2. ضرورة التأكيد على محبوبية الزهراء في «العالم الإسلامي»


لا خلاف في العالم الإسلامي على قضية محبوبية الزهراء سلام الله عليها، ومن هذا المنطلق تقتضي المصلحة أن نؤكّد على قضية محبوبيتها في العالم الإسلامي. إنها بنت الرسول صلى الله عليه وآله ونحبها جميعا شيعة وسنة. إن موقع حبّ الزهراء في قلوب المسلمين بمكان حتى أقرّ أحد علماء الوهابيّة بحبّه لها بالرغم من أنه قد أفتى بارتداد الشيعة.
وعلى مرّ التاريخ لم يسئ أحد إلى فاطمة الزهراء سلام الله عليها. حتى في تلك الفترة التي كانوا يسبّون فيها أميرالمؤمين عليه السلام، لم يصل بهم الأمر إلى الإساءة إليها عليها السلام.
نعم، هناك من يناقشون مظلومية الزهراء سلام الله عليها في العالم الإسلامي، بيد أنهم لا ينكرون محبوبيتها أبدا وحتى يرون أنفسهم يدافعون عن هذه المحبوبية التي تحيط بشخصيتها عليها السلام.
محبوبية الزهراء سلام الله عليها، مدعاة للوحدة: إن المجتمع الإسلامي اليوم بحاجة إلى الالتفاف حول محور حبّ الزهراء سلام الله عليها. إن حبّ الزهراء سلام الله عليها يمثل أحد أوامر القرآن بشكل صريح؛ « قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى‏».[1]
لقد أشار القرآن إلى مودّة أهل بيت الرسول والسيدة الزهراء سلام الله عليها كأجر رسالة خاتم الأنبياء، وإن هذا التأكيد القرآني يمثل أحد القواسم المشتركة بين الشيعة والسنّة. إذن من شأن هذا الحبّ للسيدة الزهراء سلام الله عليها أن يصبح محور الوحدة بين الشيعة والسنة أمام أعداء الإسلام. «تَعالَوْا إِلى‏ کَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُم‏» والكلمة السواء بين المسلمين هي حب فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
لقد صرّح الإمام الخامنئي دام ظله قبل سنين وقال: «إن أهل البيت وحبّ أهل البيت، محور وحدة المسلمين».[2] إنها كلمة لطيفة وحكيمة جدا، وفعلا بالرغم من زعم الكثير من الناس، إن أهل البيت يمثلون أهمّ محور في وحدة المذاهب الإسلامية.
إن الظروف الخاصة التي تمرّ بالعالم الإسلامي وكذلك ظروف العالم البشري برّمته تقتضي أن نتحدّث عن محبوبيّة السيدة الزهراء سلام الله عليها قبل الحديث عن ظلامتها وأكثر من ذلك. لا أقصد من هذا الكلام أن نتراجع عن حقائق ظلامتها حرصا على بعض المصالح، حيث إن ظلامة فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي راية فخر الشيعة ونصرهم، وهي من ثغور معارف الشيعة التي لا نتراجع عنها بقدر شبر واحد. بيد أن ظروف المجتمع العالمي والعالم الإسلامي تقتضي أن نجعل ثقل تأكيدنا على محورية محبوبيتها. وبهذا المنهج نوفّر الأرضية اللازمة لطرح الأبحاث المرتبطة بظلامتها ونزيد بذلك مدى تأثير الكلام على المستمع.

3. ضرورة التأكيد على محبوبية الزهراء سلام الله عليها في الأوساط الشيعية

دور «محبوبية» الزهراء سلام الله عليها في ارتقاء المجتمع الشيعي
ما هو الموقف المطلوب في أوساطنا الإيمانية، فهل لابدّ أن نؤكد على المحبوبية أم المظلومية؟ راجعوا قلوبكم المحترقة وأكبادكم الحرّى في هذه الأيّام واسألوها هل كانت لا تحترق ألما فيما لو غادرت الزهراء حياتها بموت طبيعي؟!
فبمقتضى أمر القرآن الصريح، يتعيّن علينا حب فاطمة الزهراء سلام الله عليها وإظهار هذا الحب. ولهذا حتى لو توفيّت الزهراء سلام الله عليها بموت طبيعي لكان المفترض أن تحترق قلوبنا بهذا القدر.
إذا ارتحل عالم ديني عن المجتمع الإسلامي يصاب الإسلام بصدمة؛ «إِذَا مَاتَ الْعَالِمُ ثُلِمَ فِی الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا یَسُدُّهَا شَیْ‏ءٌ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَةِ».[3] فلا شك في أنه إذا ارتحلت عنه بنت رسول الله التي كان يحدثها جبرئيل الأمين،[5] وهي كفو أمير المؤمنين عليه السلام وبضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله[4] فحتى لو أنها ارتحلت بموت طبيعي، يصاب الإسلام والمجتمع الإسلامي بصدمة أعظم جدا. فهل قد بلغ المجتمع هذا المستوى من «الرشد» حتى يتألم ويحزن بمجرد وفاة السيدة الزهراء سلام الله عليها بغض النظر عن استشهادها؟! أرجوا أن قد بلغ إن شاء الله.
إن هذا الاهتمام بتصعيد المحبوبية لا يعني الغفلة عن الظلامة. فأولئك الذين اتقدت قلوبهم وسالت دموعهم بوهج حبّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها ماذا يفعلون لظلامتها؟! وأولئك الذين تخنقهم العبرة بمجرّد ذكر الزهراء سلام الله عليها ماذا يفعلون لظلاماتها ومأساتها؟
إن مجتمعنا الإيماني بحاجة إلى هذا الرشد. لابدّ أن نعلم ونربّي أنفسنا على أن لا نصبّ الدموع ولا نلتاع على الإمام المظلوم وحسب. نحن نصبو إلى عشق صاحب العصر والزمان ونأمل الموت من أجله مع أنه سوف يكون في قمّة القوّة والاقتدار. ويا ترى هل تعيّن علينا أن نقتصر بحبّ الإمام المظلوم وحسب؟

يتبع إن شاء الله ...


[1] الشورى/ 23
[2] خطاب سماحته في لقائه بضيوف المؤتمر العالمي لأهل البيت عليهم السلام، 1990.05.25 )
[3] عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ راجع المحاسن، ج 1، ص 233
[4] الكافي، ج1، ص270، باب فی أن الائمة محدثون.
[5] قال رسول الله ـ‌صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌ سلّم‌ـ : «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي»، راجع العمدة، ص384.