الإقلاع عن الخطأ \ والشباب
إن من نعم الله على الإنسان حين يقع في معصية ما، أن تنتابه صحوة الضمير وإدراك الخطأ، وذلك سبب إلى التراجع والتوبة، والتوبة إنما تعني الشعور بالندم داخل النفس، ليقرر بعدها المرء الاقلاع عن الذنب ومعالجة آثاره، هذه هي التوبة الحقيقية. بيد أن الشيطان، وهو العدو المبين للإنسان، قد يفوت على المرء هذه الفرصة عبر وسائل وأساليب مضللة أبرزها الدفع باتجاه التأخير والتسويف للتوبة، وصولاً إلى التراجع عنها في نهاية المطاف، وإنما تمحورت مهمة الأنبياء والأئمة في التنبيه ولفت الأنظار إلى مثل هذه المزالق، حتى لا ينخدع الناس بإغراءات الشيطان وأضاليله، من هنا جاءت كلمة الإمام الجواد(ع) : (تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله وقول الحق تعالى شانه﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾[1] . إن على المرء أن يبادر فوراً إلى الاقلاع عن الخطأ والتوبة عن الذنب والمعصية. فقد يدرك أحدهم أنه أخطأ ويضمر في نفسه الإقدام على التوبة والإصلاح، لكنه يؤجل ذلك تحت تأثير نوازع الشيطان الذي يزين له تسويف التوبة. ثمة هناك من يرتكب خطأ ما فيعترف بخطئه، غير أن الاعتراف بالخطأ شيء والتراجع والإقلاع عنه شيء أخر ولذلك تجد البعض يتحجج بأن الاقلاع عن الأخطاء يحتاج إلى وقت، وهنا يكمن دور الشيطان. الذي يسوّف للإنسان ويجعله متباطئا عن إنجاز مهمة التوبة عن الذنب والخطأ. مخاطر تأخير التوبة: إن لتأخير التوبة وتسويف الاقلاع عن الذنوب مخاطر كبيرة، نذكر منها: أولاً: إن تأخير التوبة مدعاة لأن يخسر الإنسان لطف الله تعالى في محو المعصية والعفو عن الذنب عاجلاً. فالكثير من النصوص الدينية تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى إنما يمحو الذنب عن عباده إذا ما سارعوا إلى التوبة حتى كأنهم لا ذنب لهم. فقد ورد عن الإمام الصادق : ( إن العبد إذا أذنب ذنبا أجّل من غدوة إلى الليل، فإن استغفر الله لم يكتب عليه )[2] . وكأن في ذلك بمقتضى قول الامام فرصة للإنسان للمراجعة والتوبة قبل أن تكتب عليه معاصيه، وعنه : (العبد المذنب إذا أذنب ذنباً أجّله الله سبع ساعات فإن استغفر الله لم يكتب عليه شيء، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتب عليه سيئة)[3] . ويقول أمير المؤمنين فيما روي عنه: (إن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة)[4] . ثانياً: ينطوي تأجيل التوبة على مخاطر منها ضعف إرادة المرء واهتزاز عزيمته على التوبة. ويعود ذلك إلى أن الإنسان كلما استمر في القبول بالذنب فإنه سرعان ما يتكيف معه ويتطبع به، من هنا تأتي أهمية اقتناص لحظات الهداية لاتخاذ قرار التوبة توقياً من امكانية التراجع عن هذه الخطوة فيما بعد. ولعل أقرب مثال يذكر في هذا السياق ما نجده من تقلبات في اتخاذ القرار لدى الأطراف المتنازعة في قضايا إصلاح ذات البين، إذ تجد بعض الأشخاص يوافقون على تسوية الخلاف مع أقربائهم بعد طول حديث معهم، وتجدهم يعدون بإصلاح الأمر في الغد، إلا أنهم سرعان ما يتراجعون عما عزموا عليه في اليوم التالي وكأن شيئاً لم يكن. هنا يأتي دور الشيطان الذي يعمل بجد في هذه اللحظات، ولذلك على الإنسان أن لا يؤجل التوبة والاقلاع عن الذنب فور تنبهه الى الخطأ والذنب. من هنا نفهم قول الله تعالى حين يتحدث في محكم كتابه الكريم عن المسارعة في التوبة ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾. ومضمون التعبير القرآني ﴿يَتُوبُونَ مِنْ قرِيبٍ﴾ أي لا يتأخرون في التوبة. وورد عن أمير المؤمنين القول: (لا دين لمسوف بتوبته)[5] ، وفي ذلك إشارة خطيرة من الإمام بأن من يسوّف التوبة سيكون عرضة لفقدان الحالة الدينية في نفسه. ثالثاً: عدم ضمان المرء لحياته. فإلى متى سوف يؤجّل المرء التوبة ومتى سيقلع عن الذنب، اتراه يضمن حياته، أفلا يخشى هجوم الأجل عليه وهو بعد لم ينجز التوبة؟ ورد عن علي : (مسوّف نفسه بالتوبة من هجوم الأجل على أعظم خطر)[6] . من هنا كان على الانسان أن يبادر للإقلاع عن أي ذنب ومعصية. سيان في ذلك على مستوى العلاقة مع الله أو بالناس، وكثيرا ما تجد أناساً لا يؤدون الحقوق الشرعية، ومع أنهم يدركون أن ذلك حق عليهم، لكنهم يسوفون في الأمر، والسؤال هنا؛ إلى متى التسويف؟ وهل تضمن استمرار حياتك وقوة إرادتك؟ فلطالما رأينا أشخاصاً تحدثوا عن قناعة بالحقوق الشرعية فيبادرون بعد حين بأداءها، غير أن آخرين غيرهم لم يؤدوا حقهم الشرعي تحت ضغط التأجيل والتسويف، ولم يمهلهم الأجل طويلاً. وعلى غرار ذلك أشخاص آخرون انخرطوا في مشاكل مع أزواجهم وجيرانهم وأحدهم يعلم بخطئه، لكن مع ذلك يسوّف في إصلاح أمره، فهل يضمن مثل هذا حياته؟ إن على الإنسان أن يبادر إلى التوبة بمجرد أن يتنبه إلى الخطأ والمعصية. وهذا ما يوجه إليه الإمام الجواد بقوله (تأخير التوبة اغترارـ أي حالة من الغرور يعيشها الإنسان الذي يعتقد بطول الأمل والعمرـ وطول التسويف حيرة ـ أي يجعل الإنسان حائراً بين الصح والخطأ من حيث السلوك، والاعتلال على الله هلكة ـ أي يتحجج بالعثور على فرصة مناسبة، في وقت آخر، هذه كلها أعذار ﴿بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المبادرين الى التوبة وأن يتقبل منا توبتنا ويوفقنا لكل خير وصلاح. الخطبة الثانية: الاستنفار لمواجهة خطر المخدرات تقف مجتمعاتنا أمام تحدٍ كبير ازاء التعاطي مع شريحة الشباب وما يواجهها من مخاطر فرضتها ظروف الحياة الحديثة. وحين تتحدث النصوص الدينية عن بعض معالم مرحلة الشباب فإنها إنما تريد أن توجهنا إلى ضرورة فهم هذه المرحلة وحسن التعامل معها. فالإنسان في مرحلة شبابه يعيش عنفواناً في عواطفه وأحاسيسه، ويعيش شعوراً بالقوة في شهواته واندفاعاً في غرائزه، وهذا ما يجعله معرضاً لمختلف الأخطاء، وقد ورد عن أمير المؤمنين في وصفه لهذه المرحلة العمرية قوله : (وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه، يهم بالخطيئة فتشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوة وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة)[7] . إن على المجتمع أن يعي جيداً تحديات مرحلة الشباب، فالمجتمع الذي يحسن التعامل مع هذه الفئة، ويقدر ظروفها، ويساعدها على تجاوز التحديات التي تعيشها في هذه المرحلة، فإنه بذلك يحمي أمنه واستقراره. ذلك أنه ما لم يحسن المجتمع التعامل مع شريحة الشباب، فإن ذلك مدعاة لانفلات الأمن الاجتماعي. وما يحصل في المجتمعات من مظاهر سلبية صادرة عن بعض المجاميع الشبابية إنما يؤكد هذه الحقيقة. إن التعامل السليم مع شريحة الشباب يخدم مستقبل المجتمع على نحو مباشر. فمستقبل المجتمع هو بيد فئة الشباب تحديداً، من هنا فالمسألة ليست أن نتقي الأضرار والمشاكل فقط، بل أن نصنع المستقبل الأفضل لمجتمعنا عبر هؤلاء الشباب. لقد بات تحدي هذه المرحلة العمرية في عصرنا الراهن تحدياً كبيراً، نظرا لسيادة الروح المادية في عالم اليوم، ما دفع لنشوء قوى استثمارية باتت تتاجر بكل شيء بما في ذلك عواطف الشباب وغرائزهم. لقد أصبح عالم اليوم أسير قوى كبيرة، وجهات متمكنة، عملها وشغلها المتاجرة بعواطف الشباب ومشاعرهم، وإثارة غرائزهم وشهواتهم، والتفنن في تقديم المتع الوهمية التي تفتك بقواهم، وهذا ما يجعلنا أمام تحد كبير. لاشك أن استهداف فئة الشباب يعدّ استهدافاً مباشراً لمستقبل الشعوب والمجتمعات، ذلك أن افساد واضعاف القيم في المجتمعات يجعل مستقبلها هشاً. إن مجتمعنا يواجه تحديّاً حقيقياً في التعامل مع الشريحة الشبابية خاصة شريحة العاطلين عن العمل. فهؤلاء الشباب ذكوراً وإناثاً سيعيشون الشهور يعانون فيها من فراغ كبير اضافة الى متطلبات الحياة للشباب، هو كيفية ملئ وقت الفراغ هذا؟ إن أحد أخطر السبل لمليء الفراغ لدى الشباب هو الانسياق نحو مسارات منحرفة، وهذا ما تشير إليه التقارير والأرقام التي تكشف عن انضمام مزيد من الشباب إلى حضيرة المجرمين وأصحاب المخدرات ، وذلك راجع بطبيعة الحال إلى الفراغ وعدم احتواء هذه الشريحة والتعامل السليم معها. إن من أخطر ما يواجهه شبابنا اليوم هو المخدرات، فبلادنا ومجتمعاتنا مستهدفة بهذا الوباء الفتاك. فليس من الخافي أن تعاطي المخدرات والحبوب يفتك بالإنسان في جانبه المعنوي والمادي، ويتسبب له بأضرار فادحة بدنياً ونفسياً واجتماعياً. وقد سبق لوزارة الداخلية تم القبض على شباب متهمين بالتورط في قضايا تتعلق بتهريب مخدرات , ولا يقتصر ذلك على الذكور فقط، فهناك أكثر من 220 فتاة ألقي القبض عليهن بسبب المخدرات. إن من الواضح أن هناك استهدافاً مباشراً لفئة الشباب عبر عصابات تعمل من أجل نشر المخدرات بين الشباب، بدءاً من الأولاد في عمر الخامسة عشر بل دون ذلك. إن على العائلات أن تولي أبناءها مزيداً من الاهتمام بهم وسلوكهم . فلا ينبغي ان ينشغل الآباء عن أبنائهم، بل المطلوب أن تكون هناك برامج ولقاءات وجلسات، ونشاط ترويحي متزايد للحفاظ على بقاء الابناء في جو العائلة. كما أن على المجتمع أن يدعم البرامج الشبابية، فكل مسجد وكل جمعية وكل لجنة ومؤسسة مدنية ينبغي أن يكون لهم برامج شبابية متميزة دينية وغير دينية وفي مختلف المجالات، في الدين والفن والتراث والثقافة والحقوق. ينبغي أن تستثمر في استقطاب الشباب واحتواء هذه الشريحة وافادتها وتنمية طاقتها وقدراتها، حتى تكون هذه الفئة ضمانة لمستقبل أفضل للمجتمع، عوضاً عن تكون عنصر تهديد لأمن المجتمع واستقراره. والحمد لله ربي العالمين