لا نتائج بدون مقدمات، وليست المقدمة مجرد مغادرة للماضي فقط ، بل أيضاً اجتراح أنماط جديدة في إدارة الدولة والمجتمع، وفي الحالة العراقية لا مناص من الاعتراف بأننا بحاجة إلى حكم رشيد يتأسس على قواعد ومنطلقات إنسانية عصرية، يكون القانون حاملها الأكبر، ومعيارها الناظم ، وتكون المواطنة المفاهيمية المقرونة بالهوية، دالتها في المشاركة والمساواة القانونية في الحق والواجب ، وتكون المصلحة العليا منطلقاً لكل المصالح الأخرى التي لامناص من أن تتكيف مع المصالح العليا . الحكم الرشيد يعني المرجعية العصرية لدولة المؤسسات والنظام والقانون ، والتبادل السلمي للسلطة، على قاعدة الانتخابات الناجزة المعبرة حصراً عن تفارق الرؤى والمصالح والأحلام. الحكم الرشيد يعني صيانة المال العام، واعتباره ذمة تطال الجميع، والعناية بالطفل والعاجز والمتعطلين رغماً عنهم ، واعتبار أن العدالة هي المدخل الحاسم للسلم الاجتماعي والتعايش البناء و سيادة روح المحبة والانتماء بدلاً من الكراهية والتنافي العدمي.
نحن بحاجة إلى كل ذلك ، فالعراق الراهن لايغرد خارج سرب التاريخ والجغرافيا .
لتحقيق الحكومة والرشد لا مفر من استكمال محطات العملية السلمية التوافقية على قاعدة التغيير ، والتغيير الذي يقلب موازين القوى الماثل إلى موازين جديدة تجعل الإنسان المجرد قدس أقداس الرسالة التي تحملها الدولة الضامنة، لا الدولة الكرتونية المخطوفة عن ذاتها وعن معناها.في الدولة الجديدة تنتظم عوامل الحياة العامة على قاعدة التشارك الواسع ، والتباري الحر من أجل المصلحة العامة ، وتحقيق الذات المنتمية العضوية، على قاعدة احترام حقوق الآخرين الناجزة في الحياة الحرة الكريمة. في هذه الدولة لا مجال لمافيات المال والسلاح الخارجين من متاهة الوهم والجنون، ولا معنى للدولة إلا بقدر انتظام الجميع في سوية العقد الاجتماعي الجديد للأمة .