نساء في ذاكرة التاريخ " فاطمة الحسنيّة"
فاطمة بنت عبدالله بن ابراهيم، قيل:اسمها حبيبة. تكنّى ب( اُُم خالد البربريّة)، وب( أم داود).
زوجها الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط ابن الإمام علي بن أبي طالب(ع).
وهي علوية شريفة أرضعت الإمام الصادق(ع)، ينسب إليها عمل اُم داود المشهور في يوم النصف من رجب، حيث استجاب الله دعوتها في ولدها، والذي حبسه أبوجعفر المنصور مع من حبسهم من أبناء علي (ع)، ثم تخلّص من السجن بفضل الدعاء الذي دعت به والدته، والذي علّمها إياه الإمام الصادق(ع).
قال السيد ابن طاووس في كتابه(إقبال الأعمال): فصل فيما نذكره من دعاء النصف من رجب الموصوف بالإجابة، وما فيه من صفات الإنابة:
إعلم أنّ هذا الدعاء الذي نذكره في هذا الفصل دعاء عظيم الفضل، معروف بدعاء أم داود، وهي جدّتنا الصالحة المعروفة بام خالد البربريّة، أم جدنا داود بن الحسن، بن الحسن، ابن مولانا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(ع)، وكان خليفة ذلك الوقت قد خافه على خلافته، ثم ظهرت براءة ساحته فأطلقه من دون آل أبي طالب الذين قبض عليهم.
ثم قال: وهي أم خالد البربريّة، كمّل الله لها مراضية الإلهيّة، فإنّه معلوم عند العلماء ومتواتر بين الفضلاء، منهم أبو نصر سهل بن عبدالله البخاري النّسابة، فقال في كتاب( أنساب العلويين) ما هذا لفظه: وأبو سليمان داود بن الحسن، بن الحسن، بن علي بن أبي طالب(ع)، أمّه أمّ ولد تدعى أم خالد البربريّة.
أقول: وكتب الأنساب وغيرها من الطرق العليّة قد تضمّنت وصف ذلك على الوجوه المرضيّة.
وأمّا حديث أنّ جدتنا هذه أم داود، وهي صاحبة دعاء يوم النصف من رجب، فهو أيضاً من الأمور المعلومات عند العارفين بالأنساب والروايات، ولكنّا نذكر منه كلمات عن أفضل علماء الأنساب في زمانة علي بن محمّد العمري تغمّده الله بغفرانه، فقال في الكتاب المبسوط في الأنساب ما هذا لفظه: وداود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أمّه أمّ ولد، وكانت امرأة صالحة، وإليها ينسب دعاء أم داود.
وقال ابن ميمون النسّابة الواسطي في مشجرة إلى ذكر جدتنا أمّ داود: إنّها تكنّى أم خالد، إليها يعزى دعاء ام داود.
ثم قال- السيّد ابن طاووس في معرض حديثه عن هذا الدعاء- : فمن الروايات في ذلك أنّ المنصور لمّا حبس عبدالله بن الحسن وجماعة من آل أبي طالب، وقتل ولديه محمّد وابراهيم، أخذ داود بن الحسن بن الحسن- وهو ابن داية أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق(ع)؛ لأنّ أمّ داود أرضعت الصادق(ع) بلبن ولدها داود- وحمله مكبّلا بالحديد.
قالت أمّ داود: فغاب عني حيناً بالعراق ولم أسمع له خبراً، ولم أزل أدعو وأتضرّع إلى الله جلّ اسمه، وأسأل أخواني من أهل الديانة والجدّ والاجتهاد أن يدعوالله تعالى لي، وأنا في ذلك كلّه لا أرى في دعائي الإجابة، فدخلت على أبي عبدالله جعفر بن محمّد(ص) يوماّ أعوده من علّة وجدها، فسألته عن حاله ودعوت له فقال لي:
( يا أمّ داود ما فعل داود) وكنت قد أرضعته بلبنه.
فقلت: يا سيّدي وأين داود؟ وقد فارقني منذ مدّة طويلة، وهو محبوس بالعراق.
فقال: وأين أنت عن دعاء الاستفتاح، وهو الدعاء الذي تفتح له أبواب السماء ويلقى صاحبه الإجابة من ساعته، وليس لصاحبة عند الله تعالى جزاءً إلّا الجنة.
فقلت له: كيف ذلك يابن الصادقين.
فقال لي: (يا أمّ داود قد دنا الشهر الحرام العظيم رجب، وهو شهر مسموع فيه الدعاء شهر الله الأصمّ، فصومي الثلاثة الأيام البيض، وهو الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، واغتسلي في اليوم الخامس عشر وقت الزوال، وصلّي عند الزوال ثمان ركعات). وفي إحدى الروايات: (وتحسّني قنوتهن وركوعهن وسجودهن، ثم صلّي الظهر، وتركعين بعد الظهر وتقولين...).
قالت: وكتبت هذا الدعاء وانصرفت، ودخل شهر رجب وفعلت مثل ما أمرني به- يعني الصادق(ع)- ثم رقدت تلك الليلة، فلمّا كان آخر الليل رأيت محمّداً(ص) وكلّ من صلّيت عليهم من الملائكة والنبيين يقولون: يا أمّ داود أبشري وكل من ترين أخوانك. وفي رواية أخرى : من أعوانك واخوانك أخواتك وكلّهم يشفعون لك، ويبشّرونك بقضاء حاجاتك، وأبشري فإنّ الله تعالى يحفظك ويحفظ ولدك ويردّه عليك.
قالت: فانتبهت فما لبثت إلّا قدر مسافة الطريق من العراق إلى المدينة للراكب الجدّ المسرع العجل، قدم عليّ داود، فسألته عن حاله فقال: إنّي كنت محبوساً في أضيق حبس وأثقل حديد. وفي رواية: وأثقل قيد، إلى يوم النصف من رجب، فلمّا كان الليل رأيت في منامي كأنّ الأرض قد قبضت لي، فرأيتك على حصير صلاتك وحولك رجال رؤوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض يسبّحون له تعالى، فقال لي قائل حسن الوجه نظيف الثوب طيب الرائحة خلت جدي رسول الله(ص): أبشر يابن العجوزة الصالحة، فقد استجاب الله لأمّك فيك دعاءها، فانتبهت ورسل المنصور على الباب، فأدخلت عليه في جوف الليل، فأمر بفكّ الحديد عني والإحسان إليّ، وأمر بعشرة آلاف درهم ، وحملت على نجيب، وسقت بأشد السير وأسرعه حتى دخلت المدينة.
قالت ام داود: فمضيت به إلى أبي جعفر، فقال:( إنّ المنصور رأى أمير المؤمنين(ع) في النوم يقول له: أطلق ولدي وإلّا ألقيتك في النار، ورأى كأنّ تحت قدميه النار، فاستيقظ وقد سقط في يديه، فأطلقك يا داود).
قالت ام داود: فقلت لأبي عبدالله(ع): يا سيّدي أيدعى بهذا الدعاء في غير رجب؟
قال: (نعم، يوم عرفة وإن وافق ذلك يوم الجمعة، ولم يفرغ صاحبه منه حتى يغفر الله له).
ثم قال السيّد ابن طاووس: ومن العنايات بها أنّ الله جلّ جلاله جعل جدّتنا ام داود أهلاً أن يظهر آياته على يديها، وينسب معجزات رسول الله(ص) إليها.(1)
..........................................
1- أعلام النساء المؤمنات تاليف:الشيخ محمّد الحسون وأم علي مشكور ص559