دور محبة الزهراء سلام الله عليها في إصلاح المجتمع الشيعي
ليست محبة الزهراء سلام الله عليها على رأس أولويات المجتمع العالمي و المجتمع الإسلامي وحسب، إذ حتى أوساطنا الشيعية أيضا لابدّ أن تضرب على وتر حبّ الزهراء باستمرار. إن الظاهرة الواضحة في مجتماعتنا هي احترام السيدة الزهراء سلام الله عليها. ولكن لا ينبغي أن نخلط بين الحب والاحترام. فلا زال مجتمعنا بحاجة إلى تطوير وارتقاء في جانب المحبة. إن ازدياد هذا الحبّ بين أفراد المجتمع سيؤدي إلى حلّ كثير من مشاكلنا الاجتماعية والثقافية:
1.إصلاح سلوك النساء في المجتمع
إن إصلاح حجاب النساء وسلوكهن في المجتمع وعملية تربية الأسر هي من القضايا التي تتيّسر بشياع محبة الزهراء سلام الله عليها في المجتمع. أما مدى علاقة شياع حب الزهراء سلام الله عليها بحل مشاكل المجتمع فراجعٌ إلى العلاقة الموجودة بين «الحب» و«العمل» و«المعرفة»:
المحبة تصلح العمل: ليس هذا بكلام صائب بأننا نحظى بالمحبة والمودة الكافية تجاه السيدة الزهراء سلام الله عليها وعليه فلنذهب إلى كسب «المعرفة» تجاهها ونستلهم الدروس من شخصيتها لنتمكن من الاقتداء بها في مقام «العمل». من قال أن هناك مرحلة متوسطة بين «المودة» و«العمل» باسم «المعرفة»؟ كلا، إن «المودّة» هي الدافع والمحفّر للتأسّي والعمل.
لا نريد أن ننكر قيمة العلم والمعرفة؛ حيث إننا بحاجة إلى المعرفة كذلك. ولكن عندما نتواصى بكسب المحبّة لا نحتاج إلى تواص مستقل بكسب المعرفة. فالذي يقول إني أحبّ الزهراء سلام الله عليها بيد أنه لا يتأسى بها في مقام العمل، لا تعوزه «دورة تعليمية» في مقام السيدة فاطمة سلام الله عليها بل مشكلته هي أنه «قلیل» الحبّ لها. فلابدّ له أن يزداد حبا لها حتى يصبح مثلها.
لا داعي لأن نوصيه بأن «تعرّف على الزهراء سلام الله عليها» بل ينبغي أن نقول له: «إرفع من مستوى حبك للزهراء سلام الله عليها». وبالتأكيد إن ازدياد المعرفة هو بنفسه أحد الطرق والأساليب في سبيل ازدياد المحبّة.
لا تجدون في مجتمعنا الآن شيعيا يسمّي ابنه بيزيد؛ لا يفعل أحد هذا وإن حززت رأسه. لماذا؟ فهل قد حضر دروسا معرفية جعلته يأبى عن هذا العمل، أم أن هذا القدر من «الحبّ» الذي انطوى عليه قلبه تجاه أبي عبد الله الحسين عليه السلام يمنعه من هذا الموقف. إن هذا الحبّ بنفسه يقتضي أن تستحيل بعض الأعمال في المجتمع.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى ظاهرة السفور والتبرج؛ فإن ازداد مستوى حبّ الزهراء سلام الله عليها بين نسائنا، تصبح حينئذ ظاهرة السفور من المستحيلات.
المودة مدعاة لكسب المعرفة: إن كان مجتمعنا الديني بحاجة إلى ازدياد المعرفة تجاه السيدة الزهراء سلام الله عليها لابدّ له أن يصعّد من مستوى مودّته. إن المودة تنتج المعرفة. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «مَنْ أَرَادَ الْحِكْمَةَ فَلْیُحِبَّ أَهْلَ بَیْتِي».[1] إن هذه الحكمة التي هي ضالة المؤمن،[2] ومن أعطيها فقد صار عالما بلا معلِّم، تحصل بحبّ أهل البيت عليهم السلام.
2.ارتفاع المستوى المعنوي لدى النساء
ليست النساء بنصف المجتمع، بل كل المجتمع. إن دور النساء أكثر حساسية وخصوصية من دور الرجال في المجتمع وذلك بسبب دورهنّ الخاصّ في الأسرة وتربية الأولاد. ومن هذا المنطلق فهنّ أكثر حاجة من الرجال إلى الارتقاء المعنوي. وفي هذا المسار تستطيع علاقتهن بفاطمة الزهراء سلام الله عليها أن تبلغ بهنّ إلى ذروة المعنوية.
يكفينا في هذا المسار أن نوفّر أرضية إقبال النساء على فاطمة الزهراء سلام الله عليها بإشاعة حبّها في المجتمع. يكفينا أن تتقرب النساء من فاطمة الزهراء سلام الله عليها إثر انتشار حبّها في القلوب. عند ذلك وبسبب المشاعر التي يملكنها تجاه الزهراء سلام الله عليها سوف تجدهنّ يزددن اهتماما بالمسائل المعنوية والدينية ويزددن شَبَها بالزهراء سلام الله عليها في حياتهنّ وسلوكهنّ.
ومن جانب آخر، عندما تشيع عظمة هذه المودة في المجتمع، وحين تشاهد النساء أنّ هناك امرأة لها شأن ومقام عظيم في الإسلام وتحظى بهذه المودة والمحبة في المجتمع، يشعرن بالشخصية وإثر ذلك يسهل عليهنّ الالتزام بالدين والمسائل المعنوية.
[1]«مَنْ أَرَادَ الْحِكْمَةَ فَلْیُحِبَّ أَهْلَ بَیْتِی»، بحار الأنوار، ج27، ص116 و مئة منقبة، ص84.
[2]عن الإمام الصادق ـعلیهالسلامـ : «الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِن»، الكافي، ج8، ص168.