TODAY - December 21, 2010
تحمي خزانتها 3 مفاتيح موزعة بين قائد شرطة والشيخ أحمد السامرائي وشخص ثالث مجهول
رئيس الوقف السني: سيثور غضب الحكومة اذا عرضنا نسخة القرآن المكتوبة بـ27 لترا من دم صدام.. وهي تساوي الملايين
رجال دين عراقيون يعاينون نسخة القرآن المكتوبة بـ 27 لترا من دم صدام حسين عن الغارديان
بغداد- مارتن جيلوف
تشكل نسخة القرآن المكتوبة بدم صدام حسين موضوعا للنقاش في العراق، إذ هل يتوجب تدمير كل شيء يرتبط بالنظام الدكتاتوري السابق أم لا؟ اما الحكومة التي يقودها الشيعة فبقيت حساسة بخصوص موضوع تلك الاثار.
ورسمت حروف هذه النسخة بدم الدكتاتور، في محاولة شنيعة لاثبات تقواه وصلاحه الديني. ففي أواخر التسعينيات وعلى مدار سنتين مضنيتين كان صدام حسين يجلس بانتظام مع ممرضة وخطاط اسلامي، وكانت الممرضة تتولى سحب 27 لترا من دمه ليقوم الخطاط باستخدام الحبر لخط القرآن.
ولكن ومنذ سقوط بغداد قبل ثماني سنوات تقريبا، بقيت هذه النسخة بعيدة عن الانظار الى حد كبير ومخفية وراء ثلاثة ابواب مقوسة. وببساطة فهذا هو الجزء الوحيد من تراث المستبد المُزاح الذي لايعرف العراق كيف يتعامل معه.
وبقي القبو في المسجد الكبير الواقع في بغداد مغلقا طوال السنوات الثلاث الماضية لكي تبقى الاجزاء الـ 114 من كتاب المسلمين المقدس بعيدة عن العيون والعقول، في وقت قام من يديرون العراق الان بالتعامل بصرامة مع البقايا الثقافية الاخرى لحكم صدام والبعث الذي دام ثلاثين سنة.
ويقول الشيخ أحمد السامرائي رئيس ديوان الوقف السني فيما كان واقفا بقرب المآذن الشاهقة لمسجد يقع غرب بغداد سمّاه صدام "جامع أم المعارك" وخلفه القرآن المكتوب بدم صدام حسين "ان ما يوجد هنا لايُقدر بثمن، انه يساوي ملايين الدولارات".
وعملية الوصول إلى القبو المحرم الذي يحوي هذه النسخة، كَانت معقدة.
فالحكومة من جهتها كانت تقوم بكل ما يمكنها لمنع الوصول (الى هذه النسخة)، فهي حساسة جدا من ظهور اي من الرموز التي تمثل احتفاء ببقايا البعث الذي لايزال ينظم عمليات التفجيرات والاغتيالات بشكل دائم.
ثم هناك السُنة انفسهم الذين يخافون من معاقبة الحكومة لهم ان هم فتحوا الابواب وكذلك احساسهم بالاشمئزاز من التعامل مع هذه النسخة المحيرة من القرآن بالتبجيل الذي (يستحقه) كتاب مقدس.
ويقول الشيخ احمد السامرائي "لقد كان من الخطأ ان يقوم (صدام) بما قام به، ان يكتبه (القرآن) بالدم. انه حرام".
وبالرغم من كل هذا فان الشيخ السامرائي يقول انه تصرف بوصفه حامي هذه الوثيقة أثناء الفوضى التي تلت الإحتلال الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، حيث قام باخفاء صفحات في بيته ونقل صفحات اخرى الى بيوت اقاربه.
ويقول السامرائي "كنت اعرف ان ذلك لن يكون عملا سهلا واتخذنا قرارا بحماية النسخة. ولكن ان تشاهدها فذلك ليس بالامر السهل الان. فهناك ثلاثة مفاتيح ولا يتم الاحتفاظ بها كلها في المكان نفسه. فاحد المفاتيح بحوزتي والثاني لدى مدير شرطة المنطقة، اما المفتاح الثالث ففي احد مناطق بغداد. ويجب أن يكون هناك قرار من اللجنة المكونة منا نحن الثلاثة، بالسماح لك بالدخول".
وكان من السهل على الحكومة التعامل مع الاثار الاخرى مثل تمثال صدام الذي أُسقط من قبل جنود البحرية الأمريكيين في أبريل (نيسان) 2003، وكذلك التماثيل النحاسية النصفية لزعماء بعثيين تم نصبها في جميع أنحاء البلاد. ويقول الرجال الذين يحكمون العراق اليوم ان ازالة تلك الاثار كانت عملا سهلا مثل ازالة الدمامل.
وفيما يشكل العراق ببطء حكومته الرابعة منذ سقوط بغداد عام 2003 فان الإنتباه يتجه الان إلى القضايا الأكثر صعوبة، فما العمل بالمعالم والآثار التي انتجها نظام صدام لكنها أصبحت مرادفة للعراق ايضا؟ ونماذج ذلك السيوف المتقاطعة التي تشكل نهاية ساحة الاحتفالات العسكرية المقامة في وسط بغداد والتي باتت تميز العاصمة مثلما يميز آي صوفي مدينة اسطنبول، او كما تميز البلدة القديمة مدينة دمشق.
الربيعي يعارض والجلبي يتوعد
والعديد من السياسيين البارزين مثل أحمد جلبي، أحد شخصيات المعارضة الرئيسية لصدام يصرون على ان اي شيء يرتبط بصدام المعدوم يجب ان يزال.
ويقول الجلبي الذي ترأس لجنة اجتثاث البعث "النصب المذكورة ُصممت لقمع الناس. وكانت تلك مدمرة جدا لروحية المواطن العراقي. انها تذكير واضح بعواقب حكم الحزب الواحد ومثال للشخص الذي يجسد الشر. ولم تقدم شيئا للعراق. انها لاتستحق الاحتفاء بها. وليس فيها قيم جمالية لتستحق ان تعرض.انا (هنا) لاجتثاثها".اما الرجال الاخرون الذين لعبوا اولا دورا كبيرا بالاطاحة بصدام حسين ثم بمحاكمته واعدامه فكانوا اكثر انفتاحا.
ويقول مستشار الامن الوطني السابق في العراق موفق الربيعي الذي رافق صدام الى المشنقة "لقد كان هناك وحكم (العراق) وأثر على العالم. لكنه كان جزءا من تاريخنا. لقد كان جزءا سيئا من تاريخنا، لكنه أوجد اختلافات ضخمة، شئنا ام ابينا. ولسنا بحاجة لدفن ارث تلك الفترة. نحن بحاجة لتذكرها. لنتذكر كل السيء فيها وكل ماهو جيد ونتعلم الدروس. اكثر الدروس اهمية هو ان الديكتاتورية لن تعود للعراق".
وفي 2005، شكلت الحكومة لجنة للإشراف على إزالةَ الرموز التي ترتبط بصدام.
وقال علي الموسوي الناطق باسم رئيس الوزراء نوري المالكي من مكتبه المطل على ساحة السيوف المتقاطعة "ليس كل ماتم بناؤه في زمن النظام يتوجب ازالته. فقد كانت هناك بعض المنحوتات حول الدكتاتورية والهيمنة على العراق. والبعض منها تتحدث عن الدكتاتوريين والمعارك وهي ما يجب ازالتها لكونها ذات دلالات طائفية وعرقية".
ويضيف الموسوي "تماثيل صدام ليس لها مكان في الشوارع وهو لا يملك امتيازا لابقائها هناك. واذا ظلت وسط المجتمع فانها ستثير الناس".لكن الموسوي كان اكثر انفتاحا للتوصل الى تسوية بخصوص قرآن الدم إذ يقول "اننا يجب ان نبقيه كوثيقة عن وحشية صدام، اذ لم يتوجب عليه القيام بذلك. لقد قيل الكثير عنه، ولكن لا يجب وضعه في متحف رغم ذلك. لأن اي عراقي لن يرغب برؤيته. وربما في المستقبل قد يكون من الممكن ارساله الى متحف خاص مثل المخلفات التذكارية لانظمة هتلر وستالين".
ومع مرور الوقت، فان من المحتمل ان يصبح تراث صدام حسين وسنواته الـ 30 الوحشية جزءا من نقاش أكثر استقلالية في وعي العراق الوطني، مثل المناقشات الكثيرة التي حدثت في ألمانيا في أواخر الأربعينات بعد طرد النازيين.
الخطاط: جزء مؤلم انساه
والان فان البحث الجوهري يجب ان يُتركْ لاولئك الذين قاموا بصنع هذه الاعمال المتنازع عليها ولاولئك الذي عُهدتْ اليهم رعايتها مؤقتا.
والخطاط الذي تم تكليفه بكتابة القرآن هو عباس شاكر جودي البغدادي. وكان قد جلس مع صدام لسنتين بعد تلقيه لمكالمة هاتفية من الديكتاتور نفسه.
وصدام في تلك الفترة قرر العودة لاعتناق دينه بعد نجاة ابنه الاكبر عدي من محاولة اغتيال.
ونتيجة عمل البغدادي كانت كتابا مصنوعا باناقة بحيث كان يحتل مكانا في اي معرض فني (لاناقته) وليس لحقيقة كونه مكتوبا بالدم.ويقول البغدادي من ولاية فرجينيا الاميركية حيث يعيش في اتصال هاتفي معه "أنا لا أحب أَن أَتحدث عن هذا الآن، اذ كان جزءا مؤلما من حياتي وأُريد نسيانه".
وعودة الى المسجد حيث كان الشيخ السامرائي عصبيا خائفا من الغضب الذي سيسلط عليه من الحكومة على وجه الخصوص وربما من سلطة اعلى بكثير اذا هو وجه بفتح الباب امام الناس لمشاهدة هذه النسخة. وقال "حتى إذا أنا سمحت لك بالدخول، فينبغي ان تقف على مبعدة 10 أقدام بعيدا عن الصفحات التي كلها موضوعة خلف صناديق زجاجية". وبعدها اتخذ قرارا وقال "لا يستحق اي شخص الامر، وهم سيثيرون الكثير من المشاكل".
وبعض الأشياء في العراق ستحتاج العديد من السنوات الاضافية لمواجهتها.
عن صحيفة الغارديان
رد مع اقتباس
