تفاحة التغيير
لم يكن ياسر يرى في الحياة أكثر من سباق محموم نحو المجهول؛ يركض بين المحاضرات، يلهث خلف المواعيد، ويعقد هدنة يومية مع وجبات سريعة تُسكت جوعه، لكنها لا تُغذِّي شيئًا في داخله. كان يعيش وكأن جسده آلة تعمل بلا توقف، لا وقت فيها للتأمل، ولا مساحة للاهتمام.
أما الفاكهة؟ فكانت في نظره رموزًا للملل، تفصيلًا لا يليق بإيقاعه السريع. لكنه لم يكن يعلم أن ما يتجاهله اليوم، قد يكون ما يحتاجه غدًا.
بدأ جسده يهمس، ثم يصرخ. إرهاق لا تمحوه ساعات النوم، ثقل في المعدة، ضبابية في التفكير، وتشويش يُربك خطاه. لم يكن يفهم تمامًا ما يحدث، لكنه شعر أن شيئًا داخله ينكسر بصمت.
وفي ليلة من ليالي الجامعة المزدحمة بالتعب، جلس ياسر في المقهى الجامعي، يراقب سكون الليل الممتزج بضجيج داخلي لا يهدأ. إلى جواره جلس عمار، صديقه المتخصص في التغذية. نظر إليه بعين فاحصة، ثم قال بابتسامة فهم:
”ياسر… متى آخر مرة أكلت فيها شيئًا له روح؟“
أجاب ياسر وهو يحتسي مشروبه الغازي بلا اهتمام: ”أمس أكلت برجر. فيه لحم وخبز… هذا يُعتبر كائن حي، صح؟“
ضحك عمار، وأخرج تفاحة حمراء من حقيبته، فوضعها أمامه بهدوء: ”جربها. فقط مرة واحدة… دون تحليل أو مقاومة.“
تأمل ياسر التفاحة نظرة ازدراء، ثم قال بسخرية: ”يعني تفاحة ممكن تغيّر حياتي؟“
رد عمار بثقة: ”بل يمكنها أن تكون نقطة البداية.“
كان في حديثه شيء من الصدق العميق. رفع ياسر التفاحة ببطء، تأمل لونها اللامع، ثم قضم منها قضمة. لم يكن الطعم كما توقّع… بل كان فيه نضارة غريبة، طازجة، كأنها صحوة صغيرة تسري في داخله.
قال عمار وهو يراقبه: ”هذه التفاحة؟ فيها من الخير ما يكفيك لتعيد ترتيب يومك. ألياف تنظّف جسدك، طاقة تدوم، وهدوء يستقر في معدتك. حتى ذهنك المتعب… سيبدأ بالتوازن. التفاح ليس فقط غذاء، بل هو صديق لصحتك، حارس لقلبك، وبلسم لعقلك.“
صمت ياسر قليلًا، وكأن شيئًا بداخله بدأ يفهم. ثم أكمل عمار حديثه بهدوء:
”حتى قشرة التفاح تحتوي على مضادات أكسدة تحمي دماغك من الإرهاق والتشتت. وجهازك المناعي سيشكرك على كل قضمة.“
لم يرد ياسر، لكنه أخذ قضمة أخرى… ثم ثالثة. لم يكن هذا مجرّد طعام، بل تجربة مختلفة. شعور بالبساطة… لكن بعمق.
في الأيام التالية، لم يصبح ياسر محبًا مهووسًا بالتفاح، لكنه بدأ يضيفه إلى يومه. لا كواجب، بل كخيار. وبعد أسابيع، شعر بأن جسده أخف، معدته أكثر راحة، وتركيزه عاد إليه شيئًا فشيئًا.
وذات يوم، بينما كان يغادر المكتبة، أخرج تفاحة من حقيبته، حدّق بها لحظة، ثم ابتسم وأخذ منها قضمة، مستمتعًا بلحظة هدوء، وكأنها أصبحت رمزًا لحياة جديدة بدأها دون أن يشعر.
نعم… أحيانًا، التغيير لا يحتاج لعاصفة. بل يكفيه قضمة من تفاحة.