسلمين (وطء مكلف عامدٍ عالم بالتحريم من محرم لعينه مشتهى طبعا مع الخلو في الشبهة)[14]وعقوبتها في الإسلام الحبس في البيوت على وفق قوله تعالى (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)[15]ثم تغير الحكم إلى الجلد في قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)[16]
ثم استقر الحكم بعد ذلك على جلد غير المحصن ورجم المحصن بالحجارة على وفق الحديث الشريف (خُذُوا عَنِّي ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا ، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ")[17]أما موقف التشريع الجنائي العربي فكان على وفق الآتي:ـ
أ. قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل
المادة (377) ونصها الآتي (1– يعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من جانبه انه لم يكن في مقدوره بحال العلم بها.2 – ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا زنا في منزل الزوجية.) ويرى شراح القانون الجنائي إن هذه الجريمة لها ثلاثة أركان ( 1ـ الوطء 2ـ قيام الزوجية فعلا وحكما3ـ توفر القصد الجنائي)[18]ووضع المشرع شروط عدة لغرض تحريك الشكوى في جريمة زنى الزوجية ضد أي من الزوجين منها لا تحرك إلا بطلب من الزوج الآخر على وفق ما ورد في حكم البند (1) من الفقرة (آ) من المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل[19] وشرط أخرى ورد في حكم المادة (378) من قانون العقوبات العراقي[20] ومن تطبيقات العراقي ما جاء في قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 799 / هيئة جزائية/ 2010 في 17/6/2010 الذي جاء فيه (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الثابت من وقائع القضية اعتراف المتهمة الحدث (ر) بوجود علاقة غرامية لها مع المتهم (ف) سابقة لعقد زواجها من المدعو (ع) والذي كان قد تقدم لخطبتها من والدها ونظم عقد زواج في محكمة الأحوال الشخصية في العباسية بالعدد 82/حجة زواج /2009في27/10/2009 ولم يحصل الدخول الشرعي بينهما وكان ذلك دافع المتهمة للهرب بمحض إرادتها مع المتهم (ف) الى مدينة بغداد وحضورهما أمام رجل الدين الذي عقد زواجهما الشفوي وحصل الإيجاب والقبول بين الطرفين رغم علمهما برابطة الزوجية السابقة ومن ثم الدخول الشرعي ومعاشرتها معاشرة الأزواج وقد تأيد ذلك بأقوال والدي المتهمة وأقوال المتهم (ف) المدونة أقواله أمام المحكمة بصفة شاهد وأقوال المشتكي (ع) والذي تنازل عن شكواه ضد زوجته الحدث أعلاه والمتهم (ف) والمصدقة أمام المحكمة بتاريخ 12/3/2010 ولثبوت رابطة الزوجية بين المشتكي (ع) و الحدث أعلاه لذا يكون فعلهما منطبقاً وأحكام المادة 377/1 من قانون العقوبات بدلاً من 376 منه ولتنازله عن شكواه ضدهما واستناداً لأحكام المادة 379/1 من قانون العقوبات لذا تكون الدعوى منقضية بحقهما وحيث أن المحكمة سارت خلاف ذلك لذا تكون القرارات كافة الصادرة بالدعوى غير صحيحة ومخالفة للقانون قرر نقضها واعتبار الدعوى منقضية بحق المتهمة وإطلاق سراحها حالاً من الإيداع والإشعار إلى مدرسة تأهيل الفتيان بذلك وصدر القرار بالاتفاق في 5/رجب/1431هــ الموافق 17/6/2010م .)
كما تنقضي الدعوى الجزائية حتى بعد الحكم بالإدانة وفرض العقوبة على المدان وذلك على وفق حكم المادة (379) عقوبات التي جاء فيها (تنقضي دعوى الزنا ويسقط الحق المدني بوفاة الزوج الشاكي او تنازله عن محاكمة الزوج الزاني او برضا الشاكي بالعودة إلى معاشرة الزوج الزاني قبل صدور حكم نهائي في الدعوى. ويعتبر تنازل الزوج عن محاكمة زوجته الزانية تنازلا منه عن محاكمة من زنا بها. 2 – وللزوج كذلك إن يمنع السير في تنفيذ الحكم الصادر على زوجه. وإذا توفي الشاكي يكون لكل من أولاده من الزوج المشكو أو الوصي عليهم ان يمنع السير في تنفيذ الحكم.) ويلاحظ على النص انه ميز بين الزوج والزوجة وحصر انقضاء الدعوى فقط ان يمنع السير في تنفيذ الحكم بينما لم يشير الى حق الزوجة في طلب منع السير بالدعوى. ومن تطبيقات القضاء العراقي قرار محكمة التمييز الاتحادية[21] العدد 639/هيئة أحداث/2010 في 9/6/2010.
ب. قانون العقوبات اللبناني رقم 340 لسنة 1943 المعدل
المادة (487) ونصها الآتي (تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فبالحبس من شهر إلى سنة. فيما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها.)
المادة (488) ونصها الآتي (يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان كان. وتنزل العقوبة نفسها بالمرأة الشريك.)
ومثلما وجد في التشريع العراقي ورد حكم قانوني بوقف الإجراءات إذا طلب احد الزوجين ذلك تجاه الزوج الآخر وعلى وفق حكم المادة (489)التي جاء فيها ( لا يجوز ملاحقة فعل الزنا إلا بشكوى الزوج واتخاذه صفة المدعي الشخصي. لا يلاحق الشريك أو المتدخل إلا والزوج معاً. لا تقبل الشكوى من الزوج الذي تم الزنا برضاه. لا تقبل الشكوى بانقضاء ثلاثة أشهر على اليوم الذي اتصل فيه الجرم بعلم الزوج. إسقاط الحق عن الزوج أو الزوجة يسقط دعوى الحق العام والدعوى الشخصية عن سائر المجرمين.إذا رضي الرجل باستئناف الحياة المشتركة تسقط الشكوى.)
ج. قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 المعدل
مادة (274) ونصها الآتي (المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفي هذا الحكم برضائه معاشرتها كما كانت )
مادة (275) ونصها الآتي (ويعاقب أيضا الزاني بتلك المرأة بنفس العقوبة .)
المادة (277) ونصها الآتي ( كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور)
ومثلما أشرت سلفا اتفقت التشريعات على وقف الإجراءات عند امتناع الزوجة عن الشكوى او طلب منع الإجراءات وعلى وفق المادة (273) عقوبات مصري التي جاء فيها الاتي (لا تجوز محاكمة الزانية الا بناء على دعوى زوجها الا انه اذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه زوجته كالمبين في المادة 277 لا تسمع دعواه عليها .)[22]
د. قانون العقوبات الاردني رقم 16 لسنة 1960 المعدل
المادة (282) عقوبة الزانية وشريكها ( 1ـ تعاقب المرأة الزانية برضاها بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين. 2ـ ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. 3ـ الأدلة التي تقبل وتكون حجة على شريك الزانية هي القبض عليهما حين تلبسهما بالفعل أو اعتراف المتهم لدى قاضي التحقيق أو في المحكمة أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة.)
المادة (283) عقوبة الزوج الزاني (يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في منزل الزوجية أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان كان)
المادة (284) توقف ملاحقة فعل الزنا على شكوى (لا يجوز ملاحقة فعل الزنا إلا بشكوى الزوج ما دامت الزوجية قائمة بينهما وحتى نهاية أربعة أشهر من وقوع الطلاق أو شكوى وليها إذا لم يكن لها زوج ولا يجوز ملاحقة الزوج بفعل الزنا المنصوص عليه في المادة السابقة إلا بناء على شكوى زوجته وتسقط الدعوى والعقوبة بالإسقاط)
ه. قانون العقوبات السوري رقم 148 لسنة 1949 المعدل
المادة (473) وجاء فيها الآتي (1ـ تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين2ـ ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة 3ـ فيما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها(.
المادة 474 وجاء فيها الآتي (يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان كان 2ـ وتنزل العقوبة نفسها بالمرأة الشريك(.
المادة 475 جاء فيها الآتي
1. لا يجوز ملاحقة فعل الزنا إلا بشكوى الزوج واتخاذه صفة المدعي الشخصي ،وعند عدم قيام الزوجية فتتوقف الملاحقة على شكوى الولي على عمود النسب واتخاذه صفة المدعي الشخصلا يلاحق المحرض والشريك والمتدخل إلا والزوج معاً.
2. لا تقبل الشكوى من الزوج «أو الولي» الذي تم الزنا برضاه.
3. لا تقبل الشكوى بانقضاء ثلاثة أشهر على اليوم الذي اتصل فيه الجرم بعلم الزوج «أو الولي.
4. إسقاط الحق عن الزوج أو الزوجة يسقط دعوى الحق العام والدعوى الشخصية عن سائر المجرمين.
5. إذا رضي الرجل باستئناف الحياة المشتركة تسقط الشكوى.
و. قانون العقوبات الكويتي رقم 16 لسنة 1960 المعدل
المادة 195
كل شخص متزوج - رجلا كان او امرأة - اتصل جنسيا بغير زوجه ؛ وهو راض بذلك ؛ وضبط متلبسا بالجريمة يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز خمسة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
المادة رقم 197
يجوز للزوج المجني عليه في جريمة الزنا ان يمنع اقامة الدعوى الجزائية على الزوج الزاني ؛ رجلا كان او امرأة ؛ وعلى شريكه في الزنا ؛ بشرط ان يقبل المعاشرة الزوجية كما كانت. ولهذا الزوج ان يوقف سير الاجراءات في اية حالة كانت عليها ؛ كما ان له ان يوقف تنفيذ الحكم النهائي ؛ برضائه استمرار الحياة الزوجية. واذا منع الزوج المجني عليه اقامة الدعوى الجزائية ؛ او اوقف سير الاجراءات او اوقف تنفيذ الحكم النهائي ؛ لم تسر احكام المادة 194.
الخاتمة
من خلال العرض أعلاه نجد إن القوانين العربية والقانون العراقي فيها مشتركات كثيرة تجاه التمييز ضد المرأة وتغليب العنف تحت مؤشرات كثيرة لم أعرض لها في الورقة مثل المادة (41، 409) من قانون العقوبات العراقي وفي قوانين العمل وفي الأحوال الشخصية وبذلك نحن بحاجة إلى ثورة في التشريع لتغيير الواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية وكنت قد أشرت إلى ذلك تفصيلا في دراسة بعنوان ( حق الزوجة في طلب التفريق بسبب العنف الأسري) تم عرضها في إحدى الورش مع المعهد العراقي وفي هذا الكشاف التحليلي لبعض المواد القانونية تظهر لنا صورة العقل الذي يدير العملية التشريعية في هذه البلدان وكيفية التعامل مع المرأة ومع المجتمع وما يثير القلق النتائج التي أدت إليها ثورات الربيع العربي في تسلم مقاليد الحكم من بعض الأحزاب والتيارات الراديكالية التي لا تؤمن في حقوق المرأة والله ولي التوفيق
القاضي
سالم روضان الموسوي
بغداد 1/6/2012