في اقصى شمال مدينة بغداد والى يمين الطريق الصاعد الى الموصل وصلاح الدين وعلى مقربة لا تبعد سوى مئات الامتار عن نهر دجلة تشمخ قبتان كبيرتان طليتا بالذهب الخالص وتحتضنهما اربع منائر ذهبية تتسامى في علوها لتضفي على المكان هيبة وجلالة، ذلك هو مرقد الامامين الطاهرين موسى بن جعفر الكاظم وحفيده محمد الجواد اللذين أكسبا المنطقة المحيطة بهما حالة من القداسة والشرف حتى استمدت المنطقة اسمها من هذين الامامين، فسميت بالكاظمية أو مدينة الجوادين نسبة لكرمهما وجودهما.
جذور تاريخية
واقدم اثر تاريخي لهذه المنطقة والتي تدعى اليوم بالكاظمية هو ما عثر عليه من آثار تعود الى بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث كانت عاصمة السلالة الكيشية التي بناها الملك (كوريا كلوزو الاول) والمعروفة بمدينة (عقرقوف) التي تبعد عن العتبة الكاظمية المقدسة عدة كيلو مترات.
وفي العهد العباسي الذي بدأ عام 132هـ واختار ابو جعفر عبد الله بن محمد الدوانيقي بقعة من الارض قريبة من عاصمته في جانب الكرخ لتكون مقبرة لاهله واقاربه والمقربين منه وسميت (بمقابر قريش) او مقابر بني هاشم.تاريخ الشهادة
في عام 183هـ استشهد الامام موسى بن جعفر مسموماً في الخامس والعشرين من شهر رجب وقد دفن في مقابر قريش واشتهر مدفنه باسم مشهد (باب التين) نسبة الى (باب التين) الذي كان في شرقية مما يقارب نهر دجلة كما ان المسجد المجاور لقبر الامام (عليه السلام) كان يسمى مسجد باب (التين).
وفي عام 220هـ في آخر ذي القعدة استشهد ببغداد الامام ابو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ودفن قرب جده الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) وبعد ذلك سميت بالمشهد الكاظمي ومشهد الكاظمين والكاظمية.
والامام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وهو الامام السابع من ائمة اهل البيت وقد ولد في الابواء وهي قرية بين مكة والمدينة في السابع من صفر سنة 128هـ، وامه ام ولد يقال لها حميدة بنت ساعد بربرية من المغرب. وكانت حميدة الصفات حتى وصفت باللؤلؤة والمصفاة وقال عنها الامام الصادق زوجها (عليه السلام) ان حميدة مصفاة من الدنس كسبيكة من الذهب.
القابه وكناه
وللامام (عليه السلام) القاب متعددة يعرف بها ومنها (العابد، العبد الصالح، الامين، ذو النفس الزكية، الزاهد، الوفي، زين المجتهدين) أما صفة الكاظم فكانت أشهر صفاته التي اقترنت باسمه كجزء متمم، فعرف بـ(موسى الكاظم) وقد سمي بالكاظم لكثرة كظمه الغيظ وصبره على ما لقي من الظلم والاذى والحبس وكان (عليه السلام) يجازي المسيء باحسانه اليه ويقابل الجافي عليه بعفوه عنه وكان اذا بلغه عن احد انه يؤذيه أرسل اليه الهدايا ثم يعينه على المعيشة.
استشهد الامام (عليه السلام) مسموما في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 183هـ في سجن السندي بن شاهك بامر من الحاكم العباسي هارون وذلك لاحتضان المسلمين لامامهم والتفافهم حوله وامامته بالناس وخشية من تعاظم امره.
الامام الجواد
أما الامام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليه السلام) ولد في المدينة المنورة ليلة الجمعة في العاشر من شهر رجب وكانت ولادته سنة 195هـ، امه ام ولد ويقال لها سبيكة وهي نوبية اي من جنوب مصر وقيل انها كانت من اهل مارية القبطية زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكنى بام الحسن، وهو الامام التاسع من ائمة اهل البيت الذين ذكرهم الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) واوصى باتباعهم وطاعتهم.
ومن القابه المرتضى والمنتجب والتقي، وقد تغلبت شهرته بالجواد على سائر القابه وشارك جده الكاظم بهذا اللقب فأطلق عليهما الجوادين، اما كنيته فكانت (ابو جعفر الثاني) لان جده محمد الباقر (عليه السلام) كان يكنى (ابو جعفر الاول) وقد تسلم امامة المسلمين بعد استشهاد ابيه الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهو لم يزل صغيراً حيث كان عمره آنذاك يقارب ثماني سنوات.
توفى الامام الجواد (عليه السلام) شهيداً مسموماً في آخر ذي القعدة سنة 220هـ في زمن المعتصم العباسي وكان عمره (25) عاما ودفن الى جوار جده الامام الكاظم (عليه السلام).
قصة إعمار المشهد الكاظمي
في سنة 769هـ قام السلطان اويس الجلائري بتعمير المشهد وذلك لتصدعه من جراء تتابع الفيضانات فبنيت قبتان ومنارتان، وفي سنة 914هـ وما بعدها قام الشاه اسماعيل الصفوي بعد احتلال بغداد بعمارة المشهد وتجديده وتوسيع الروضة وتبليط الاروقة بالرخام وصنع صندوقين خشبين يوضعان على المرقدين الشريفين وقام بتزيين الحرم واطرافه الخارجية بالطابوق القاشاني ذي الايات القرآنية والكتابات التاريخية كما امر بان تكون المآذن أربعاً بعد أن كانت اثنتين وامر بتشييد مسجد كبير في الجهة الشمالية من الحرم متصل به يعرف الان بجامع الجوادين وتجهيز المرقد الشريف بالقناديل وتعيين الخدم والحفاظ والمؤذنين.
وفي سنة 941هـ دخل سليمان القانوني بغداد محتلا لها وامر اكمال بعض النواقص الصغيرة.
وفي سنة 1032هـ فتح الشاه عباس الكبير بغداد وزار المشهد الكاظمي وامر باعادة وتشييد ما خربته الحروب والفتن ومالحق بالمشهد من اهمال فامر بنصب ضريح ضخم من الفولاذ يوضع على الصندوقين ليقيهما من غوائل النهب والسلب وتاخر تنفيذ ذلك حتى عام 1115هـ، وقام الشاه حقي بن عباس الصفوي في سنة 1045 ببعض الاصلاحات في المشهد وفي سنة 1307هـ بدأ العمل في المشهد الكاظمي على قدم وساق تنفيذاً لاوامر اغا محيي شاه القاجاري وذلك لاكمال التطويرات السابقة كأكمال تشييد المنائر واحداث صحن واسع يحف بالحرم من جهاته الثلاث الشرقية والجنوبية والغربية ويتصل بالجامع الكبير بالحرم من جهته الشمالية وثم تخطيط الصحن بمساحته الموجودة اليوم.
تعمير وتشييد
وفي سنة 1211هـ قام الشاه فتح علي الشاه باعمال اضافية بعد الشاه محمد الشاه القاجاري بنقش باطن القبتين بماء الذهب والميناء وقطع الزجاج الملون وتزيين جدران الروضة كلها حدّ الطابوق القاشاني الى اعلى الجدار المتصل بالسقف بقطع الزجاج (المرايا) الجميل المثبت على الخشب وتذهيب القبتين والمنائر الاربعة.
وفي سنة 1255هـ تم اكساء الايوان الصغير الذي يشرع فيه باب الرواق في الطارمة الجنوبية بالذهب بنفقة (متوجهرخان) الملقب بمعتمد الدولة.
وفي سنة 1255هـ أهدى السلطان محمود الثاني الى المشهد الكاظمي الستر النبوي وهو من السندس المطرز فاسدل على الضريح في ليلة القدر من شهر رمضان من السنة المذكورة.
مخطط عمراني واسع
وفي سنة 1370هـ ارسل ناصر الدين شاه القاجاري ملك ايران احد علماء عصره المعروفين وهو الشيخ عبد الحسين الطهراني المعروف بلقب (شيخ العرافين) الى العراق للاشراف على تنفيذ مخطط عمراني واسع للعتبات المقدسة في تجديد واصلاح وتجميل وخوله تخويلاً كاملا في الصرف والتصرف وقد بدأت الاعمال العمرانية في المشهد الكاظمي سنة 1281هـ وانتهى العمل 1285هـ بعد اجراء سائر الاصلاحات المطلوبة في المشهد بروضته واروقته واوانيه فاصبح آية في الفن والجمال والابداع والاحكام وقام الامير (فرهاد ميزرا القاجاري) عم ملك ايران ناصر الدين شاه بتنفيذ مشروع ضخم يتضمن بناء سراديب منظمة لدفن الموتى وتذهيب المآذن الاربع الكبرى وتشييد سور مرتفع للصحن يتكون من طابقين ونصب ساعتين كبيرتين فوق البابين الرئيسين (بابا القبلة والمراد) وانجز جميع ذلك في سنة 1301هـ.
استمرار التوسع
اما اليوم فما زالت أعمال البناء ومشاريع التطوير والاعمار مستمرة بهدف ادامة وصيانة هذا الصرح المقدس الذي يأمه المسلمون من مختلف البلدان لمكانة اهل البيت في نفوس المسلمين وجلالتهم لانهم المثل الاعلى الذي يحتذى به ولانهم الامتداد الحقيقي للنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولارتباطهم المباشر بالنسب الطاهر للشجرة النبوية المباركة وهم الانموذج الخالص للصفات المحمدية المحمودة المخصوصة بالعصمة الربانية.
الشيخ المفيد
يضم المشهد الكاظمي ايضا قبور كل من الشيخ المفيد المولود سنة 336هـ والمتوفى في ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان المبارك سنة 413هـ ودفن في داره ثم نقل الى مقابر قريش في الروضة الكاظمية.
ويضم ايضا رئيس المحققين الخواجة نصير الدين الطوسي الذي ولد في طوس يوم السبت الحادي عشر من شهر جمادي الاول سنة 597هـ وتوفى في يوم الغدير 18 ذي الحجة سنة 673هـ وهو غير الطوسي شيخ الطائفة المدفون قرب حرم امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).
الشريف المرتضى
ويحتضن المشهد الطاهر ايضا قبر الشريف المرتضى وهو علي بن الحسين بن موسى بن محمد ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وكنيته ابو القاسم ولقبه علم الهدى حاز من العلوم ما لايدانيه فيه احد في زمانه كان متكلما شاعراً واديبا عظيم المنزلة في العلم والدين ولد في رجب سنة 355هـ وهو ضليع في علوم كثيرة مثل علم الكلام والفقه واصول الدين والفقه والادب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وله ديوان يزيد على عشرين الف بيت، وتولى نقابة نقباء الطالبيين شرقا وغربا وامارة والحج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاة ثلاثين سنة واشهراً، وتوفى في الخامس والعشرين من ربيع الاول سنة 436هـ ودفن بين قبر اخيه الشريف الرضي وبين الحرم الكاظمي المقدس.
الشريف الرضي
اما الشخصية الاخرى التي دفنت بهذا المشهد الطاهر هي جثمان الشريف ويكنى ابو الحسن ويلقب بالرضي نقيب العلويين واخو الشريف المرتضى كان شاعرا ميزرا وله كتب كثيرة منها نهج البلاغة الذي جمع فيه كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام وتولى نقابة الطالبيين مراراً وكانت اليه امارة الحج والمظالم وكانت ولاته سنة 359هـ وتوفى يوم الاحد السادس من محرم الحرام سنة 406هـ ودفن بالقرب من ضريح الامامين الكاظمين.
شبكة الاعلام العراقي