في الواقع المعاش، قد نظن أن الغيرة ترتبط بالمرأة، لتكون مكوّنًا أساسًا من شخصيتها الأنثوية، وفي الحقيقة أنها لا ترتبط بها تحديدًا، ولكن الإنسان بنوعيه: الذكر والأنثى، قد يصاب بالغيرة.
وعندما نبحر في ماهيتها، فإن الغيرة لها ضفتان: الأولى تُعنى بالجانب السلبي، والثانية بالإيجابي، واللتان تحملان تشبيهًا وجهي المرآة، الصافي والمشوش.
ومن أشكال الغيرة الإيجابية - على سبيل المثال لا الحصر - أن يغار الإنسان على أهله، والزوجة على بعلها، وأسرتها، وكأن الغيرة تكون سببًا في تطور الإنسان، لأدواته وفكره، وعلاقاته الاجتماعية، مستعينًا بما تبعثه فيه من حماس، لأن يكون الأفضل فيما يتحلى به من أشياء بمختلف ألوانها ومشاربها.
وفي الضفة الأخرى، تتجه الغيرة السلبية، وذلك عندما تتشح بالحسد، والأمنيات في عدم نجاح الآخرين وتميزهم، وتؤدي إلى تفاقم ونشوء المشكلات، والاستنقاص من الآخرين، وعدم الثقة بهم، والتي تؤدي إلى الشك في كل آنٍ.
وعليه، فإن الانغماس في الغيرة، وتمكنها من أنفسنا وأفكارنا، ناهيك عن بزوغها في سلوكياتنا العملية، كفيل بأن يصيبنا بالوسواس، والتحكم في الآخرين بما ليس من حقنا، لنتوهم بأنه حق لنا، ونمارسه بلا أدنى خجل.
ما يضحك فعلًا، أن يغار الإنسان من نجاح الآخرين وتميزهم، يشعل ذاته قلقًا، وغضبًا من تفوقهم، وكأنهم يأكلون زاده، أو ينقصون منه، في حين أنهم في شأنهم، وفي سعيهم إلى تحقيق أهدافهم.
لم تقف الغيرة فقط على ما ألفناه في حياتنا الاجتماعية، كالغيرة من تفوق هذا، أو حصوله على إنجاز، ولكننا أصبحنا وأمسينا نغار من تقدير الآخرين له، واحترامهم إياه، وحبهم لما يتمتع به. إنهم يحبون هذا الإنسان، لماذا تصيبني الغيرة؟ ما هو موقعي الإعرابي في الجملة؟ ليس لي من الجملة الإعرابية لا رفعًا بالضمة، ولا نصبًا بالفتحة، أو جرًّا بالكسرة، ليس لي فيها حتى شبه الجملة. موقعي الصحيح في هذه الجملة الإعرابية أن أصفق لهذا الإعراب الصحيح، والذي جاء في مكانه.
لن يبلغ هذا الإنسان من النجاح مهما أوصلته قدماه إلى حيث أراد، أو لا زال يخطو الخطوات، ولن يُغري نهم ذاته؛ لإشباع الأنا المتضخمة التي تعتريه، طالما جاء المحرك ممزوجًا بالغيرة الرعناء.