وكالة الأنباء العراقية المستقلة
البصرة، تلك المدينة العريقة، والحاضرة الإسلامية العربية المزدهرة، مترامية الأطراف، التي يتخللها الأنهار
كان التنقل داخل المدينة بين الأسر والأفراد وأصحاب المصالح يجري بواسطة الدواب، من حمير وبغال إذ تسرج بسروج جميله ومزخرفه. أما أصحاب الرتب العالية والأثرياء، فكان تنقلهم على الخيول التي كانت مجلبة للمفاخرة، فكانت على أنواع، وكانت الخيول العربية الأصيلة قد استقرت في البصرة.
ثم هناك حمير وبغال للأجرة الطويلة والشاملة، سواء للتنقل والسفر أو لنقل المحصولات والحاجيات والأحمال الثقيلة.
كانت هناك ساحات "مصطحات" لوقوف هذه الدواب، كما بنيت عدة أكشاك وصرائف وعرائش (صوباط) لأصحاب هذه الدواب. ولربما احتاج الشخص إلى عدد كبير من هذه الدواب حتى تصبح أحياناً على صورة قافلة يسير معها المكاري (مجاري).
أما الأجور فكانت حسب المسافة والحمل ووعورة الطريق وأمنه، وحسب الفصول من حيث الحر والبرد، كما كان ينظر إلى شكل الدابة وقوّتها والرحل والسرج الموضوعين عليها.
ثم تدرج الوضع فأصبحت هناك عجلات (عربات) تجر قسماً منها الدواب، والقسم الأخر تجرهُ الخيول التي كانت هي أيضاً على أصناف عديدة من حيث الجودة والأصالة، حتى إن قسماً من الخيول سُرِجت بالفضة والذهب، وقسماً من مساند العربات كان مزيناً بالذهب.
أما الحاصلات الزراعية، فتُنقل من المزارع والقرى إلى الأسواق والمدن والمخازن، أو إلى السفن والمراكب، على ظهور الدواب، وأنواع رخيصة من الخيول المسمى (كديش).
ولقد استَحصل أحد أصحاب هذه الدواب سنة 1912م، عن تحميل تسعة حمير، كل حمار كان يحمل ثلاث أكياس من الحنطة، من حمدان إلى البصرة، مجيدي ونصف (300فلس)، علما بأن قيمة الحمار الواحد كان عشرة مجيديات.
أما بعد سنة 1909م، حيث سوّى سليمان نظيف بك طريق بصرة عشار، فكان الشخص يدفع خمس بارات أو بيسة واحدة عن أجرة حمار يمتطيه من أحد محلات الأجرة في البصرة، ثم يتسلمه منه في العشار شخص آخر.
كذلك كانت الواسطة الثانية لنقل الثمار والحاصلات والأثقال والأشخاص، هي السفن والأبلام.
وكانت الأبلام – القوارب – على نوعين، عشارية ونصّارية. فكان البلم العشاري يستخدم للسفرات والنزهة والتنقل القريب, بينما كان النصّاري يستخدم للحمولات والسفرات البعيدة.
وأما أهم ما كانت تنقله هذه الأبلام، فهو التمر. إذ تقف السفن الكبيرة والمراكب لنقله إلى الخارج.
تحدث ابن بطوطة عن زيارته للبصرة سنة 725هـ، فقال إنه شاهد في سوق البصرة أربعة عشر رطلا عراقيةً من التمر، بيعت بدرهم واحد. كذلك كانت السفن المسماة (مهيلة) ثم تحولت إلى (فلكة) وهي سفينة ذات ماكنة كانت تنقل المسافرين. كما جاءت مؤخراً الماطورات (زوارق بخارية) التي استخدمت أولاً لمدير الشرطة ورجال الكمارك والوالي، ثم اشتريت من قبل الأثرياء، وفي مقدمتهم السيد عبد الرحمن نقيب البصرة.
السفر إلى بغداد
كانت أجور السفن إلى بغداد غالية بالنسبة للحالة المعاشية، نظراً للصعوبات والضرائب التي تدفعها السفن للعشائر. فكان المسافر يدفع ليرة عثمانية لسفره في السفن الشراعية، ثم تحول السفر إلى المراكب البخارية، فكانت الأجرة ليره ونصف، حتى حلت سنة 1918، حيث صادرت الأجرة في الدرجة الأولى -12- ربية، والدرجة الثانية -8- ربيات والثالثة -5- ربيات. كما كانت أجرة السفر بالدرجة الثالثة بالقطار من البصرة إلى بغداد سنة 1920م، ثلاث عشرة ربية وربع. ثم انخفضت الأجرة إلى -400فلس- سنة1940، ثم بعد الحرب العظمى الثانية أصبحت الأجرة-710فلسا.