دراسات إنسانية الغرض منها الإطلاع على حقائق قد تــكون غائبة, في وقت هُم أحوج ما يكونون للإطلاع عليها, وللإطلاع على أحوال المجتمعات ومـنها مجتمعنا وعدم إلقاء أللوم في المكان غير الصحيح...
ولعل الله تبارك وتعالى ينفع بها

رضا الحمداني

الفقر ... وحقوق الإنسان
أسبــــاب ومسببات
دراسات إنسانية الغرض منها الإطلاع على حقائق قد تــكون غائبة, في وقت هُم أحوج ما يكونون للإطلاع عليها, وللإطلاع على أحوال المجتمعات ومـنها مجتمعنا وعدم إلقاء أللوم في المكان غير الصحيح...
ولعل الله تبارك وتعالى ينفع بها
الشيخ
رضا الحمداني


وردت أحاديث كثيرة توضح أهمية مساعدة الفقراء والمحتاجين من المؤمنين وقد اعتبر الله الإنسان المعين للعباد من أفضل عباده وأحبهم وأقربهم إليه ، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ):( ألا إن أحب المؤمنين إلى الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه ، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين ) بين الحب والخوف . . ومثال آخر على الصعيد الاقتصادي : فلو فكر إنسان في توفير الثروة لنفسه ، وتحصيل وسائل الراحة والرفاه ، ولم يهتم باوضاع من حوله من الفقراء والمحتاجين ، فإنه لن تتحقق له الراحة والسعادة ، ذلك لأن الفقر والحاجة يلجأن بعض العناصر في المجتمع إلى التمرد والثورة ، فتتكون جماعات المقاومة لأصحاب الثروات ، وعصابات السرقة والخطف والنهب . . ولذلك نرى الشريعة الإسلامية تركز تركيزاً كبيراً على ضرورة الاهتمام باليتيم وتحذر من تحقيره أو إهانته أو قهره ، وقد قال تعالى في كتابه الكريم موجهاً رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن ذكره ببدايات حياته حيث الفقر واليتم : ( ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك ضالاً فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر) وهناك أحاديث كثيرة تركز على هذا الجانب فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة ) وعنه أيضا : ( خير بيوتكم بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيوتكم بيت يساء إليه ) وعنه أيضا : ( من كفل يتيماً من المسلمين ، فأدخله إلى طعامه وشرابه ، أدخله الله الجنة البتة، إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر ) وتسعى برامج وتشريعات الإسلام وتعاليمه إلى إنهاء حالات الفقر والمسكنة في المجتمع أو تقليصها وتخفيف وطأتها عن طريق العدالة الاقتصادية والاجتماعية. وإذا ما بقيت في المجتمع فئة تعاني من الفقر والحاجة لسبب أو لآخر فإن الإسلام يحرم التمييز بين الناس في المعاملة والاحترام على أساس وضعهم المادي ويؤكد على احترام الفقراء ومعاملتهم معاملة لا تشعرهم بالفرق بينهم وبين الآخرين , فعن الإمام الصادق (عليه السلام ) : ( من حقر مؤمناً مسكيناً لم يزل الله حاقداً ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إياه ) وعنه عليه السلام : ( من لقى فقيراً مسلماً فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقى الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان ) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:( ألا ومن استخف بفقير مسلم فقد استخف بحق الله ، والله يستخف به يوم القيامة إلا أن يتوب ) وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أكرم فقيراً مسلماً لقى الله يوم القيامة وهو عنه راض ) ومن جانب آخر زرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وعيهم أن الرّزق بيد الله تعالى ، وهو يرزق الإناث كما يرزق الذكور ، فأشاع بذلك أجواء الطمأنينة على العيش ، وكان الجاهليون يقتلون الإناث خوف الفقر . أضف إلى ذلك استعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغةً وجدانيةً شفافة ، فتجد في السُنّة القولية عبارات تعتبر البنت ريحانة ، والبنات هن المباركات ، المؤنسات ، الغاليات ، المشفقات.. وما شابه ذلك ، وكشاهد من السُنّة وردّ (عن حمزة بن حمران يرفعه قال : أتى رجل وهو عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأُخبر بمولود أصابه ، فتغيّر وجه الرّجل !! فقال له النبيّ : «ما لكَ» ؟ فقال : خير ، فقال : «قُل» . قال: خرجت والمرأة تمخض، فأُخبرت أنّها ولدت جارية !! فقال له لنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : «الأرض تقلّها ، والسَّماء تظلّها ، والله يرزقها وهي ريحانة تشمّها..» ؟ . وقد أكد الإمام علي عليه السلام ، ذلك التوجه النبوي بقوله : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بُشّر بجارية ، قال : ريحانة ، ورزقها على الله عزّ وجلّ»[1] الفقر وحقوق الإنسان:_ لقد جرت العادة أن يقع تناول قضية الفقر من حيث هو ظاهرة اقتصادية واجتماعية عادية مألوفة موجودة في جميع المجتمعات وفي جميع العصور وفي كل دول العالم، وإن كان بدرجات متفاوتة. وتزخر آداب الشعوب بالإشارات إلى الفقراء والأغنياء كما لا تخلو الأديان من ذكر واجب الأغنياء تجاه الفقراء باعتبار الفقر والحرمان والغنى والبذخ محنة لهؤلاء وامتحانا لأولئك. ويتجه خلال النصف الثاني من القرن العشرين كثرة الحديث عن الفقر والفقراء في أدبيات وأورقة ومجالس الأمم المتحدة عن التوسّع في الظاهرة الاجتماعية في المجتمع الواحد إلى الظاهرة العالمية بتصنيف البلدان إلى غنية وفقيرة وبتحديد مقاييس ومؤشرات للفقر في مستوى البلدان وكذلك الأفراد مع مراعاة النسبيّة، فالفقير في القرن الأفريقي وخاصة في الصومال لا يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقير في أمريكا الشمالية. وهكذا توسّع الاهتمام بظاهرة الفقر وقيام منظمات وهيئات عالمية شعارها محاربته بالطرق كافة في المجال الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع من المجتمعات إلى مجال العلاقات الدولية. فهل ثمة في هذا التوسّع ما يبرّر ربط ظاهرة الفقر بحقوق الإنسان بمفهومها الحديث ؟ يقتضي الجواب عن هذا السؤال أن نحدد أولا ماهية الفقر وأنواعه وأن نحلّل أسبابه ومظاهره لنبيّن طرائق مقاومته والقضاء عليه. أوّلا: ماهية الفقر: 1_الدلالة :_ لغة:_ جاء في معاجم أللغة أن الفقير بمعنى :المكسور, فقار الظَّهر, وقال أهل اللُّغة : منه اشتُقَّ اسمُ الفقير, وكأنه مكسور فَقَار الظَّهر, من ذِلَّتِهِ ومَسكَنتِه. ومن ذلك فقرَتهم الفاقرة, وهي الدَّاهية, وبعض أهل العلم يقولون: الفَقير الذي له بُلغَةٌ من عَيشِ. ويقال :فَقَرتُ البعيرَ , اذا حززتَ خَطمَه ثم جَعلتَ على موضع الحزّ الجرِير لتُذِلَّه وتَرُوضَه.[2] ان المعاني التي يدل عليها الفقر لغة تتلخص في النقص والحاجة والعوز المهين الذي قد يصل الى إذلال النفس التي حرم الله تبارك وتعالى إذلالها. فالفقير إلى الشيء لا يكون فقيرا إليه إلاّ إذا كان في حاجة إليه لغيابه تماما أو لوجوده دون الحاجة. والمعنى السائد الذي يتبادر إلى الذهن قبل غيره هو نقص إمكانية المال[3] الذي يمكّن من تحقيق الحاجات من مأكل وملبس ومسكن وأسباب معيشة، الخ. وقد ميّز بعض الفقهاء قديما بين الفقير الذي لا يملك قوت عامه والمسكين الذي لا يملك قوت يومه وهناك تفصيل أخر ذكره بعض الفقهاء[4]، وهي مقابلة لها علاقة بواجب الخمس والزكاة.. وبسب سوء التوزيع لهذه الحقوق من قبل بعض القائمين عليها أدت إلى تفاقم وعزوف الكثير من قليل الإيمان إلى عدم دفعها بحجة عدم وصولها الى مستحقيها والثراء الفاحش لبعض المقيمين عليها، وهو ما لا يستقيم بالمقاييس الاقتصادية والاجتماعية الحديثة. ولعل نسبية الفقر هي التي تبرّر وصف الفقر أحيانا بالمدقع في العربية وبالشديد في ألسن أخرى. ولئن كان المفهوم الاقتصادي والاجتماعي هو الطاغي، فإن الفقر كثيرا ما يضاف، حقيقة أو مجازا، إلى أشياء أخرى، لدلالة الجزء على الكل، أو العكس،[5] ومن المظاهر الهامة لتطوّر مفهوم الفقر في العصر الحديث، الانتقال من الحاجة إلى الشيء الغائب أو الناقص إلى غياب القدرة على تحقيق الحاجة. وهذا التحول الدلالي هام لأن غياب القدرة لا يعني بالضرورة غياب الإرادة، وهو ما يطرح قضية المسؤولية الموضوعية. 2 _مقياس الفقر وأنواعه:_ تنزع المؤسسات الأممية إلى تحديد درجات الفقر حسب مستوى المعيشة في كل بلد، ولكنها تورد غالبا معدّلا يطبق على البلدان الفقيرة، مقدّرة عتبة الفقر بمعدّل دخل فردي دون الدولارين في اليوم، ومعتبرة ما دون الدولار الواحد علامة فقر مدقع. ويمكن التمييز بين الفقر الثابت المتواصل لبعض الشعوب، والفقر الطارئ أو ألظرفي الناجم عن أزمة اقتصادية أو سياسية أو حروب عسكرية أو ازمات عابرة أو الكوارث الطبيعية وهو عادةً ما يمكن تجاوزُه بالتضامن الشعبي والدولي. تحليل أسباب الفقر المتعددة:_ ثانيا: أسباب الفقر: رأينا أنّ الفقر يُعتبر تقليديا قدرا، وهو من طبيعة الأشياء، فالرزق على الله فهو يقسم الأرزاق ، يعطيه من يشاء، متى شاء. لذلك لا أحد يستغرب وجود الفقر في مجتمع ما لأنه موجود في جميع المجتمعات، وكأنما هو من خصائص كل مجتمع، إلا أن الفرق يبقى في درجة الفقر ونسبة الفقراء في المجتمع. أما اليوم، فإن الرأي الذي أخذ يسود في العقود الأخيرة ولا سيما في السنين الأخيرة، هو أن الفقر شكل من أشكال الإقصاء والتهميش ومسّ بكرامة الإنسان، ومن ثمّ فهو انتهاك لحق جوهري من حقوق الإنسان الذي كفلها الخالق, ينجرّ عنه انتهاك لعديد الحقوق المتفرعة، منها الحق في الشغل والدخل المناسب والعيش الكريم والضمان الاجتماعي والصحة، الخ. وهي حقوق اقتصادية واجتماعية أساسية. ويمكن من هذه الزاوية أن نتبيّن أسبابا داخلية وأخرى خارجية. 1_الأسباب الداخلية: من أهم الأسباب الداخلية طبيعة النظام السياسي والاقتصادي السائد في بلد ما. فالنّظام الجائر المستبد لا يشعر فيه المواطن بالأمن والاطمئنان ولا إلى عدالة تحميه من الظلم والتعسف. ويستفحل الأمر إذا تضاعف العامل السياسي فيؤدي الى عامل اقتصادي يتمثل في انفراد الحاكم وأقاربه وأذياله بالثروة بالطرق غير المشروعة نتيجة استشراء الفساد والمحسوبية، فيتعاضد الاستبداد السياسي بالاستبداد الاقتصادي والاجتماعي، وهي من الحالات التي تتسبب في اتساع رقعة الفقر حتى عندما يكون البلد زاخرا بالثروات الطبيعية كما حدث ويحدث في عدة بلدان عربية وإفريقية أو في أمريكا اللاتينية، هذا فضلا عن الحروب الأهلية والاضطرابات وانعدام الأمن. 2 _الأسباب الخارجية:_ الأسباب الخارجية متعددة، وهي أعقدُ وأخفى أحيانا. من أكثرها ظهورا الاحتلال الأجنبي كما حدث في العراق, أخيرا بعد حصار دام أكثر من عقد تسبب في إفقار شعب بأكمله رغم ثرواته النفطية والزراعية حيث تمر في أراضيه نهران عظيمان. ويتعقد الأمر كثيرا إذا كان الاحتلال استيطانيا كما في فلسطين حيث تتدهور حالة الشعب الفلسطيني يوما بعد يوم وتتسع فيه رقعة الفقر نتيجة إرهاب الدولة الصهيونية وتدميرها المتواصل للبنية التحتية وهدم المنازل ومصادرة وتجريف الأراضي الزراعية للفلاحين فتتحول مئات العائلات بين يوم وليلة من الاكتفاء إلى الفقر المدقع. ومن الأسباب غير الظاهرة للعيان نقص المساعدات الدولية أو سوء توزيعها في البلدان التي يسود فيها فساد الحكم الجائر الجاثم على صدور الشعوب المستضعفة. ومن الأسباب التي لا يعرفها عادة سوى أهل الاختصاص، لأنها من أخفى عوامل التفقير للبلدان النامية التي يعتمد اقتصادها خاصة على المنتوج الفلاحي وبعض الصناعات التحويلية، الفريضة الكمركية التي تمارسها البلدان الغنية في وجه صادرات البلدان النامية الى اراضيها، وبالخصوص الدعم المالي الذي تقدّمه لفلاحيها حتى يُنافس منتوجُهم ألفلاحي صادراتِ البلدان النامية، وقد بلغ مقدار هذا الدعم رقما مهولا يقارب المليار دولار يوميا. هذا فضلا عن عرقلة التبادل بين الدول النامية نفسها، وعن التلاعب بأسعار المواد الأوّلية التي لا تستطيع البلدان النامية انتاجها, وإنما تضطر إلى الرضوخ لإرادة الدول الكبرى. ولذلك اقترح بعضهم بعث هيكلية دولية مستقلة لضبط أسعار المواد الأولية الفلاحية بالعدل مع مراعاة تكلفة الإنتاج الحقيقية [6]. على أنه توجد رغم ذلك بعض المؤشرات الإيجابية في هذا الصدد. من ذلك قرار اللجنة الخاصة في منظمة التجارة العالمية يوم 26 – 4 – 2004 مساندة البرازيل باعتبارها دولة نامية ضد الولايات المتحدة الأمريكية في قضية القطن. إلا أن البلدان الغنية كثيرا ما تتخفى وراء أُخطبوط الشركات الكبرى العابرة للحدود ذات الأجندة المريبة، وهي ذات نفوذ كبير خفي، قد يتجاوز نفوذ الدول والحكومات، مما يقتضي من الحكومات واقتصاديها, التفكير في إقرار قوانين وقواعد سلوك تحدّ من استبدادها وفسادها وإضرارها بالدول النامية وتعميق الفقر فيها، في ضوء ما أصبح يسمّى العولمة الاقتصادية[7]. فهذه الشركات الكبرى التي جلها أمريكية، تنتعش بالحروب وبالعولمة المتوحشة، فقد تمكنت من مضاعفة نشاطها خلال العقد الأخير وضرب أرباحها في ثلاثة. وقد بلغت أوج أرباحها سنة 2003. الفقر والعولمة:_ لقد تطوّر اقتصاد السوق ولاسيما بعد فشل الأنظمة الشيوعية إلى ما أصبح يسمى العولمة التي تتميز بتشابك المصالح والعلاقات الدولية حتى ربط مصالح احدهما بالأخرى ولاسيما في المجال الاقتصادي، ثم عمّ جميع الميادين تقريبا كنتيجة تبدو طبيعية للثورة التكنولوجية والمعلوماتية. وقد تسارع نسقها في العقد الأخير ورفعتها الدول الغنية كثيرا مما قُدّم حلاّ يكاد يكون سحريا لقضايا التخلف والفقر في العالم، وذلك بفضل ما تمّ التبشير به من رفع نسب النموّ وتحقيق التنمية للجميع. لكن شتان ما بين الشعار والواقع، فجميع التقارير تؤكد عكس ذلك. فالعولمة لم يستفد منها إلا الأغنياء والمستبدون وأصحاب رؤوس الأموال. فخلال هذه الفترة، أي منذ بداية التسعينات، حيث أخذ نسق العولمة في التسارع، تقلص الناتج الداخلي العالمي، واتسعت الهوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وتزايد عدد الفقراء في العالم إذ فاق المليارين من البشر. وقد تزايد عددهم حتى في أغنى البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاوربية نتيجة سوء التوزيع للثروات فقد ارتفع عدد الفقراء سنة 2001 من 32.9 مليون فقير إلى 34.6 أي بزيادة 1.7 مليون فقير في سنة واحدة[8]. وقد بينت التجارب أن تحقيق النموّ لا ينجر عنه ضرورة تحقيق التنمية البشرية إذا لم يصحبه توزيع عادل نسبيا. فالبشرية قد حققت في الثمانينات نسبة نموّ عام محترم لكن ذلك لم يمنع زيادة عدد الفقراء المدقعين في نفس الفترة زيادة قدرت بمئة مليون فقير جديد. ولنا في الهند عبرة في الأشهر الأخيرة، فقد خسرت الانتخابات الحكومةُ التي حققت نسبة نموّ مرتفعة لأنها لم تعمل بما فيه الكفاية على ترجمة ذلك النمو إلى تنمية تشمل فئات شعبية أوسع. يمكن القول إجمالا إن العولمة قد حققت لبعض البلدان نموّا اقتصاديا وزيادة ثروة، لكنها زادت في فقر بلدان أخرى، كما زادت – حتى في بعض البلدان المستفيدة – من فقر شرائح من المجتمع لم تشملها ثمار النمو ولم تتحول إلى تنمية بشرية. ولعل هذا ما يبرّر ظهور حركات تناهض العولمة الوحشية وتعمل من أجل عولمة بديلة أو عولمة ذات وجه إنساني كما وصفتها ماري روبنسن[9]لأن العولمة مسار طبيعي وليست خيارا، فجوهر القضية ليس أن نكون معها أو ضدها وإنما أن نوظفها لصالح الجميع، وهو أمر غير مستحيل وإنما يدعونا إلى التفكير في الحلول الناجعة لمقاومة الفقر. ثالثا: مقاومة الفقر وتجريمه: رأينا أن معالجة الفقر كانت منذ القديم تعتمد حلولا إنسانية مثل الصدقة من منطلق العطف أو التضامن أو الإعانات الإنسانية التي اتخذت بعدا دوليا في حالات الحروب والكوارث. إلاّ أن الجديد نسبيا هو ربط الفقر بحقوق الإنسان في المستوى النظري وذلك بتجاوز المفاهيم المرتبطة بالطبيعة والقدر إلى اعتبار الفقر انتهاكا لحقوق الإنسان، أي بتجاوز الحتمية، سواء أنظر إليها من الزاوية الدينية القدرية أم من الزاوية الاقتصادية والاجتماعية كإفراز طبيعي للنمو. وهكذا أصبح الفقر يُعتبر اليوم التحدّي الأخلاقي الأكبر في عالم اليوم. وهو تحدّ يستحث همم الحكام والمثقفين وعالم الأعمال وأعضاء المنظمات غير الحكومية من نقابات ومنظمات حقوق إنسان فضلا عن سائر المواطنين المهتمين بقضايا المجتمع. ذلك أنه لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة دون قضاء على الفقر. وإن خاصية الفقر هي أنه لا يمثل انتهاكا لواحد من حقوق الإنسان وإنما يمثل انتهاكا لجميع حقوقه، لذلك بدأ الحديث في العقد الأخير خاصة عن الفقر باعتباره انتهاكا شاملا لحقوق الإنسان. وقد ذهب نلسون[10] منديلا أبعد من ذلك في قمة كوبنهاكن حين وصف الفقر وصفا بليغا باعتباره "الوجه الحديث للعبودية". وكما ألغت البشرية العبودية خلال القرن التاسع عشر وجرّمته، فهي مطالبة اليوم بإلغاء الفقر وتجريمه لأنه يتسبب في أشكال جديدة من العبودية. 1 _ ربط الفقر بحقوق الإنسان: يتضح لنا مما سبق أن ربط الفقر بحقوق الإنسان، يمثل مرحلة أساسية ضرورية للوصول إلى تجريمه كما جرّمت العبودية. وقد بدأ هذا الربط تدريجيا منذ الثمانينات بصدور إعلان الحق في التنمية سنة 1986 الذي يستمد جذوره من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) التي تنص على أن "لكل شخص الحق في العيش بكرامة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشتة في حالات البطالة والمرض والعجز والترمّل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته". وقد تعاقبت النصوص والقرارات بعد ذلك بنسق متسارع يدل على أنّ قضية الفقر في العالم أصبحت هاجسا من هواجس البشرية، لذلك وقع إدراجها ضمن برنامج عمل مؤتمر فيينا (1993) والقمة العالمية للتنمية الاجتماعية (1995) وإعلان الألفية، والعشرية الأممية للقضاء على الفقر (1997 – 2006) واعتبار ذلك واجبا أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. وقد تمّ الربط بوضوح بين الفقر وحقوق الإنسان والحق في التنمية والحكم الصالح الديمقراطي في الوثيقة العملية الصادرة في أواسط 2003 عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية. وفي هذا الربط دليل على تزايد الاقتناع بترابط هذه العناصر وبأن الفقر ليس ظاهرة شاذة أو معزولة وإنما هو مسؤولية جماعية. لأجل ذلك تبنت القضية لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وردّدت صداها جميع تقارير المقررين الأمُمَيين في السنين الأخيرة ولا سيما منهم الخاصين بما يسمى "الحقوق الجديدة" مثل التغذية والسكان الأصليين والسكن" فضلا عن تقارير منظمة العمل الدولية. وخلال سنة (2004) كانت قضية الفقر في صدارة اهتمام المنتدى العالمي في دافوس والمنتدى الاجتماعي في هومباي من بين عديد المناسبات الأخرى. 2 _من الربط إلى الإلزام: يمكن القول إننا اليوم في مرحلة إدراج الفقر ضمن منظومة حقوق اإنسان بصفة نظرية ومبدئية. أما إدراجه ضمن المنظومة المعياريةّ، فهو غير مباشر لأنه يمر عبر الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية، فهل من الواقعية أن تصبح مقاومة الفقر إلزامية مثل منظومة حقوق الإنسان الأخرى؟ إن ذلك أمر مرغوب فيه أخلاقيا وتقتضيه جميع الشرايع السماوية لاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية، فمناهضة الفقر لا تقع على هامش المنظومة وإنما في صلبها لأنها تقع في خط التقاطع بين الحقوق المدنية والسياسية من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى. فالتهميش الاقتصادي والاجتماعي مرتبط وثيق الارتباط بالتهميش السياسي والديمقراطي. ويكفي على سبيل المثال أن نرى أثر الفقر في سير الانتخابات في بعض المجتمعات حيث تصبح الأصوات بضاعة تباع وتشترى. وقد يرى البعض أن الليبرالية واقتصاد السوق وما آلا إليه من عولمة متوحشة مسؤول عن هذا الوضع. لكن يجب الاعتراف أيضا أن المثالية الاشتراكية التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية لئن حققت مكاسب هامة في المجال الاجتماعي فإنها فشلت وتبخرت الأحلام والآمال التي بعثتها لدخولها منطق الأولويات وإهمالها للحقوق المدنية والسياسية. إن القضية اليوم ليست مناهضة رأس المال بمفهومه التقليدي، أو باسم دكتاتورية، وهو موقف غير واقعي، بل هو عقيم، وإنما هي قضية مناهضة لجميع الدكتاتوريات بما فيها دكتاتورية الشركات العالمية في السوق، التي تسعى العولمة المتوحشة إلى فرضها. لذلك نحتاج اليوم إلى توسيع مفهوم رأس المال بتصنيفه إلى ثلاثة : رأس المال الاقتصادي،و هو مالي، قابل للنموّ بحسن التصرّف. رأس المال البشري، وهو فردي، يتحسّن خاصة بالتعليم والمعرفة. رأس المال الاجتماعي، وهو جماعي، يهم مجتمعا معينا ويتحسّن بالتوزيع لأعدل للخيرات وللثمار النمو وبالتضامن الاجتماعي (العائلي والوطني...). فإذا اعتبرنا ما بين هذه الأنواع من ترابط وتكامل، وعممنا الوعي به لدى الجميع، أمكن تضافر الجهود لتنميتها جميعا دون صراع لا يؤججه إلا فك الارتباط وافتعال التناقض بينها. وهكذا تكون تنمية رؤوس الأموال الثلاثة وما يتفرع عنها عاملا أساسيا من عوامل التنمية الشاملة والقضاء على الفقر بإقرار الحق في تساوي الفرص حتى تتوفر للإنسان وسائل تجاوز حالة الفقر والخروج منه نهائيا. بيد أن هذا التوجه لا يكتمل إلا بالحكم الصالح في مستوى المجتمع الواحد، وبنظام عالمي قائم على علاقات دولية أعدل. الفقراء معرّضون أكثر للأمراض المزمنة: يزداد خطر إصابة الأطفال الذين يولدون في عائلاتٍ فقيرة ، بأمراض مزمنة في مراحل لاحقة من الحياة.ووجدت دراسةكندية حديثة أجراها باحثان في جامعة "بريتش كولومبيا [11] ، أن الأشخاص الذينكانوا فقراء في بداية حياتهم عانوا من التهابات جينية أثرت على صحتهم العامة في مابعد.وشملت الدراسة الجينية 103 أشخاص بالغين أصحاء الجسم تتراوح أعمارهم مابين 25 و40 سنة كانوا مرّوا بظروفٍ اجتماعية واقتصادية تراوحت ما بين جيدة أو رديئةفي بداية حياتهم، ثم اطلع الباحثان على مستوياتهم العلمية وأوضاعهم الاقتصادية خلالالسنوات الخمس الأولى من الحياة.وأوضح ميلر أن خلايا المناعة عند الأشخاصالذين نشأوا في كنف عائلات كانت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية صعبة في مراحلالعمر الأولى، لم تستجب بما فيه الكفاية لهرمون الضغط النفسي "كورتيزولالذي يسيطر عادةً على الالتهابات، وهذا ربما هو السبب الذي يؤدي إلى تعرضهم للإصابةبالأمراض المزمنة أكثر من غيرهم من الناس. الفقر وعالـم الإجرام:_ لا تستطيع الدراسات التي قام بها الخبراء في علم الإجرام، أن تفصل بين الإجرام وتزلزل الحالة الاقتصادية للفرد أو المجتمع، بل تؤكد أنها تعود إلى أسس اقتصادية ينتج عنها عدم توفر مستلزمات الحياة الضرورية، أو عدم إمكانية إشباع الحاجيات الإنسانية يصل الى حالة عدم إشباع البطون او مداواة مريض. وقد لوحظ وفقا للدراسات الإحصائية التي أجريت في إنجلترا، أن ثمة علاقة وثيقة بين عدد الأحداث المنحرفين وبين أوقات الأزمات الاقتصادية، كما لوحظ ارتفاع منسوب الانحرافات بين الأحداث الذين يقطنون المدن الكبرى عنها بين أولئك المقيمين في المدن الصغرى أو الأرياف، وذلك رغم ما هو حاصل في جميع دول العالم، من ارتفاع مستوى المعيشة في الأولى عنه في الأخيرة، والسبب الرئيسي في ذلك أن رباط الأسرة لديه الفرصة لكي يقارن بين المستوى المتدني الذي يعيشه وبين المستوى لدى أبناء الطبقة الأكثر رفاهية، وهو يلاحظ على مدى الأيام أن الحدث الذي يمكن من إشباع رغباته من الطعام الجيد والملابس الغالية، ويمنح إمكانية الترفيه عن نفسه بالذهاب إلى الأماكن الجميلة والأسواق والمنتزهات.. و.. وحينما يصل من المقارنة إلى أن هذه هي الطريقة المثلى للحياة، فإن أفكاره تتحول إما إلى الرثاء لنفسه، أو إلى الحقد والغيرة من الآخرين، مما يقود البعض إلى طريق الانحرافات المختلفة، وإليك دليلا على ذلك، الدراسات الميدانية التي قام بها الخبراء، والعلماء.
دراسات تؤكد تلك الحقيقة: من السابقين في هذا الميدان الباحث الإيطالي (فورنا ساري) الذي أثبت في أبحاثه أن أكثر الطبقات فقرا في إيطاليا والذين يمثلون حوالى 60% من سكانها، يساهمون في تكوين 85% من المجرمين.
ويذهب الباحث الألماني في علم الإجرام (يري برس): أن الفقر يولد الجريمة، بدليل أن النظام الحالي للمجتمع قد أدى إلى ارتفاع منسوب الجرائم، وهذا النظام بطبيعته يجعل الطبقة الفقيرة هي الغالبة.

ويرى الدكتور البرطاني (سيريل بيرت) أن الطبقة الغنية لا تمثل أكثر من 8% من سكان العاصمة البريطانية، وأن 37% منهم قد انحدروا من الطبقتين التاليتين اللتين تمثلان الفقراء المتوسطين، رغم أن هاتين الطبقتين تمثلان 22% فقط من سكان المدينة..

وترى الباحثة الامانية (مس ماري كارتير) في كتابها (الأحداث المنحرفون) أن المنحرفين ينقسمون إلى خمس مجموعات هي:
الأحداث المذنبون الذين يتميزون بالجسارة والجرأة، وهم أولئك الذين لفظهم المجتمع، ولم يعودوا يقيمون وزنا للقانون أو الإنسانية، ويرجع انحرافهم في الغالب إلى الطفولة المضطربة.
الأحداث الخطرون، وهم الذين تربوا في أحضان الجريمة، ودفعهم إليها آباؤهم أو المجرمون المحترفون، كأصحاب مدارس النشل وعصابات إفساد الأخلاق.
الأحداث الذين لم تكن لديهم ميول إجرامية، ولكن الإهمال الآثم الذي بدا من والديهم، والحاجة إلى الشعور الديني والتأثير الأدبي داخل المنزل يقودهم بالتدريج إلى الانحراف.
وترى مس كارتير، أن هذه الفئات الثلاثة من المنحرفين لا تنقاد إلى الجريمة بسبب الفقر والعوز، وأنهم إذا كانوا فقراء فإن للجريمة أحيانا علاقة بهذا الفقر.
الأحداث الذين قادهم الفقر والعوز فعلا إلى الانحراف، ولم تكف قوانين مساعدة الفقراء في إشباع حاجياتهم الاقتصادية، بسبب قصور المساعدة أو إهمال السلطات لمشاكلهم.
الأحداث الذين يعيشون هم وذووهم في فقر مدقع، ومع ذلك فإن لهم موارد مشروعة للمعيشة ولو أنها موارد تافهة.
وانتهت الباحثة الالمانية من عرض هذه المجموعات وعلقت عليها بأنه يبدو بوجه عام أن الفقر والعوز من أهم الأسباب الرئيسية لجرائم الأحداث.
وقد لاحظ بعض الباحثين عام 1958م أن الإحصاءات تشير إلى وجود علاقة بين الفقر وبين الجريمة تصل إلى 45% وذلك بسبب عدم الرعاية الذي يلازم الحياة الفقيرة عادة، فالفقر قد يجعل الحدث قابلا للانحراف، ثم يتضافر بعد ذلك مع غيره من العوامل على إسقاط الحدث فعلا في هوة الانحرافات

الخلاصــة : إن هذا التطور في مفهوم الفقر لا ينفي الوسائل التقليدية في محاربة الفقر مثل التضامن والمساعدات الإنسانية اجتماعيا ودوليا وما لها من دور فعال، وإنما يتجاوزها إلى تصوّر يُعرّف الفقر تعريفا أدق ويحلل أسبابه ونتائجه تحليلا أعمق وأشمل من النواحي الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وإن تنامي الوعي بذلك يمثل مرحلة ضرورية لإدراج مناهضة الفقر ضمن منظومة حقوق الإنسان المعيارية قبل أن يقع تجريمه مثلما جرّمت العبودية أو التعذيب على سبيل المثال. ومثلما فرضت البشرية بعث محاكم عدل دولية، لا نستغرب أن تنشأ يوما، قد لا يكون بعيدا، محكمة دولية تجرّم الفقر الذي يتسبب فيه الحكم الفاسد بالمقاييس الموضوعية. وإن ما يوجد في العالم اليوم من انتهاك لحقوق الإنسان والشعوب ، لا يجب أن لا يحجب عنا ما تحقق من مكاسب في مجال القانون الدولي الإنساني. فالانتهاكات التي كانت القاعدة، لابدّ أن تصبح شذوذا وعارا على من يقترفها من الجماعات والدول. المصادر:______ تقارير التنمية البشرية الصادرة سنويا عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية. تقارير البنك العالمي السنوية. "إعلان الحق في التنمية" (الأمم المتحدة 1986). "الحد من الفقر وحقوق الإنسان، وثيقة عملية" برنامج الأمم المتحدة للتنمية 6/2003 "حقوق الإنسان والفقر المدقع" قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 55/106 "حقوق الإنسان والفقر المدقع" قرار لجنة حقوق الإنسان 2001/3 "الفقر المدقع وحقوق الإنسان" وثيقة المنظمات غير الحكومية المقدمة للدورة 55 للّجنة الفرعية الخاصة بالنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها (2003). "الوثيقة الإعلامية لمداولات لجنة حقوق الإنسان حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (29-3-2004). الاجتماعي، جنيف 2002 و2003.
الشيخ
رضا الحمداني
المنتدى العالمي لحقوق الإنسان/ نانت – فرنسا 16-19/05/2004 (خاصة تقرير خوزي بنقوا، رئيس فريق العمل ألأممي حول الفقر المدقع "الفقر من حيث هو انتهاك لحقوق الإنسان" وتعقيب الطيب البكوش عليه).

[1] - كتاب معرفة النفس لحسن موسى الصفار وكتاب الحقوق الاجتماعية في الإسلام

[2] - جاء في كتاب معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. المتوفى سنة 395هـ بيروت لبنان 1429هـ . دار إحياء التراث العربي.

[3] - وان كان هناك فقر إلى حاجات أخرى غير المال .

[4] - ذكره السيد الشهيد محمد الصدر (قدس)منهج الصالحين , كتاب الخمس, باب المستحقين له.

[5] - مثل فقر الدم، والفقر الذهني والفقر العاطفي وفقر التصرف الصحيح ، الخ.

[6] - المؤتمر العالمي السنوي ألفلاحي لدعم الزراعة في الدول النامية

[7]- راجع كتاب الإسلام والعولمة للكاتب

[8]- التقرير السنوي لحقوق الإنسان حول العالم

[9]- المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان

[10]- المناضل الأفريقي المعروف الذي أصبح رمز للنضال في العالم

[11]- نشرت في مجلة بروسيدنغز الكندية عام 2006م