الفساد ليس بالضرورة أن يكون سرقة من مشروع أو رشوة أو ترسية مشروع على شركة فاسدة، فأحيانا يكون سوء الإدارة الممزوج بشيء من الغباء سببا رئيسيا للفساد، بمعنى أدق وأوضح، ليس بالضرورة أن يكون سبب هدر الملايين هو السرقة أو التجاوزات الجنائية المجرمة، بل قد يكون سبب هدر الملايين سوء إدارة المسؤولين عن القطاع الموكل إليه ذلك المشروع المليوني، فإن كانت التجاوزات الجنائية على المال العام مجرمة وتستوجب المحاكمة، فسوء الإدارة أيضا يستوجب عزل المسؤولين بل ومحاكمتهم أيضا.
لدينا قائمة طويلة عريضة بمشاريع متأخرة، وفاشلة، وأخرى لم يدق فيها مسمار واحد رغم البدء بوضع حجر أساسها منذ 10 سنوات، ولا أحد يستطيع القول ان سبب فشل كل تلك المشاريع هو «الحرمنة» فقط، بل إن من أهم الأسباب أن هناك الكثير والكثير من سوء الإدارة، خاصة بعد أن تم وضع من لا يفقه ألف باء الإدارة في منصب حصل عليه نتيجة محاصصة سياسية أو ترضية لنائب أو لشيخ أو لتيار سياسي، والمهم أنه مهما أخطأ هذا المسؤول القادم بـ «باراشوت المحاصصة أو الترضية»، لا تتم محاسبته ويتم غض الطرف عنه، ومهما أهدر من الملايين وأضاع علينا وعلى خزينة دولتنا يجلس في مكانه، وأنا لا أعني مسؤولا محددا هنا، لأنهم بالمناسبة كثر، وأكثر من الهم على القلب، ومتواجدون في كل قطاع من قطاعات الدولة، وبعضهم أضاع علينا الملايين. هؤلاء «الباراشوتيون» لا يتسببون في إضاعة الملايين فقط، بل يقومون بخنق وقتل الكفاءات في قطاعاتهم، لأن أصحاب الكفاءات في تلك القطاعات هم وحدهم من يكشفون «غباوة» ذلك المسؤول «الباراشوتي»، والقاعدة العامة تقول ان «الباراشوتيين» لا يحبون من يكشف «غباوتهم». وضحايا «الغباوة الباراشوتية» في الوزارات لا حصر لهم، فمن بينهم مهندسون وإداريون محترفون ومحاسبون ومستشارون قانونيون وإعلاميون، كلهم تم القضاء على جهودهم ودفن كفاءاتهم لأن الحكومة قررت أن تعين مسؤولا على قطاعهم لا يفقه شيئا فيه، لأنه جاء نتيجة محاصصة سياسية أو رقم في فاتورة سياسية دفعتها لنائب ما في استجواب ما في وقت ما. منقــــــــــــــــــــــ ـــــــــول