أساليب العقيدة في بناء الاِنسان أخلاقياً
بسم الله الرحمن الرحيم
الله اكبر الله اكبرالله اكبر
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرج ال بيت محمد
موفقين بارك الله فيكم يا أنصارالحق
كانت قضية الاَخلاق تحظى بأهمية استثنائية في توجهات العقيدة الاِسلامية، نجد أنّها اتّبعت أساليب وطرق عدّة متضافرة كبناء يتصل بعضه ببعض، تشكّل بمجموعها السور الوقائي الذي يحمي الاِنسان من الانحدار والسقوط الاَخلاقي، ويمكن إجمال هذه الاَساليب، بالنقاط الآتية: ـ
أولاً: تحديد العقيدة للمعطيات الاَخروية للاَخلاق
فمن اتّصف بالاَخلاق الحسنة وعدته بالثواب الجزيل والدرجات الرفيعة، ومن ساء خلقه وأطلق العنان لنفسه وعدته بالعقاب الاَليم.
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ العبد ليبلغ بحسن خُلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة» .
وقال أيضاً: «إنَّ حُسن الخُلق يبلغ درجة الصّائم القائم» .
وقال موصياً: «يا بني عبدالمطلب، أفشوا السلام وصِلوا الاَرحام، وأطعموا الطعام، وطيّبوا الكلام تدخلوا الجنة بسلام» .
وقال أيضاً: «إنَّ الخُلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد..» .
وفي هذا السياق، قال الاِمام الصادق عليه السلام: «إنَّ الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخُلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح» .
ثم إنّ هناك تلازماً بين قبول الاَعمال عموماً والعبادية منها على وجه الخصوص وبين الاَخلاق، فقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع أمرأة تسبُّ جارتها وهي صائمة، فدعا بطعام فقال لها: «كلي ! فقالت إنّي صائمة ! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: كيف تكونين صائمة وقد سببت جارتك.. ؟!» .
ثانياً: بيان العقيدة للمعطيات الدنيوية للاَخلاق
فمن يتّصف بالاَخلاق الحسنة، يستطيع التكيّف والمواءمة مع أبناء جنسه، ويعيش قرير العين، مطمئن النفس، هادىء البال، أما من ينفلت من عقال القيم والمبادىء الاَخلاقية، فسوف يتخبط في الظلام، ويعيش القلق والحيرة فيعذب نفسه ويكون ممقوتاً من قبل أبناء جنسه، ويدخل في متاهات لا تُحمد عقباها.
يقول الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «حُسن الخُلق يثبّت المودّة» . وقال وصيه الاِمام علي عليه السلام: «.. وفي سعة الاَخلاق كنوز الاَرزاق»
وقال الاِمام الصادق عليه السلام موصياً: «وإن شئت أن تُكرَم فَلِنْ، وإن شئت أن تُهان فاخشن» ، وقال أيضاً عليه السلام: «البر وحسن الخُلق يُعمران الدّيار، ويزيدان في الاَعمار» .
وبالمقابل فإنّ للاَخلاق السيئة معطيات سلبية يجد الاِنسان آثارها في دار الدنيا، قال الاِمام الصادق عليه السلام: «من ساء خُلقه عذَّب نفسه» ، وقال عليه السلام لسفيان الثوري الذي طلب منه أن يوصيه: «لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا إخاء لملول، ولا خُلّة لمختال، ولا سؤدد لسيء الخُلق» .
مما تقدم اتضح أنّ العقيدة ترغّب الاِنسان بالتحلي بالاَخلاق الحميدة من خلال إبرازها للمعطيات الاِيجابية ـ الاَخروية والدنيوية ـ التي سيحصل عليها إذا سار في طريق التزكية، وبالمقابل تردعه عن الاَخلاق السيئة من خلال بيان الآثار السلبية ـ الاُخروية والدنيوية ـ المترتبة عليها.
ثالثاً: تقديم التوصيات والنصائح
تقدم العقيدة ـ من خلال مصادرها المعرفية ـ التوصيات القيمة في هذا الصدد، التي تزرع في الاِنسان براعم الاَخلاق الحسنة، وتستأصل ما في نفسه من قيم وأخلاق فاسدة.
من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أنا أديب الله، وعلي أديبي، أمرني ربي بالسخاء والبر، ونهاني عن البخل والجفاء، ومامن شيء أبغض إلى الله عزَّ وجل من البخل وسوء الخلق، وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» .
وقال وصيه الاِمام علي عليه السلام: «.. روضوا أنفسكم على الاَخلاق الحسنة، فإنَّ العبد المسلم يبلغ بحسن خُلقه درجة الصائم القائم» .
وقال أيضاً موصياً: «.. عوّد نفسك السّماح وتخيّر لها من كلِّ خلق أحسنه، فإنّ الخير عادة» .
وقال عليه السلام: «.. وعليكم بمكارم الاَخلاق فإنّها رفعة، وإيّاكم والاَخلاق الدنية فإنّها تضع الشريف وتهدم المجد» .
من هذه الشواهد المنتخبة، نستطيع القول بأنّ العقيدة تقدّم نصائحها وتوصياتها القيمة مُدعمة بالمعطيات والدلائل المقنعة، لتشكّل جداراً من المنعة يحول دون جنوح الاِنسان المسلم إلى هاوية الاَخلاق السيئة.