في عام 1977 كنت وعائلتي في زيارة لمدينة القرنة – جنوب العراق - عند ملتقى نهري دجلة والفرات . ونحن في طريقنا الى المطعم السياحي رأينا جمهرة من الناس إحتشدت على الضفة الغربية لنهر دجلة ، إجتزنا تلك الجمهرة بصعوبة بالغة وبعد أن تناولنا طعام الغداء في المطعم ، سألت أحد المسؤولين في المطعم عن سبب ذلك التجمهر ، فأفادني : " إنهم يصنعون سفينة كبيرة من قصب البردي " ، إستهواني الموضوع فقررت وعائلتي الرجوع الى ذلك التجمهر ، وعندما وصلنا هناك رأينا تلك الجمهرة متحلقة حول عدد من العمال يعملون بكل جد ونشاط منشغلون في قطع وتصفية قصب البردي وتصفيفه على شكل رزم كبيرة ، وكان بين أولئك العمال رجل إجنبي يرتدي قبعة ، ويبدو من تصرفاته إنه مدير المشروع يرشد العمال لتأدية العمل حسب توجيهاته .
دفعني الفضول وحب الأستطلاع أن أقترب من الرجل الأجنبي ، حييته وعرفته بنفسي ، فرد التحية وعرفني بنفسه ( ثور هيردال Thor Herdal) من النرويج . سألته ماذا يجري هنا ؟ قال لي : " إننا نصنع سفينة كبيرة من البردي للأبحار بها عن طريق شط العرب والخليج ثم بحر العرب والمحيط الأطلسي للوصول بها الى أمريكا ! ! ! . قلت له : " إنه موضوع شيق ويا ليتنا نلتقي معا بعد العمل إذا سمح وقتك بذلك " . فوافق بكل سرور بعد أن عرف بدرايتي بالتاريخ القديم للكلدان والأشوريين .
وكما إتفقنا فقد إالتقينا في المطعم السياحي في عصرية ذلك النهار ودار الحديث بيننا وتحديدا حول مشروع سفينته والغاية المرجوة من بنائها ، وإستخلص حديثه قائلا : " إن سكان جنوب العراق القدامى هم الذين إكتشفوا أمريكا قبل كريستوفر كولمبوس بما يقارب عن ألألفين سنة ، وهذا ما أريد أن أثبته عمليا " . وفي نهاية اللقاء إلتقطنا بعض الصور التذكارية معا ، شاكرا إياه على وقته الثمين والحوار الممتع ، متمنيا له التوفيق في مشروعه .
وقد أنجز الرجل الفكرة بعد عمل مضني إستغرق عدة شهور ، وأكمل بناء سفينته الكبيرة من البردي أسماها ( دجلة ) ( Tigris ) أبحر بها عن طريق شط العرب والخليج والبحر العربي ورسى بها في ميناء جيبوتي ، إلا أنه لم يكمل المسيرة إذ أشعل فيها النيران لأسباب إختلفت فيها الأراء .
شغلني الموضوع كثيرا منذ ذلك الحين وبدأت بتقصي الحقائق من خلال دراسة تاريخ السكان الأصليين لأمريكا الشمالية مثل قبائل الهنود الحمر والحضارات التي قامت في أمريكا الجنوبية مثل حضارة المايا (Maya ) والأزتيك (Aztecs ) ودراسة لغتهم . فقد وجدت في مفردات لغة قبيلة سيوكس Siouxوقبيلة مندان ( من قبائل الهنود الحمر) في الغرب الأمريكي بعضا من المفردات اللغوية ذات الأصول الأرامية . وقد توصل أحد العلماء الأيطاليين بأن لغة سكان ( ليما ) عاصمة (بيرو) في أمريكا الجنوبية أصلها أرامية ( اللغة التي كان يتكلمها الكلدان والأشوريون الى جانب لغتهم الأكدية أيام كانت دولهم قائمة ) . وفي عام 1947 إكتشف الدكتور وليم ستروناك ( Dr. William Stronach ) في وادي سيسكويهانا في ولاية بنسلفانيا الأمريكية التي تقع على المحيط الأطلسي حوالي 400 لوحة فخارية نقشت عليها رموز وكتابات شبيهة بتلك التي كان الكلدان والأشوريون يستعملونها ، وقد دلت بعض من تلك الكتابات : " أن قوة تعدادها سبعون ضابطا وثلاثة ألاف جندي قد إستعمروا هذا الوادي عام 371 قبل الميلاد ... " ، وهذا ما أكده عالم الأشوريات فريد التميمي .
إن هذا الموضوع من الصعب تصديقه ، ويستحق مزيدا من البحث والتقصي للوقوف على حقيقته ، غير أن السؤال يطرح نفسه ، ما الذي جاء بتلك اللوحات الفخارية المدونة بلغة شبيهة باللغة التي كان يستخدمها الكلدان والأشوريون الى أمريكا قبل 2381 عاما إن لم يكونوا الكلدوأشوريون قد جلبوها معهم أو دونوها أنفسهم بعد إستيطانهم ذلك الوادي ، أو ما الذي جاء بتلك المفردات ذات الأصول الأرامية الى لغة بعض قبائل الهنود الحمر ولغة سكان ليما في بيرو – أمريكا الجنوبية ؟
منقول بتصرف