TODAY - December 22, 2010
فجر الألوان وكانفاس رحلة الفجر والغروب
في معرضها الأخير الذي أفتتح في 17، ديسمبر، تفاجئنا الفنانة الاماراتية “فاطمة لوتاه” في عمل جديد يمثل انعطافا مهما في عملها التشكيلي، فهي هنا تتخلى تماما عن رموز الواقع اليومي، أو التشخيص، وحتى البعد النظري لتختزل ألوان الصحراء بمختلف تدرجاتها حيث ضوء النهار يأخذ دورا رئيسيا في تغيراته العجيبة من الفجر في سفره باتجاه الغروب.
أكثر من عشرين لوحة، بين كبيرة ومتوسطة الأحجام تعرض الفنانة في “المشغل الغاليري” في قلب مدينة “فيرونا “الايطالية ففي هذا العرض تخوض مغامرة اللون، في لوحات تجريدية لكي تعطي هذا قيمته المجردة، باحثة في التوازن والهارمونية، وفيما بعد “الانشاء” الذي في الكثير من الاحيان يكون مطبة الفنان التجريدي، كي يأخذ العمل الفني مسارا عبثيا، فوضويا، لينتهي ان لا يكون أكثر من لطخات لونية عشوائية، تعني الوهم والغرور المبالغ فيه.
نحن الان امام وضع أخر، وفريد، فالفنانة استفادت من تجربتها الطويلة في استخدام اللون خلال العقود الثلاثة الاخيرة، ولم تترك نفسها للانبهار اللحظي، وحتى الجميل أحيانا في ترويض الانفعال، ولجم اندفاع الالوان الهائجة، فهي تسمح لبعضها غزو بعضها الاخر، ولكن باعتبار تشكيلي مدروس، فهي تنثر الوانها اولا، لتضع حدودا لها فيما بعد، وتعيد هذا الانبهار الاول لترتيبه من جديد، فالعمل “التجريدي” لايعني الحرية المطلقة في نشر الالوان على سطح اللوحة بشكل عشوائي، الحرية تكمن في التجربة الطويلة للفنان، وخضوعه للعديد من الاعتبارات والقيم الجمالية.
في هذا المعرض نرى وكأن براكين في اول لحظات انفجارها الغاضب والمدمر لكي تهدأ بعد ذالك، وتسيل سفوحها وجوانبها الحمم العديدة الالوان بهدوء جميل ومريح تجعل الرائي نسيان الفكرة الاولى المباغتة، التي في أصلها غليان كابت، فهي رغم انطلاقها الحر على قماش اللوحة ما تزال تحافظ على قوة المراقبة .
في اعمالها الحمراء تحاكي الصحراء والفجر معا، فالفجر كما في الاسطورة الاغريقية القديمة هو “اورورا” في اللغة اللاتينية، ولكنه مؤنث وهذه ربة الشروق، تعطي مفاتيح السماء لاله الشمس “هيلوس” إله الشمس الذي يعبر بعربته الذهبية، وخيوله الطائرة سماء الارض، ليغرب في غربها، ويختفي في الافق ليأخذ زورقا عند سقوط في الليل عائدا الى نقطة انطلاقه منتظرا أشارة “الفجر” كي يعيد سفره اليومي من الصباح الى الغروب.
بهذا ما تستوحيني أعمال الفنانة “فاطمة لوتاه” فهي كما تصور ببطء نهارا صحراويا من صباحه الى غروبه، في حركة تغير لونية ملحة، وهذا أيضا يذكرني ببعض “الانطباعيين” الذين جعلوا من الضوء مادتهم الرئيسية، فكثيرا منهم اعتادوا رسم ضوء النهار في منظر ثابت على مرور ساعات النهار لتبرير خروجهم من المشاغل الى الطبيعة، وفي لوحاتها الحمراء تذكرني بالفنان الانكليزي العظبم “تيرنير” الذي أهتم كثيرا ب”مجرد” اللون والتأثيرات الضوئية على رسومه خصوصا البحرية منها، رغم أنه لم يرسم عملا تجريديا على الاطلاق، في لوحاتها الزرقاء نرى ضوء شمال ايطاليا التي تبتعد عن المتوسط في دفء مريح.