تعتبر الجريمة اعتداء على المصالح الجوهرية للمجتمع ، سواء كانت هذه المصالح تتعلق بالجماعة ككل أو مصالح فردية ، لذلك اعتبرت العقوبة السبيل الوحيد لدفاع عن المجتمع ضد الجريمة ، أو من أجل ردع الجاني من العودة إلى الجريمة ، أو من أجل ردع الآخرين من سلوك طريقها ، وقد سادت تبعاً لذلك العقوبات الجسدية القاسية مثل الإعدام والسجن وغيرها من العقوبات . ولكن مثل هذا المفهوم للعقوبة لم ينجح في تكريسها كأداة للقضاء على الجريمة في المجتمع ، فقد لوحظ أن الإجرام في المجتمع في تزايد ، مما دفع رجال الفقه والقانون إلى الاهتمام بالمفهوم الإصلاحي للجزاء وذلك بتركيز الدراسات على المجرم والظروف التي أدت به إلى الجريمة . فلابد حين توضع العقوبة أن تكون متلائمة مع جسامة الجريمة ماديا من ناحية ومتناسبة مع خطورة الجاني وظروفه الشخصية المختلفة من ناحية أخرى وهذا ما يطلق علية " مبدأ تفريد العقوبة " ومن أهم وسائل التفريد ، البارول، الاختبار القضائي، العفو الخاص من العقوبة ، ونظام الإفراج الشرطي ....الخ.

سوف أقتصر في هذا البحث على وسيلة واحدة من وسائل التفريد وهي الإفراج الشرطي ، ويقصد به "إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء كل مدة عقوبته إطلاقا مقيداً بشروط تتمثل في التزامات تفرض علية وتقييد حريته وتمثل كذلك في تعليق للحرية على الفاء بهذه الالتزامات".

إذا كان الهدف من عزل الجاني هو توقي خطورته وأفعاله الضارة، فإذا تحقق إصلاحه وأزيل الخلل الناتج عن الجريمة فإن ذلك يعني أنه ليس من العدالة الاستمرار في تنفيذ العقوبة التي تصبح عبئاً على الجاني وعبئاً أيضاً على الدولة . لهذا الاعتبار شرعت أغلب النظم الإفراج الشرطي ، وقد سلكت السلطنة مسلك التشريعات فقد جاء النص الإفراج الشرطي أو ما يطلق عليه في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم (7/74) ب"وقف الحكم النافذ" في المواد (77،76) وكذلك نص عليه في قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم (97/99) " الإفراج تحت شرط " في المواد (310،309) ، وأيضا نص عليه في قانون السجون الصادر بالمرسوم (48/98) في المواد ( 54،53،52) .

يحقق الإفراج الشرطي جملة من الأهداف ، فهو يحث المحكوم عليه على نهج وأتباع السلوك القويم وذلك أثناء وجودة في المؤسسة العقابية ، إضافة إلى ذلك فأنه يساهم في أصلاح المحكوم عليه خارج المؤسسة العقابية ، وذلك تمهيداً لاندماجه في المجتمع وتكيفه معه ، كما أن الإفراج الشرطي يعد وسيلة لحث المحكوم عليه وتشجيعه على الالتزام بالسلوك الحسن أثناء الفترة المتبقية من مدة محكومتيه، وكذلك هو يحول دون ازدحام السجون بالنزلاء عن طريق الإفراج عن البعض منه والذي صلح أمره ولم يعد بحاجة إلى تقييد حريته ، وبذلك يؤدي إلى توفير الجهد والمال وعدم توظيفهما في مجلات لا فائدة منها.

وقد قسمت موضوع البحث إلى ثلاث مباحث، فقد كان المبحث الأول بموضوع طبيعة الإفراج الشرطي وقسمته إلى مطلبين ، المطلب الأول تعريف الإفراج الشرطي وتكييفه ، أما المطلب الثاني خصائص هذا النظام والهدف منه ، أما المبحث الثاني فقد كان بموضوع التنظيم القانوني للإفراج الشرطي وقسمته إلى مطلبين المطلب الأول شروط الإفراج الشرطي ، أما المطلب الثاني آثار الإفراج الشرطي ، أما المبحث الثالث فقد كان بموضوع انتهاء الإفراج الشرطي، وقد أشتمل على مطلبين ، المطلب الأول سيكون عن انقضاء مدة العقوبة ، والمطلب الثاني سيكون عن انتهاء الإفراج الشرطي .

المبحث الأول

طبيعة الإفراج الشرطي

إن الإلمام بطبيعة نظام الإفراج الشرطي تقتضي التعرف أولا على ماهية هذا النظام وعلى أصل نظام الإفراج الشرطي وتكييفه وكذلك على خصائصه وأهدافه وهذا ما سنبينه في هذا المبحث وسنقسمه إلى مطلبين، المطلب الأول سنتطرق لتعريف الإفراج الشرطي وتكييفه، أما المطلب الثاني سنتطرق لخصائص هذا النظام والهدف منه .

المطلب الأول

ماهية الإفراج الشرطي

يقصد بالإفراج الشرطي "وسيلة استخدمتها النظم العقابية المتطورة للحد من مساوئ الإبقاء في المؤسسات العقابية لفترات طويلة قد يكون لها آثارها السيئة التي تعوق إعادة تأهيل السجين وتقويمه ، وبمقتضى هذا النظام الشائع يقضي السجين في المؤسسة العقابية فترة معينة من العقوبة يتقرر بعدها إخلاء سبيله أو الإفراج عنه قبل انتهاء المدة المحكوم عليه بها ، بمعنى أن حسن السير والسلوك هو شرط أساسي لهذا النوع ".

وجاء في تعريف أخر أنه " إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء كل مدة عقوبته إطلاقا مقيداً بشروط تتمثل في التزامات تفرض علية وتقييد حريته وتمثل كذلك في تعليق للحرية على الفاء بهذه الالتزامات ".

إن نظام الإفراج الشرطي يرجع إلى أصل فرنسي ، حيث قدم " ميرابو " في عام 1790 تقرير إلى الجمعية الوطنية الفرنسية يطالب فيها بإدخال نظام الإفراج الشرطي في قانون العقوبات الفرنسي كإحدى الوسائل لإصلاح أنظمة السجون .

وفي عام 1874م قام القاضي الفرنسي الشهير " بونفيل دي مارسانجاني " بقيادة حملة واسعة لصالح الإفراج الشرطي ، وأستمر في هذه الحملة وكان أشهر المتحمسين والداعيين إلى أن قامت الجمعية الوطنية الفرنسية بتبني نظام الإفراج الشرطي في 14 آب سنة 1885 .

ثم تناولته بتنظيم المواد من 729 إلى 733 من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بقانون 31 ديسمبر سنة 1957 . كما طُبق هذا النظام في انجلترا سنه 1850 وأخذ به قانون سكسونيا سنة 1862 ، وقانون العقوبات الألماني (مادة 26) ، وقانون العقوبات الإيطالي ( المادتين 176 و 177 ) ،وأدخل هذا النظام في مصر بالمرسوم الصادر 23 ديسمبر 1897 ، ونص قانون الاتحادي الإماراتي رقم 3 لسنه 1992 الخاص بتنظيم المنشآت العقابية على نظام الإفراج الشرطي في للمواد ( 44- 47 ) كذلك تضمن قانون الإجراءات الجزئية الاتحادي رقم 35 لسنه 1992 المادة 302 منه وهي تتعلق بالإفراج الشرطي . سلك المشرع العماني مسلك التشريعات كما بينا في المقدمة فقد جاء النص على نظام الإفراج الشرطي في المواد ( 77،76) من قانون الجزاء ، والمواد (310،309) من قانون الإجراءات الجزائية ، والمواد (54،53،52) من قانون السجون .

اختلفت نظره التشريعات والباحثين فيما يتعلق بتكييفه من الناحية القانونية وتكييفه من الناحية العقابية.

أما الأمر الأول فقد اختلفت فيه الآراء : فذهب رأي إلى اعتبار الإفراج الشرطي عملا إدارياً محتجاً في ذلك بأنه في حقيقته تعديل للمعاملة العقابية كي تلائم التطور الذي طرأ على شخصية المحكوم عليه ، وهو من هذه الوجهة أشبه بأوجه النشاط الإداري التي تمارسها الإدارة العقابي تنفيذاً للعقوبة ، وذهب رأي ثانٍ إلى اعتباره عملا قضائيا لأنه ينطوي على مساس بالقوة التنفيذية للحكم ويدخل تعديلا عليه من حيث تحديد مدة معينه للعقوبة .

وأن أهمية هذا الخلاف تتضح من حيث تحديد السلطة المختصة بمنح الإفراج الشرطي : فالرأي الأول يقود إلى تخويله لسلطة إدارية ، وقد أقر هذه النتيجة التشيع الفرنسي الذي جعله من اختصاص وزير العدل ( المادة 730 من قانون الإجراءات الجنائية ) والتشريع المصري الذي جعله من اختصاص مدير عام السجون ( المادة 53 من قانون تنظيم السجون ) ، وكذلك التشريع العماني الذي جعله من اختصاص مدير عام السجون بعد موافقة لجنه يصدر تشكيلها قرار من المفتش العام لشرطة والجمارك (المادة 309 من قانون الإجراءات الجزائية) ، بينما يرى أصحاب الرأي الثاني أن الإفراج الشرطي ينطوي على تعديل للحكم وبالتالي هو يتضمن مساساً بقوته ، ولذلك لا يجوز أن يصدر مساس بحكم قضائي من غير القضاء وكذلك أن الإفراج الشرطي ينطوي على تعديل أساسي من المركز القانوني للمحكوم عليه ومثل هذا التعديل لا يجوز أن يصدر عن غير القضاء كي تكفل لحقوق المحكوم علية الضمانات الكافية. وهذا الرأي يرجحه الكثير من فقهاء القانون ، وهذا ما جاء في المادة 76 من قانون الجزاء العماني إذ جعل إصدار أمر الإفراج في العقوبة التأديبية من القاضي الذي حكم بالدعوى ، في حين جعل إصدار أمر الإفراج في العقوبة الإرهابية بمقتضى مرسوم سلطاني .

أما التساؤل حول تكييفه من الناحية العقابية هل هو منحة من الجهة المختصة أم هو حق يجوز للمحكوم عليه أن يطالب به ؟

أن الإفراج الشرطي لا يمكن أن يعد منحة من الإدارة المختصة لأنه أسلوب ونظام عقابي في نشأته الأولى بعد مرحلة من مراحل تطبيق النظام التدريجي ، وحالياً يعد أسلوباً من أساليب الإصلاح والتأهيل ، لازما لتحقيق العقوبة غرضها النهائي في إعادة تكييف المحكوم عليه مع المجتمع ، ولا يعد الإفراج الشرطي حقاً لمحكوم عليه وبالتالي لا يستطيع المحكوم عليه أن يطالب به وكذلك لا تلتزم الجهة المختصة بالاستجابة لطلبه ، فهو إذن وسط بين المنحة والحق ويهدف إلى مكافأة المحكوم عليه على حسن سلوكه ، وإعداده للحياة الحرة في المجتمع ، فمتى توافرت شروطه وجب على الجهة المختصة تقريره لكي يتحقق الغرض النهائي للعقوبة في إصلاح وتأهيل المحكوم علية .

يمتد نطاق الإفراج الشرطي إلى المحكوم عليهم كافة ، أي لا يطبق الإفراج الشرطي على كل شخص لا يتصف وضعه القانوني بأنه " محكوم عليه" إذ لم تثبت بعد حاجته إلى نظم التأهيل ، ويبرر امتداد نطاق الإفراج الشرطي إلى جميع المحكوم عليهم أنه يستند إلى اعتبارات الردع الخاص،وبالتالي لا وجه للتذرع باعتبارات الردع العام لحظر الإفراج الشرطي عن بعض المحكوم عليهم وذلك لان هذه الاعتبارات قد روعيت على نحو كاف بالحكم بالإدانة وبالمدة التي أمضاها المحكوم عليه في المؤسسة العقابية ولكن لا يجوز إطلاق هذه القاعدة فقد تعرض اعتبارات من جسامة الجريمة أو خطورة المحكوم عليه تجعل الإفراج الشرطي مهدراً للشعور بالعدالة أو مفسداً للردع العام وعندئذ يكون المصلحة حظر الإفراج الشرطي .

لا يطبق هذا النظام على المحبوسين احتياطياً أو المنفذ عليهم بالإكراه البدني أو من سلبت حريتهم بناء على حكم غير نهائي.

إلا أن تطبيق هذا النظام يثير تساؤلا عن وضع " المجرم بالمصادفة " إذ خطورته قليلة ، وتكفى في تأهيله معاملة عقابية تستمر وقتاً قصيراً ، ويعني ذلك أنه في غير حاجة إلى نظام تأهيلي تكميلي ، وتجيب التشريعات على هذا التساؤل بتطلبها حداً أدنى من مدة يمضيها المحكوم عليه في المؤسسة العقابية قبل أن يتاح له الحصول على الإفراج الشرطي ، وفي الغالب تكون المدة التي يحكم بها على المجرم بالمصادفة دون هذا الحد مما يجعل المشكلة في الواقع غير قائمة.

لا يمتد الإفراج الشرطي إلى التدابير الاحترازية والمختلطة، إذ ليست لها مدة محددة، وهي قابلة بطبيعتها للإنهاء إذا زالت الخطورة الإجرامية دون حاجة إلى نظام الإفراج الشرطي.

الإفراج الشرطي يحقق جملة أهداف ، فهو يحث المحكوم عليه على نهج وأتباع السلوك القويم وذلك أثناء وجودة في المؤسسة العقابية ، كما يهيئ الظروف أمامه لتنفيذ برنامج التأهيل على وجه جيد ، إضافة إلى ذلك فأنه يساهم في أصلاح المحكوم عليه خارج المؤسسة العقابية ، وذلك تمهيداً لاندماجه في المجتمع وتكيفه معه من أجل إعداده للإفراج النهائي عنه . كما أن الإفراج الشرطي يعد وسيلة لحث المحكوم عليه وتشجيعه على الالتزام بالسلوك الحسن أثناء الفترة المتبقية من مدة محكوميته ، وذلك لان سوء سلوكه يعرضه لإلغاء الإفراج الشرطي والعودة مرة أخرى إلى المؤسسات العقابية .

ويحقق الإفراج الشرطي مزايا أخرى غير مباشرة ، فهو يحول دون ازدحام السجون بالنزلاء عن طريق الإفراج عن البعض منه والذي صلح أمره ولم يعد بحاجة إلى تقييد حريته ، وبذلك يؤدي إلى توفير الجهد والمال وعدم توظيفهما في مجلات لا فائدة منها .

المطلب الثاني

خصائص الإفراج الشرطي

للإفراج الشرطي الخصائص الآتية :

أولا : الإفراج الشرطي ليس إنهاء للعقوبة .

لقد سبق أن بينا أن نظام الإفراج الشرطي يعتبر أحد أساليب المعاملة العقابية أو أحد أساليب التنفيذ العقابي ، لذا فأنه لا يعد وقفاً للعقوبة أو إنهاء لتنفيذها أو سبب لانقضائها وإنما هو تعديل في أسلوب تنفيذها وبالتالي لا تنقضي العقوبة إلا إذا انتهت مدتها المحددة في الحكم كاملة دون إلغاء الإفراج الشرطي ويترتب على ذلك أمرين :

1. أن العقوبات التبعية أو التكميلية المنصوص عليها (46) في قانون العقوبات العماني والمادة (73) وما بعدها من قانون العقوبات الاتحادي والمادة ( 24) وما بعدها من قانون العقوبات المصري لا تتأثر بالإفراج الشرطي .
2. أن المدة التي يجب مرورها لكي يستطيع المحكوم عليه الحصول على رد اعتباره لا تبدأ من يوم الإفراج الشرطي ولكن من تاريخ انتهاء العقوبة كاملة ( أي بمرور فترة الإفراج الشرطي دون إلغائه أو بعد تنفيذ الجزء المتبقي من العقوبة إذا ألغي ).

ثانياً : الإفراج الشرطي ليس إفراجاً نهائياً .

أي أنه لا يكون المحكوم عليه في مركز نهائي مستقر، إذا هو عريضة خلال مدة الإفراج الشرطي لان يلغي هذا الإفراج، ولا يتحول الإفراج الشرطي إلى إفراج نهائي إلا إذا أنقضت مدته دون أن يلغى.

ثالثا : الإفراج الشرطي ليس حقا للمحكوم عليه .

الإفراج الشرطي تقدره سلطة يخولها القانون ذلك، ولذلك فهو ليس حقا للمحكوم عليه، فلا يستطيع هذا الأخير أن يطالب بالإفراج عنه لتوافر الشروط لدية، وبالتالي هي لا تحتاج إلى موافقة المحكوم علية لكي تقرر الإفراج عنه، فإذا صدر قرار الإفراج الشرطي يلتزم المفرج عنه بالوفاء بالالتزامات التي تقترن بالإفراج، بحيث إذا أخل بأحدها يجوز إلغاء الإفراج وإعادة إلى السجن لتنفيذ الجزء المتبقي من العقوبة.

المبحث الثاني

التنظيم القانوني للإفراج الشرطي
يتضمن التنظيم القانوني للإفراج الشرطي أو وقف الحكم النافذ، بيان شروطه التي حددها القانون وآثار الإفراج الشرطي ومصيره

المطلب الأول

شروط الإفراج الشرطي
الشروط اللازم توافرها لتطبيق نظام الإفراج الشرطي تنقسم إلى شروط موضوعي وشروط شكلية تتعلق بالجهة التي تملك سلطة تقرير الإفراج.

أولا : الشروط الموضوعية

وهذه الشروط تتعلق بالمحكوم عليه وبالعقوبة المحكوم بها وبالمدة التي تُنفذ في السجن.

1. الشروط التي تتعلق بالمحكوم عليه

وهذه الشروط ثلاثة :

* أن يكون المحكوم عليه داخل السجن داعياً إلى الثقة بتقويم نفسه .

وهذا ما جاء النص به في المادة (309 ) من قانون الإجراءات الجزائية العماني " ........... وكان سلوكه أثناء وجودة في السجن يدعو إلى الثقة بتقويم نفسه ...."

فالإفراج الشرطي مكافأة له على حسن سيرة وسلوكه أثناء التنفيذ فحسن سلوكه هو الذي يفيد بأن المحكوم عليه قد استفاد من البرنامج التأهيلي الذي طبق عليه أثناء التنفيذ ، وفي هذه الحالة يمكن الاستعانة بالمتخصصين، فيقوم كل واحد منهم لكتابة تقرير عن تطور شخصية المحكوم عليه، ومدى استعداده لتأقلم والتكيف مع المجتمع.

* إلا يكون الإفراج عن المحكوم عليه خطر على الأمن العام.

وهذا الشرط منصوص أيضاً في قانون الإجراءات الجزائية العمانية في المادة "309" " " ........ ما لم يكن في الإفراج عنه خطر على الأمن العام ...." وأيضاً هذا الشرط مطلوب في كلاُ من التشريع المصري والكويتي .

ولا يؤخذ من هذا الشرط أن يكون مصدر الخطر على الأمن العام هو سلوك الجاني ذاته ، ذلك أن من كان حسن السيرة والسلوك أثناء التنفيذ لا يمكن أن يشكل بسلوكه خطراً على الأمن العام إذا الفرض أن حالة قد أنصلح ولا يخشى من عودته إلى الأجرام ولكن الذي يعنيه هذا الشرط هو أنه قد يترتب على الإفراج عن المحكوم عليه تهديد الأمن العام ، كما لو كان يخشى اعتداء المجني عليه أو أهله على المحكوم عليه بعد الإفراج عنه وفي مثل هذه الحالات يكون الإفراج غير جائز ما لم تتخذ السلطات العامة الإجراءات التي يكون من شأنها تفادي تهديد الأمن العام وإن تقدير توافر هذا الشرط من عدمه يرجع إلى إدارة المنشأة العقابية بالتعاون مع الأجهزة المختصة بالأمن العام.

* أن يكون المحكوم عليه قد أوفى بالالتزامات المالية للمحكوم بها ويقصد هنا بالالتزامات المالية ما يكون قد حكمت به المحكمة الجنائية من مصاريف وتعويضات. أما الالتزامات التي تنشأ عن حكم من المحكمة المدنية ولو كان بسبب الجريمة فلا يؤثر عدم الوفاء بها على الإفراج الشرطي.

إلا أنه يسقط هذا الشرط إذا لم يستطيع المحكوم عليه الوفاء بهذا الالتزام وهذا ما جاء في نص المادة ( 310 ) من قانون الإجراءات الجزائية العماني " لا يجوز الإفراج تحت شرط إلا إذا أوفى المحكوم عليه بالالتزامات المالية المحكوم بها في الجريمة وذلك ما لم يكن من المستحيل عليه الوفاء ". يمكن القول لأن الوفاء بالالتزام المالي غير مطلوب بذاته وإنما هو مطلوب لأنه يعبر عن ندم المحكوم عليه وهذا دون شك يعد قرينه على إرادة التأهيل لدى المحكوم عليه .

وفي هذه المادة (310) عدل المشرع العماني عن موقفة السابق في المادة (76 ) من قانون الجزاء " ........ يوجب على المحكوم عليه تقديم كفاله احتياطية والخضوع لرقابة موظفي الأمن طيلة المدة الباقية من عقوبته ودفع التضمينات المقضي بها للمتضرر قبل خروجه من السجن.." إلا أن المادة (310 ) هي واجبة التطبيق لأن ورد في المادة (3) من المرسوم الصادر لقانون الإجراءات الجزائية " يلغى كل ما يخالف القانون المرافق أو يتعارض مع أحكامه " وحسن فعل المشرع العماني بهذا التعديل .

رضا المحكوم عليه

تثور في دراسة شروط المحكوم عليه مشكلة قانونية وعقابية هامة تدور حول البحث فيما إذا كان يتطلب رضاء المحكوم عليه لمنحه الإفراج الشرطي بحيث يكون له إذا شاء وتفضيل البقاء في المؤسسة حتى تنقضي مدته عقوبته ( أي رفضه للإفراج الشرطي ) . من الوجهة القانونية لا يثور شك في أنه لا محل لتطلب الرضاء ، والحجة في ذلك أن الإفراج الشرطي نظام عقابي تطبقه السلطة التي يخولها القانون ذلك وفق ما يقرره لها من سلطة تقديرية ، ويعني ذلك أنه مظهر لاستعمال الدولة سلطة مخولة لها إزاء المحكوم عليه ويقتضي ذلك القول بأنه لا يجوز أن يكون له شأن في تطبيق هذا النظام. وانقسمت التشريعات منها المؤيد رضاء المحكوم علية وهي التشريعين الألماني والفرنسي ومنها المعارض لها ومن التشريعات، التشريع المصري والليبي والكويتي والسوري والعراقي. المشرع العماني لم يشترط رضا المحكوم عليه ولقد أحسن المشرع العماني في عدم اشتراط رضاء المحكوم عليه فلو طُلب الرضاء لجعل من هذا النظام كأنه عقد يجري بين المجتمع والمنحرف فإذا أخل به أعيد إلى السجن .

ب- الشروط المتعلقة بالعقوبة المحكوم بها.

يشترط في العقوبة كما جاء في نص المادة ( 309 ) من قانون الإجراءات الجزائية العماني:

* أن يكون حكم العقوبة نهائي

ويقصد بالحكم النهائي " هو الحكم الذي يقبل الطعن بطرق الطعن العادية والغير العادية "

* أن تكون العقوبة سالبة للحرية

فإن الإفراج الشرطي جائز في كافة الجنايات التي يحكم فيها بأي عقوبة سالبة حرية ( السجن المطلق أو المؤقت ) وكذلك يجوز الإفراج في جميع الجنح الذي يقضي بها بعقوبة سالبة للحرية بشرط أن لا تقل عن تسعة أشهر ، أما بالنسبة لمخالفات فلا يجوز الإفراج الشرطي فيها لأنها معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية لمدة أربعة وعشرين ساعة إلى عشرة أيام مادة (39) من قانون الجزاء .

المشرع العماني لم يشترط شرط في الجريمة فقد جاء في نص المادة ذكر العقوبة فلا ينظر إلى نوع الجريمة .

ج- شروط المتعلقة بالمدة التي تنفذ في السجن.

لقد وضع المشرع حد أدنى معيناً لمدة العقوبة السالبة للحرية التي يجب أن يقضيها المحكوم علية داخل السجن بحيث لا يجوز منحة الإفراج الشرطي قبل مرورها، وقد حدد هذه المدة بنسبة معينة من مدة العقوبة المحكوم بها . وتفرض القوانين أن يكون المفرج عنه قد أمضى مدة معينة في المؤسسة العقابية كافية لتأهيله ولتحقيق أغراض العقوبة في الردع والعدالة ، وعلى سبيل المثال فقد حدد المشرع الفرنسي هذه المدة بنصف المدة المحكوم بها، وحددها المشرع الإنجليزي بثلثي المدة المحكوم بها ، وحددها المشرع المصري بثلاثة أرباع المدة المحكوم بها . وإذا كانت العقوبة سالبة للحرية مؤبدة فالمدة التي يجب أن يقضيها المحكوم عليه في السجن خمس عشرة سنة في التشريع الفرنسي وعشرين سنة في التشريع المصري والسوري. أما التشريع العماني فقد أختلف في المدة التي يقضيها المحكوم علية بالسجن المؤقت ، فقد قرر في قانون الجزاء بثلاثة أرباع المدة المحكوم بها أما في قانون الإجراءات الجزائية فقد قرر ثلثي المدة المحكوم بها . ولكنه أتفق في السجن المطلق وحدد المدة التي يقضيها عشرين سنة .

ولكن في حالة تعدد العقوبات، نفرق إذا ما كانت هذه العقوبات المتعددة كلها من نوع واحد فأنها تجمع ويتم الإفراج بعد قضاء المحكوم عليه ثلاثة أرباع مجموعها . أما إذا كانت هذه العقوبات المتعددة مختلفة النوع فيجب أن يقضي السجين ثلاثة أرباع مجموع مددها بشرط أن يبدأ معه باستيفاء العقوبة الأشد فالأخف ، على أن المقصود من تعدد العقوبات هنا أن تكون جميعها عن جرائم وقعت قبل دخول السجن ، فإذا أرتكب المحكوم عليه أثناء وجودة في السجن جريمة حكم عليه من أجلها ، فيكون الإفراج على أساس انقضاء ثلاثة أرباع المجموع المكون من المدة الباقية على السجين وقت ارتكابه لتلك الجريمة مضافة إليها مدة العقوبة المحكوم بها عليه من أجل ارتكابه.

أن المحكوم عليه يجب أن يمضي في مكان تنفيذ العقاب ثلاثة أرباع المدة المحكوم بها دون أن تخصم منها مدة الحبس الاحتياطي ؛ وعله ذلك أن مدة الحبس الاحتياطي تعد على الرغم من خصمها جزءاً من المدة التي سلبت خلالها حرية المحكوم عليه ، فيتعين أن ينسب ثلاثة أرباع المدة إلى كل فترة سلب الحرية .

ثانياً: الشروط الشكلية : وهي
تتعلق بالجهة التي تملك سلطة تقرير الإفراج . تعتبر بعض التشريعات أن الإفراج الشرطي من الأعمال الإدارية ، وبذلك فإن منحة يكون بيد الإدارة العقابية وبهذا الرأي أخذ القانون المصري وكذلك أخذ المشرع العماني في قانون الإجراءات الجزائية في المادة (309) إذ جعله من اختصاص مدير عام السجون بعد موافقة لجنه يصدر تشكيلها قرار من المفتش العام لشرطة والجمارك. ولكن الوجهة الغالب للإفراج الشرطي يكون بيد السلطة القضائية لأنه يمس القوة التنفيذية للحكم ، ويعطي النظام الفرنسي لقاضي تطبيق العقوبات حق الأمر بالإفراج الشرطي بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية لا تزيد على ثلاث سنوات ، بينما يتقرر هذا الحق لوزير العدل لمن تزيد مدة عقوبتهم على ثلاث سنوات بناء على اقتراح قاضي تطبيق العقوبات ( مادة 730/2) وقد أخذ بهذا الرأي أيضا المشرع العماني في قانون الجزاء فقد فرق بين المحكوم عليه بعقوبة إرهابية وبين المحكوم عليه بعقوبة تأديبية ، فيصدر أمر الإفراج في العقوبة الإرهابية بمقتضى مرسوم سلطاني ويصدر أمر الإفراج في العقوبة التأديبية من القاضي الذي حكم بالدعوى .ونجد أن تعارض بين قانون الإجراءات الجزائية وقانون الجزاء في تحديد الجهة المخول لها إصدار أمر الإفراج ، إلا أن قانون الجزاء كان الأصوب في الفقرة الثانية لان الإفراج الشرطي هو عبارة عن تعديل لحكم العقوبة والقاضي هو الذي يحق له تعديل الحكم . وما أشترطه في الفقرة الأولى بأن يصدر الإفراج الشرطي لعقوبة إرهابية بمرسوم سلطاني يشكل صعوبة لما لها من إجراءات قد تعيق تطبيق الإفراج .


المطلب الثاني

آثار الإفراج الشرطي




لا يترتب على الإفراج الشرطي محو الحكم الصادر بالإدانة بل يبقى منتجاً لآثاره القانونية ، فهو يقف أثره عند إيقاف تنفيذ الجزء المتبقي من العقوبة وبالتالي تبقى العقوبات التكميلية أو الإضافية الملحقة بالعقوبة الأصلية قائمة، ويمكن الاستناد إلى حكم الإدانة باعتباره سببا لرفض التنفيذ ويمكن أيضا اعتباره سابقة للعود .

وأيضاً أن الإفراج الشرطي يؤدي إلى إبدال سب الحرية بتجربة حسن سير وسلوك ، حيث يخضع المفرج عنه خلال فترة معينة لإجراءات مساعدة ورقابة والتزامات تهدف إلى تحقيق تأهيل المفرج عنه، وقد نص قانون السجون العماني على هذه الضوابط والشروط في المادة ( 52 ) ومن الشروط التي يجب أن يلتزم بها المحكوم علية خلال المدة المتبقية :

* أن يكون حسن السير والسلوك وأن لا يتصل بذوي السيرة السيئة أو ذوي السوابق الإجرامية والذين يمارسون الإجرام أو من المشبوهين.
* أن يسعى بصفة جدية للتعين في عمل مشروع وأن يجد له مصدر رزق يستطيع من خلاله العيش في المجتمع من دون إجرام أو لجوء لأصحاب الإجرام.
* أن يقيم في الجهة التي ينتمي لها ما لم يكن قرار الإفراج يلزمه بالإقامة في جهة معينه لاعتبارات معينة.
* ولا يجوز له أن يغير مكان إقامته إلا بعد إبلاغ مركز الشرطة المختص وعليه أن يقدم نفسه إلى مركز الشرطة في البلد الذي ينتقل إليه فور وصوله .
* أن يقدم نفسه إلى مركز الشرطة التابع له محل إقامته في المواعيد المعدة لذلك .







المبحث الثالث

انتهاء الإفراج الشرطي




ينتهي
الإفراج إما بانقضاء مدته فيتحول بذلك إلى إفراج نهائي، أو بإلغائه وإعادته المستفيد منه إلى السجن مرة أخرى. وهذا ما سأتناوله في هذا المبحث وسيقسم إلى مطلبين، المطلب الأول سيكون عن انقضاء مدة العقوبة، والمطلب الثاني سيكون عن إلغاء الإفراج الشرطي.













المطلب الأول

انقضاء مدة العقوبة




أن المدة الإفراج الشرطي ( أي مدة التجربة ) هي المدة المتبقية من العقوبة دون تنفيذ ، فإذا انقضت هذه الفترة وكان حسن السير والسلوك وأوفى بما فرض عليه من قيود والتزامات زال الإفراج المؤقت ويصبح نهائياً وتعتبر العقوبة كأنها قد نفذت بالكامل ،ويقرر النظام الفرنسي أن العقوبة تعتبر كما لو كانت قد نفذت كاملة من لحظة الإفراج الشرطي وذلك من قبيل مكافأة الفرج عنه على حسن سلوكه ، فمن هذا التاريخ تبدأ المدد القانونية الخاصة بالعود ورد الاعتبار ...الخ ، ومع ذلك لاحظ البعض أن هذا الحل لا يتسق مع طبيعة الإفراج الشرطي باعتباره مجرد تعديل لأسلوب تنفيذ العقوبة وليس إنهاء لها .

إلا أنه يصادف تطبيق هذا الأصل صعوبة إذا كانت العقوبة مؤبدة، إذ ليست لها مدة محددة حتى يمكن حساب المتبقي منها بعد الإفراج، وقد حدده المشرع المصري بخمس سنوات حين تكون العقوبة هي الأشغال الشاقة المؤبدة. المشرع العماني حدد المدة التجربة في السجن المطلق في قانون السجون (المادة 53) بخمس سنوات .




المطلب الثاني

إلغاء الإفراج الشرطي




جاء نص المادة (77) من قانون الجزاء العماني واضحة في تحديد الأسباب التي يقرر فيها القاضي إلغاء الإفراج الشرطي وإعادة المحكوم علية إلى السجن لمتابعة تنفيذ العقوبة الأولى ومصادرة الكفالة الاحتياطية لصالح الخزينة وهذه الأسباب هي :

أولا : إذا أرتكب المحكوم عليه في خلال المدة الباقية من العقوبة الموقوف إنفاذها ، جرما آخر أدى إلى الحكم عليه بالسجن سنه على الأقل . والحكمة من إلغاء الإفراج ليست خافيه فالمفرج عنه يمر بفترة تجربة والإفراج النهائي معلق على شرط يتمثل في اجتياز فترة التجربة بنجاح لأن الإفراج هدفه تأهيل المحكوم عليه خارج السجن وإعداده لحياة الحرية ، فإذا صدر عنه ما يثبت عدم جدوى هذا الأسلوب من التأهيل أعيد للسجن ليقضي فيه المدة المتبقية من العقوبة المحكوم بها عليه .

ثانياً: إذا لم يسدد المحكوم عليه الغرامة التي أبدلت بها عقوبة السجن. إلا أن جاء في نص المادة (310) من قانون الإجراءات الجزائية " ....ما لم يكن من المستحيل عليه الوفاء بها ..." يتضح من هذا النص أنه إذا استحال على المحكوم عليه الوفاء بأي التزام مالي ليس من شأن ذلك إلغاء الإفراج الشرطي ، وذلك لأنه لا يصح القول بأن جسم الإنسان هو أداة الوفاء عندما يكون المحكوم عليه معسر لدرجة يصعب علية الوفاء بتلك الالتزامات حتى لو أكمل المدة.

وإذا صدر قرار بإلغاء الإفراج الشرطي أعيد المفرج عنه إلى السجن من جديد لقضاء فترة العقوبة التي كانت متبقية له لحظة الإفراج الشرطي عنه ، والأصل أنه يقضي هذه الفترة كاملة وهو ما أخذ به النظام المصري ومعظم التشريعات العربية ، إلا أن النظام الفرنسي يمكن للمفرج عنه الذي ألغى الإفراج عنه تحت شرط أن يقضي جزء فقط من المدة التي كانت متبقية له ، ويبدو هذا النظام أكثر مرونة لاسيما إذا تم إلغاء بعد عدة سنوات أمضاها المفرج عنه تحت التجربة .

جاء في المادة (54) من قانون السجون العماني " يجوز إلغاء الإفراج أن يفرج عن النزيل مرة أخرى إذا توافرت شروط الإفراج وفي هذه الحالة تعتبر المدة الباقية من العقوبة بعد إلغاء الإفراج كأنها مدة عقوبة محكوم بها

فإذا كانت المدة المحكوم بها السجن المطلق فلا يجوز الإفراج قبل مضي خمس سنوات "




ويقرر المشرع العماني مبدأ جواز تكرار الإفراج الشرطي ، أي الإفراج بعد إلغاء إفراج سابق والعلة من ذلك هو ملاحظة سلوك المحكوم عليه بعد إلغاء الإفراج قد تكشف عن تحسنه إلى الحد الذي لا يعود معه محتاجا إلى المعاملة العقابية التي تطبق في داخل السجن ، ولابد لجواز الإفراج الثاني أن يقض المحكوم عليه ثلاثة أرباع تلك المدة بشرط إلا تقل عن تسعة أشهر وإذا كانت العقوبة المؤبدة فيتعين أن يقض المحكوم عليه خمس سنوات لكي يمكن الإفراج عنه مرة أخرى ،مع تطبيق جميع شروط الإفراج الشرطي وأحوال إلغائه السابق بيانها .
منقول