من الخنادق الى صالات عرض الأزياء، تتمتع علامة بربري بتاريخ عريق بحيث توالى على ارتدائها المستكشفون والجنرالات ومتسلقو الجبال وأساطير هوليوود.
إن المربعات البيج والسوداء والبيضاء والحمراء الملازمة لعلامة بربري التجارية، والتي نراها حالياً على ملابس البحر وزجاجات العطور والسراويل والحقائب وحتى على علبة جهاز تشغيل الموسيقى الرقمية آي بود، لم يقدّر لها أن تبصر النور في بداية الحكاية.
أسّس تاجر الأجواخ والألبسة توماس بربري من مدينة بازينغستوك في إنكلترا امبراطورية الموضة هذه في العام ١٨٥٦. وإذ افتتح متجر ملابس يلبي في شكل خاص حاجات المزارعين المحليين والرياضيين الزوار، أدرك هذا الشاب البالغ من العمر ٢١ عاماً الحاجة الى نسيج مقاوم للمياه وإنما يسمح بعبور الهواء ليساعد مجموعة زبائنه الذين يمضون معظم أوقاتهم خارج المنزل على الاتقاء من المطر.
وإذ إنطلق في سلسلة من التجارب بمساعدة صاحب مصنع محلي، أدرك بربري أن الغزل سوف يحتاج الى المعالجة بطريقة مقاومة للمياه قبل نسجه أو حبكه، وأن طريقة النسج المشدودة والقطرية قد تسبب تدحرج قطيرات المياه الصغيرة على النسيج عوضاً عن إمتصاصه لها. وكانت النتيجة نسيجاً مصنوعاً من قطن مصري لم يكن فقط مقاوماً للمياه وإنما أيضاً شديد القدرة على الاحتمال ويسمح بعبور الهواء. وسجّل بربري براءة إختراع النسيج هذا تحت تسمية الغبردين (أي قماش متين) Gabardine في العام ١٨٨٨.
في العام ١٩٠٢، وبعدما كان بربري قد قدّم تصاميم معطف لضباط الجيش الى مكتب الحرب في الحكومة البريطانية في السنة السابقة، فوّضه الملك إدوارد السابع لكي يؤمن هذه الملابس. وحظيت تصاميمه هذه بشعبية كبيرة. وشكّل التصميم الثاني للمعطف العسكري الذي ابتكره بربري، والذي اشتمل على أحزمة عملية وكتفية وحلقات على شكل الحرف D، زياً قياسياً خلال الحرب العالمية الأولى وأصبح يعرف بـ «المعطف الواقي من المطر» Trench Coat، علما ان الترجمة الحرفية هي «معطف الخندق».
كما زوّد بربري متسّلق الجبال البريطاني الشهير جورج مالوري بملابسه في رحلاته الاستكشافية الى قمة أفرست، بما فيها محاولته الأخيرة التي أودت بحياته في العام ١٩٢٤. وقبل الحرب العالمية الأولى، ارتدى المستكشفان روبرت سكوت وإرنست شاكلتون علامة بربري في رحلاتهما الاستكشافية الى الدائرة القطبية الجنوبية. وكان النروجي رولد أميندسون يرتدي علامة بربري عندما أصبح أول رجل يصل الى القطب الجنوبي في العام ١٩١١. ولكي يسدد صفعة في وجه منافسه الإنكليزي سكوت، الذي كان يسابقه الى القطب الجنوبي، ترك أميندسون خيمة مصنوعة من نسيج الغبردين صنع بربري كبرهان على رحلته الاستكشافية الناجحة.
إلا أن خيمة أميندسون لم تكن تتميز بنماذج مربعات بربري الشهيرة التي نعرفها اليوم. ولم تُستعمل المربعات حتى العام ١٩٢٤، وحتى في ذلك الوقت إقتصرت على كونها مجرد تبطين للسترة. ولم تبصر نماذج المربعات النور الى أن استعملت للأكسسوارات على غرار المظلات والوشاحات والحقائب في العام ١٩٦٧.
أما اليوم فيستطيع المرء أن يلبس حتى كلبه الصغير ملابس تتميز بمربعات بربري. في الأصل، ابتكرت علامة بربري للوقاية من المياه، أما اليوم فالناس يرتدونها ليتركوا عند الآخرين إنطباعاً بمواكبتهم لأحدث ابتكارات الموضة وأكثرها تميزاً.