يكفينا في هذا المسار أن نوفّر أرضية إقبال النساء على فاطمة الزهراء سلام الله عليها بإشاعة حبّها في المجتمع. يكفينا أن تتقرب النساء من فاطمة الزهراء سلام الله عليها إثر انتشار حبّها في القلوب. عند ذلك وبسبب المشاعر التي يملكنها تجاه الزهراء سلام الله عليها سوف تجدهنّ يزددن اهتماما بالمسائل المعنوية والدينية ويزددن شَبَها بالزهراء سلام الله عليها في حياتهنّ وسلوكهنّ.
ومن جانب آخر، عندما تشيع عظمة هذه المودة في المجتمع، وحين تشاهد النساء أنّ هناك امرأة لها شأن ومقام عظيم في الإسلام وتحظى بهذه المودة والمحبة في المجتمع، يشعرن بالشخصية وإثر ذلك يسهل عليهنّ الالتزام بالدين والمسائل المعنوية.

3. ازدياد قوة المجتمع

إن الله قد نصر خاتم أنبيائه بالرعب؛ «ونصره بالرعب».[1] لقد كان الله سبحانه يحيط النبيّ وأصحابه بالأبّهة والهيبة أمام الأعداء ما كان يلقي بها عليهم الرعب. وقد وعد الله سبحانه أن ينصر خاتم أوصيائه بالرعب أيضا،[2] حيث قد ورد في الرويات أن رعب أعداء الإمام المنتظر سوف يعبّد الطريق لجيش الإمام حتى الانتصار السريع.[3]
من أين يأتي هذا الرعب؟ فإذا أمعنّا النظر في هذه الحقيقة نجد أن إلقاء الرعب يأتي من الشجاعة والشجاعة ناجمة من ثبات القلب. وأما القلب الذي يسع عرش الرحمن لا يثبت إلا بعد أن يمتلئ بحبّ مولاه. من خصائص الحبّ هو أنه إذا تعزّز وملأ القلب، يمنح الإنسان قوة في التضحية والشجاعة في سبيل من يهواه. فإن ملأ الحبُّ وجودَك كلَّه، تفدِ نفسك لحبيبك بسهولة، وتفيض حينها الشجعاعة من قلبك، وسوف تلقي هذه الشجاعةُ الرعبَ في قلوب الأعداء.
إنَ مجتمعنا اليوم بحاجة إلى هذا الرعب في مواجهة الأعداء. كما أن انتصارنا على أعدائنا سوف يتحقق بهذا الرعب نفسه. إن هيبة حبَنا لمولانا ومولاتنا هي التي تسلب الأعداء جرأتهم على مواجهتنا والتطاول علينا.
إن سبب حساسيَة العدوّ من مجالسنا وهيئاتنا ما تضطرّه إلى القيام بتفجيرها، هو أنه بات يدرك ما يعطيه «حبّ أهل البيت» لنا من قوّة وهيبة.

4. ضرورة التأكيد على موقع حبّها في نفوسنا

أيهما أوقع في القلب وأعظمها أثرا في نفس الإنسان كفرد؛ التأكيد على ظلامة الزهراء سلام الله عليها أم التأكيد على محبوبيتها؟ وأيّهما أوفر حظّا من الأجر وأجدر في إيصالنا إلى القرب؛ الخوض في محبوبيتها أم الوقوف عند ظلامتها عليها السلام.
مما لا شكّ فيه ولا ريب يعتريه إن لذكر مأساة الزهراء وأحقيتها سلام الله عليها بركات كثيرة وأثرا عميقا في القلوب. وكثيرا ما يبدو هذا الأثر جليا لدى الجميع. بيد أنه ليس بالضرورة أن كلّ ما انطوى على أثر واضح ويسير، فهو ذو قيمة أعظم وثمن أكبر.
إن بعض المصائب لا تُبكي جميع الناس، بيد أنها أغلى قيمة لمن التاع قلبه بسماعها. فعلى سبيل المثال هناك من يبكي على جراحات الحسين عليه السلام وحسب، أما هناك من يستطيع أن يبكي على غربة الحسين عليه السلام أيضا، بل يبكي على مُثُل الحسين عليه السلام وقيمه. فلا شك في أن الدّموع التي سكبتها غربة الحسين وقيمُه عليه السلام أغلى ثمنا من غيرها، إذ إن الذي يبكي على غربة الحسين عليه السلام بل على قيمه عليه السلام فقد ملئ قلبه بمزيد من الهمّ للدين.
بإمكان جميع الناس أن يبكوا ويصبّوا الدموع على مصاب امرأة قتل أخوها أمام عينها، ولكن هل يستطيع أيّ أحد أن يبكي على زينب سلام الله عليها إذ شاهدت مقتل إمام زمانها؟
إن للتهاب القلب والبكاء على مأساة الزهراء وجراحاتها ثمنا عظيما جدّا، وفي نفس الوقت إنه أيسر من البكاء على غربتها ومصائبها في سبيل قيمها ومثلها. إن هذا البكاء أصعب بكثير وأكثر قيمة بطبيعة الحال.
أصل ذهبي في إصلاح القلب: ينطوي القلب على زوايا كثيرة وهي مواطن لأنواع الحبّ وأشكال الصفات. فهو يسع في دهاليزه كلي أنواع الحب والصفات من الحميدة والسيئة التي تتنازع في ما بينها. فتارة يجرّك الحبّ إلى أمر حسن، وتارة أخرى يجرّك إلى أمر سيئ. إن تغيير القلب عمل صعب، ولا يقوى عليه إلا القلب نفسه. إن ذاك الأصل الذهبي في إصلاح القلب هو أن زوايا ودهاليز القلب مستطرقة، فإذا عزّزت حسنة قي قلبك، تقوم هذه الحسنة بطرد باقي المساوئ من الزوايا والدهاليز الأخرى، كما إذا عزّزت سيئة في قلبك تقوم بنفس الدور نفسه تجاه حسنات القلب.

يتبع إن شاء الله...

[1]عن الإمام الصادق ـ‌علیه‌السلام‌، راجع الكافي، ج2، ص17.
[2]«عن ابى جعفر ع: ... وَ أَمَّا شَبَهُهُ مِنْ جَدِّهِ الْمُصْطَفَى ص فَخُرُوجُهُ بِالسَّیْفِ وَ ... وَ أَنَّهُ یُنْصَرُ بِالسَّیْفِ وَ الرُّعْبِ‏»، کمال الدین، ج1، ص327.
[3]عن الإمام الباقر ـ‌علیه‌السلام‌ـ : «... و یَسِیرُ الرُّعْبُ قُدَّامَهَا شَهْراً»، بحارالأنوار، ج52، ص360.