بكم يباع كيلو الصبر؟
ليت الصبر يباع في الأسواق ونشتريه أيًّا كان سعره؛ نأخذ منه ملعقة في الصبح، وملعقة في المساء! دنيا وأقدار تضرب فينا كيف تشاء. لكمة من هنا ولكمة أخرى من هناك، لكن الذي يسليك أنك لست الوحيد المبتلى في الدنيا، وقد تكون أفضل حالًا من غيرك!
أنا مؤمن أني لست عصفورًا التقطته عاصفةٌ هوجاء، تفعل به ما تشاء، إنما أنا إنسان عندي ربّ يحبني ويرعاني ويعلم ما لست أعلمه، وأن هذا الرب رحيم ودود يريد بي خيرًا! وأن البلاء لا يختص بأحد من المؤمنين والكافرين.
علم الله سبحانه وتعالى ثقل الصبر على الصابرين فأعد لهم من الأجر ما يستحقون. يكفي أنه سبحانه وتعالى قال: {وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ}! يوم أمس قلت لأحد الأقارب: صحيح أن طعم الصبر أمرّ من الزفت الأسود لكن ما بيدك حيلة! هل تصعد إلى السماء مثلًا؟ ثم المشكلة هي أنك "إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم". جزعك لن يغير في القضاء مثقال ذرة!
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}! الخطر محدق وها نحن نحارب ونجاهد ونحاول أن نصبر فأعطنا يا رب من عندك أفضل درجات الصبر والاستقامة، وصبّ علينا من وعاء الصبر حتى يفرغ الوعاء.
قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: للأشعث يعزيه بأخيه عبد الرحمن: إن جزعتَ فحقَّ عبد الرحمن وفيت، وإن صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم فقال الأشعث: إنا لله وإنا إليه راجعون فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتدري ما تأويلها؟ فقال الأشعث: لأنت غاية العلم ومنتهاه فقال عليه السلام: أما قولك: "إنا لله" فإقرار منك بالملك. وأما قولك "وإنا إليه راجعون" فإقرار منك بالهلك!
غاية ما في الأمر أنك يا إنسان تعيش فوق كوكب الأرض، تحت سلطة الله، وإذا أردت أن تكون أيامك خالية من البلايا ابحث عن كوكب آخر. كل من يعيش فوق هذا الكوكب مبتلى وممتحن؛ مبتلى في نفس أو قريب أو مال، أو ما شاء الله من البلايا!
{واللَّه يُحِبُّ الصَّابِرين} محبة الله في الصبر!
{إنَّمَا يُوفّىَ الصَّابِرينَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب}! "شيك" على بياض يصرف الصابر قيمته من مصرف الله سبحانه وتعالى دون حدّ أعلى!
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}! اختبار إلهي عام وشامل وأنت واحد من الممتحنين!
مختصر الكلام هو أنّ البلايا والمحن أعداء تقوينا وتثبت إيماننا بالله سبحانه وتعالى لكي نكون أعظم درجة! الآلام التي نقاسيها في الحياة، وإن كثرت وعظمت، فإن فيها راحة أعظم في الآخرة، حينذاك يصير طعم الصبر أحلى من العسل!