كيف استطاعت المخابرات الالمانية تهريب الگيلاني الى برلين ؟
بعد فشل حركة مايس عام 1941 اضطر رشيد عالي الگيلاني الى اللجوء الى ايران وذلك بقرار اتخذه قادة الحركة انفسهم واعتمادهم النشاط السياسي من هناك لكن الگيلاني وجد بعد ذلك ثمة اخطار تهدد طهران بالذات باحتلالها عسكريا مما يعيق حركتهم من الاستمرار فاختار تركيا لحيادها آنذاك ولكون بريطانيا التي لم تكف عن مطاردة قادة الحركة لن تستطيع فرق حياد تركيا لاعتبارات كثيرة كما ان هناك عوامل اخرى كانت تساعد الثوار على ضمان الطمأنينة وعلى هذا الاساس لجأ الكيلاني الى تركيا ووصل استانبول بطريق البر فأستقبل وطلب منه عدم القيام بأي نشاط سياسي بشكل علني ورسمي .
ولعل اول مشاريعه التي حققها هناك هي التقاؤه بعدد من الساسة العرب الذين فوضوه الاتصال بدول المحور لتشكيل الفيلق العربي وهو نواة جيش التحرير لذلك كان السبب الاساس للتفاوض مع حكومة الرايخ الالماني الثالث للحصول على تعهد يضمن وحدة واستقلال الدول العربية والدفاع عن (صونيون) التي تبعد حوالي سبعين كيلومترا عن اثينا مكانا لتجمع 45 ألف لاجئ عربي يشكلون نواة هذا الجيش!.
الهروب اللغز!!
في اعقاب تشكيل حكومة نوري السعيد التي بدأت بالضغط على تركيا لتسليمها الكيلاني الذي حكم عليه بالاعدام ظلت قصة هروب رشيد عالي الگيلاني من تركيا الى المانيا بتاريخ 21 / 11/ 1941 لغزا حير استخبارات الحلفاء التي كانت تترصده وترصد كل تحركاته، وفي ظروف الحرب العالمية الثانية وتطوراتها الاثر الكبير في تحديد سياسة اكثر الدول ذات العلاقة المباشرة بها وعليه فقد كانت تركيا رغم حيادها تخضع لضغوط سياسية ودبلوماسية كبيرة من الحلفاء مما حداها الى السعي لتجنب اي موقف يعود بالضرر على امنها وسياستها الحيادية التي تمسكت بها رغم نفوذ الاستخبارات البريطانية في استانبول مقر الگيلاني ومطالبة حكومة نوري السعيد بتسليمها الگيلاني مما احرج الاتراك وحرك الاجهزة الامنية ضد الثوار المتواجدين فيها وفي خضم هذه التطورات...
اختفى الگيلاني فجأة من استانبول ولم يعرف احد كيف خرج والى اين ذهب؟! لكن الگيلاني الذي كان على صلة بمدير المخابرات الالمانية وفي استانبول وقد اجتمع (ليفركون) به عدة مرات كان اخرها يوم اخبره بأنه مكلف من حكومته بتهريبه الى المانيا بعد تفاقم الاخطار عليه وتزايد الضغوط البريطانية لتسليمه الى حكومة بغداد...
وقد وضع (ليفركون) عدة خطط لتهريبه من بينها تنظيم جواز سفر باسم مستعار او تسفيره ضمن بعثة اثارية المانية انهت تنقيباتها، وفجأة وبدون سابق انذار وصل وفد صحفي الماني الى تركيا بدعوة من وزارة خارجيتها وكان الوفد يضم ثمانية صحفيين هبطوا في مطار استانبول ومعهم صندوق كبير يسع لرجل واحد وهم يحملون ثمانية جوازات سفر رسمية تحمل تأشيرات نظامية وسمات دخول وكان الجواز الثامن يعود للهر (فاكر ناكل) عضو الوفد الصحفي، واهتمت الحكومة التركية بالوفد وقد تسلم كل واحد منهم دعوة لتناول العشاء في نادي الصحافة التركي مساء اليوم الذي وصل فيه الوفد الى استانبول، الاّ ان زميلهم الثامن (فاكر ناكل) لم يكن بمقدوره الاستجابة لدعوة العشاء (لاصابته بمرض مفاجئ وخطير) مما اضطره الى التخلف عن مرافقة زملائه اعضاء الوفد الذين غادروا الى انقرة في اليوم التالي للسبب نفسه،ثم استمرت الزيارة عدة ايام احتفى فيها الاتراك بضيوفهم الالمان وانهالت الدعوات على الوفد حتى ليلة سفره حيث اقيمت له حفلة وداع في السفارة الالمانية امتدت لوقت متأخر من الليل...
وفي هذه الاثناء كان الگيلاني قد وصل القنصلية الالمانية في استانبول وامضى فيها ليلة كاملة بعيدا عن اعين ملاحقيه حيث جرت المرحلة الاولى من عملية تهريبه الى المانيا فيما كان طبيب الماني يتولى معالجة الهر (فاكر ناكل) المريض جدا وقد استخدم الگيلاني بعد خروجه من داره خفية بسيارة مدنية استبدلها في منطقة ثانية زيادة في الحيطة والحذر، وهكذا ادى الطبيب مهمته بدقة فقام بلف رأس الگيلاني البديل عن الهر (فاكر ناكل) وقضى ليلة في نوم هادئ حتى صباح اليوم التالي وقد اضطر الى اعادة شد رأس الگيلاني جيدا وعند وصوله الى المطار كان الگيلاني في حالة يرثى لها من شدة الالام التي اثارت مشاعر العطف في نفوس مودعيه واغلبهم من رجال الصحافة والسلك الدبلوماسي!! ..
وهكذا ودع الاتراك الگيلاني وداعا رسميا في مطار استانبول دون ان يعرفوا من هو؟؟!!.
ومن الجدير بالذكر ان الگيلاني وبعد عودته الى بغداد بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 تلقى رسالة من (ليفركون) يذكره بتلك الايام الحاسمة ويطلب منه مقابلته وهو في طريقه الى ايران بمهمة رسمية حيث كان يشغل منصب نائب مجلس (البندستاك) في المانيا الاتحادية!!
*رشيد عالي الگيلاني باشا (1892 - 1965) ، وهو سياسي عراقي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات أثناء العهد الملكي في العراق حيث كان رئيساً للوزراء في الاعوام 1933, 1940, 1941. وأشتهر الكيلاني بمناهضته للانجليز ودعوته لتحرير الدول العربية من المستعمر ولتحقيق الوحدة فيما بينها.
نشأته:
ولد في محافظة ديالى بعقوبة قرية السادة حيث ما زال أبناء عمومته يسكنون هناك وهوحفيد الشيخ عبد القادر الجيلاني من عائلة سياسية لامعة ومن السادة الاشراف حيث كان من اقرباء عبد الرحمن الكيلاني النقيب أول رئيس للوزراء في العراق.
عند تأسيس الحكومة العراقية ، وأهمها في سنة 1921م عين حاكماً في محكمة التمييز والاستئناف وأصبح استاذاً في كلية الحقوق ،
بدأ حياته السياسية متنقلا بين استانبول وبغداد والبصرة والموصل من خلال عمله في الجمعيات السرية التي كانت تنادي باستقلال العراق والوطن العربي عن الدولة العثمانية.
وبعد استقلال العراق، وفي عام 1924 رشح وزيرا للعدل في حكومة ياسين الهاشمي،
ثم وزيراً للداخلية في وزارة عبد المحسن السعدون الثانية سنة 1925م
ثم ما لبث ان أصبح رئيسا للديوان الملكي في عهد الملك غازي الأول.
للگيلاني عدد من العلاقات المهمة التي لعبت دورا في تاسيس المملكة العراقية من خلال عمله الوطني ابان الحكم العثماني، فكانت له علاقات احترام مع الملك فيصل الاول ومن ثم نجله غازي الاول، وكذلك كان يتمتع بعلاقات ود شخصية مع عبد المحسن السعدون وجعفر العسكري وعبد الوهاب النعيمي، أعضاء المجلس التاسيسي العراقي.
وكان الگيلاني سياسياً ذو توجهات قومية عربية وكان من المعارضين لاي تدخل بريطاني في شؤون العراق. بنى مواقفه المناهضة للانجليز عرفاناً لآثار الملك غازي الذي عرف بالوطنية والذي توفي في حادث سيارة غامض...