إسناد الخالقية للمسيح
كما أسندت بعض النصوص الخالقية للمسيح، فتعلق النصارى بها، ورأوها دالة على ألوهيته ومنها قول بولس عن المسيح: «فإن فيه خلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء أن كان عروشاً أم رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق» كولوسي1/16-17)، وفي موضع آخر يقول: «الله خالق الجميع بيسوع المسيح» أفسس3/9)، ومثله ما جاء في مقدمة يوحنا «كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم» يوحنا 1/10)، ومثله في عبرانيين1/2).
ولا يسلم المحققون أن المقصود من هذه النصوص أن المسيح خلق الخلائق خلقة الإيجاد، بل المقصود الخلقة الجديدة، وهي خلقة الهداية التي تحدث عنها داود وهو يدعو الله: «قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي» مزمور51/10).
ومثله قال بولس عن المؤمنين بالمسيح: «إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة» كورنثوس -2- 5/17).
وقال: «لأنه في المسيح ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة» غلاطية6/15).
وفي موضع آخر يقول: «تلبسوا الإنسان المخلوق الجديد بحسب الله في البر» . أفسس4/24).
وقال عن المسيح: «بكر كل خليقة» كولوسي1/15)، أي أنه أول المؤمنين وأول المسلمين، وعلى هذا الأساس اعتبر يعقوب التلاميذ باكورة المخلوقات فقال: «شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه» يعقوب1/18).
وعليه فإن المقصود من خلق المسيح للبشر هو الخلق الروحي، إذ جعله الله محيياً لموات القلوب وقاسيها.
لكن الحق أن النصوص التي يتعلق بها النصارى لا تتعلق بالبشر فقط، إذ فيها أنه خلق ما في السماوات والأرض، وهذا يمنع صرف النص إلى الخليقة الجديدة. لكن هذه النصوص مبالغة معهود مثلها في النصوص التوراتية والإنجيلية، ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل: «هوذا أنتم اليوم كنجوم السماء في الكثرة» التثنية 1/10).
ومثله في قوله: « وكان المديانيون والعمالقة وكل بني المشرق حالّين في الوادي كالجراد في الكثرة.وجمالهم لا عدد لها، كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة» القضاة 7/12).
ويقول متى: «فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصخور تشققت. والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين. وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين» متى 27/51).
وتصل المبالغة عند يوحنا أقصاها حين قال: «وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة» . يوحنا21/25) …
ولا يمكن أن يكون المسيح خالقاً للسماوات والأرض وما بينهما، إذ هو ذاته مخلوق، وإن زعمت النصارى أنه أول المخلوقين، لكنه على كل حال مخلوق، والمخلوق غير الخالق، « الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة» كولوسي 1/15).
إن الذي عجز عن رد الحياة لنفسه عندما مات لهو أعجز من أن يكون خالقاً للسماوات والأرض. «فيسوع هذا أقامه الله» أعمال 2/32)، ولو لم يقمه الله لم يقم من الموتى، وفي موضع آخر: «ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات » أعمال 3/15).