"كشتة في برية الشرقاط"، تجمع بين المغامرة، الصداقة، والطرافة:
كشتة في برية الشرقاط
في صباحٍ شتويّ بارد، تواعد محمد الجميلي وصديقه الوفي عبدالله الحويش على كشتة في برية الشرقاط، تلك الأرض التي يعرفها محمد شبراً شبراً، بحكم نشأته بين جبالها وسهولها. ركب الاثنان سيارة الدفع الرباعي المجهزة بكل شيء: الشاي، الدلال، الفحم، سجاد الأرض، وحتى الشيشة التي أصر عبدالله أن يأخذها معه "للجو".
انطلقوا وسط الضباب الخفيف، وكانت الرؤية محدودة، لكن قلبهم مليان حماس. توقفوا قرب وادي "الزركة"، هناك حيث تنساب المياه وتغني الطيور. نصبوا خيمتهم الصغيرة، أشعلوا النار، وبدأ محمد يعد الشاي على الفحم، بينما عبدالله بدأ يحكي له قصة قديمة عن ذيب صادفه في ربع الخالدية، وهو يضيف:
"بس الذيب اللي شفته ما كان عادي، كأن بعيونه ذكاء البشر!"
ضحك محمد وقال:
"عبدالله لا تكثر بالكلاوات، الذيب إذا شافك يرجع وراه، إلا إذا كنت شايل معك دجاج!"
وبينما كانوا في عز الجلسة، سمعوا صوت غريب قادم من الجرف القريب. تركوا كل شيء واتجهوا بحذر. وجدوا أثراً غريباً في الأرض، كأن شيئاً يُسحب على الرمل. عبدالله توتر، أما محمد فقال وهو يركز:
"هاي مو طبعة حيوان... هاي آثار جرّ... كأن أحد سحب شي ثقيل."
قرروا تتبع الأثر لمسافة قصيرة، وإذا بهم يصلون إلى كهف صغير لم يروه من قبل، تغطيه أغصان كثيفة. دخل محمد أولاً، حاملاً مصباحه اليدوي. فُوجئوا بوجود صندوق معدني قديم، عليه نقوش غريبة. حاولوا فتحه، لكنه كان مقفلاً بقفل صدئ. قال عبدالله:
"لا تقول كنز... والله العظيم نطلع أغنياء!"
ابتسم محمد وقال:
"أول شي نفتح الصندوق، بعدين نحلم."
استغرق الأمر نصف ساعة من المحاولات حتى تمكنوا من كسر القفل. وحين فتحوه، وجدوا بداخله أوراقاً بالية ودفتر مذكرات جندي عثماني كان مرابطاً في الشرقاط خلال الحرب العالمية الأولى! كانت الأوراق تحكي عن مواقع سرية، ومخازن أسلحة، وحياة صعبة في البادية.
عادا إلى المخيم متحمسين، وأثناء الليل، بدأت الأمطار تهطل، فتجمعا تحت الخيمة يتسامرون، وقرأ محمد من دفتر المذكرات بصوتٍ حزين، فأضاف جوّاً من الغموض والرهبة على الأمسية.
في الصباح التالي، أنهيا كشتتهم، ولكن محمد وعد عبدالله:
"المرة الجاية نجيب معانا معدات أكثر، ونرجع نستكشف المكان. شكلنا لقينا كنز الشرقاط الضائع!"
ضحك عبدالله وقال:
"بس بشرط... لا تقول لأحد. نخليها مغامرتنا السرّية."
وما زالت تلك الكشتة تُروى حتى اليوم بين أصدقاء الاثنين، بعنوان: "الكهف، والكنز، والضباب".