رغم رفض فصائل عراقية رئيسية موالية لإيران نزع أسلحتها، إلا أن الساحة العراقية تشهد منذ أشهر حراكًا حكوميًا لإبعاد العراق عن التصعيد في المنطقة، وسط معلومات متضاربة بشأن مصير هذه الجماعات.
وإذ نجحت المساعي في إقناع الميليشيات بوقف هجماتها على المصالح الأميركية وإسرائيل، استمرت معضلة سلاح هذه الجماعات التي تخضع معظمها لأمرة القائد العام للقوات المسلحة صوريًا، ولكن في الحقيقة تغرد خارج سرب الدولة.
ونقلت وكالة "رويترز" في تقرير، الاثنين الماضي، عن مصادر من بينها 6 قادة محليين لأربعة فصائل مسلحة رئيسية، من ضمنها كتائب حزب الله العراق، أن مجموعة من الفصائل مستعدة ولأول مرة لنزع سلاحها.
وأشار التقرير إلى أن هذه الخطوة تأتي "لتهدئة التوتر في أعقاب تحذيرات متكررة وجهها مسؤولون أميركيون بشكل غير رسمي للحكومة العراقية، منذ تولي ترامب السلطة في يناير الماضي".
لكن هذه الفصائل نفت، مساء الاثنين، المعلومات التي أوردتها "رويترز"، مؤكدة أن قادتها لم يدلوا بأي تصريحات للوكالة، واستبعدت في الوقت ذاته التخلي عن سلاحها.
ولا تخفي الحكومة العراقية سعيها لحصر السلاح بيدها، بما في ذلك سلاح الفصائل المسلحة التي تسببت بإحراج العراق دوليًا عبر هجماتها المتكررة على قواعد عسكرية ومصالح أميركية في إقليم كردستان ومناطق العراق الأخرى وسوريا، واستهدافها للداخل الإسرائيلي.
وأكد مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية، فرهاد علاء الدين، لموقع "الحرة"، أن رئيس الوزراء أكد في أكثر من مناسبة التزام العراق الثابت بحصر السلاح بيد الدولة، وضمان خضوع جميع التشكيلات المسلحة، بما في ذلك هيئة الحشد الشعبي، بشكل كامل للقائد العام للقوات المسلحة.
وقال علاء الدين: "تمضي الحكومة بخطى مدروسة نحو استكمال هيكلة المنظومة الأمنية، من خلال حوارات بنّاءة مع مختلف الأطراف الوطنية، بهدف تعزيز سلطة الدولة، وحماية السلم والاستقرار، ومنع أي محاولات لزجّ العراق في صراعات إقليمية لا تخدم مصالحه".
وفيما إذا كانت محاولات الحكومة العراقية في السيطرة على سلاح الفصائل جاءت استجابة للضغوطات الأميركية، أكد علاء الدين أن "الخطوات الحكومية لحصر السلاح بيد الدولة تنبع من إرادة وطنية خالصة، في إطار مشروع وطني شامل، لا استجابةً لأي ضغوط أو إملاءات خارجية".
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد قال، الاثنين الماضي، إن الولايات المتحدة وإيران ستبدآن محادثات مباشرة بشأن برنامج إيران النووي، في إعلان مفاجئ بعد رفض المسؤولين الإيرانيين في السابق الدعوات الأميركية لعقد مثل هذه المفاوضات.
وقال ترامب للصحفيين، في المكتب البيضاوي أثناء لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "نحن نجري محادثات مباشرة مع إيران، وقد بدأت بالفعل. ستستمر هذه المحادثات يوم السبت. لدينا اجتماع مهم للغاية، وسنرى ما سيحدث. أعتقد أن الجميع متفقون على أن التوصل إلى اتفاق سيكون أفضل".
وكانت الفصائل الموالية لإيران قد شنت هجمات على مصالح أميركية وعلى إسرائيل انطلاقًا من الأراضي العراقية حتى ديسمبر الماضي، قبل إعلانها إيقاف الاعتداءات بشكل مؤقت.
وكانت تسريبات إعلامية، اطلع عليها موقع "الحرة"، قد أشارت إلى بدء الحكومة مفاوضتها مع هذه الفصائل ومع الإطار التنسيقي، "الائتلاف السياسي الجامع للقوى الشيعية" المشكل للحكومة الحالية، لإيقاف هجماتها وإلقاء السلاح.
وأكد المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي، عادل المانع، لموقع "الحرة"، أن "هناك حراكًا جاريًا منذ أشهر عدة بين الحكومة وبين الفصائل، أفضى إلى توقف الفصائل عن استهداف الأميركيين من جهة، والداخل الإسرائيلي من جهة أخرى".
ورأى المانع أن توقف هجمات الفصائل يشير إلى جدية الحراك الجاري لإخراج الفصائل من دائرة المواجهة للقواعد والمصالح الأميركية، سواء في الداخل العراقي أو خارجه، وهو في ذات الوقت يشير إلى استجابة عالية من قبل هذه الفصائل لما تعرضه الحكومة عليها من خلال الحوار المستمر بينهما.
وأضاف المانع: "لا أستبعد أن يتوصل الطرفان إلى إلقاء السلاح"، متسائلًا في الوقت ذاته: هل سيثمَّن سلاح الفصائل أم لا؟ وهل سينخرط مقاتلوها في القوات الأمنية العراقية أم لا؟ ويجيب تباعًا: "لا أتوقع أن تهدي الفصائل سلاحها للحكومة مجانًا، ولا أتوقع أن يشمل هذا الانخراط كل مقاتليها".
ويمتلك الحشد الشعبي والميليشيات العراقية الأخرى الموالية لإيران ترسانة سلاح كبيرة، وتسعى هذه الجماعات إلى توسيع ترسانتها بشكل مستمر.
وأشار مراقبون وخبراء مختصون بالشؤون العسكرية، تحدث معهم موقع "الحرة" في مارس الماضي، إلى أن قائمة تسلح الميليشيات العراقية تشمل صواريخ إيرانية من طراز "أبابيل"، و"البتار"، و"القاهر"، وصواريخ "زلزال 1 و2 و3"، و"فاتح 110"، و"فاتح 313"، و"شهاب 3"، و"سجيل".
كما تضم ترسانتها أسلحة أخرى من إنتاج مرافق الصناعات العسكرية الإيرانية ومصانع الميليشيات العراقية، التي يشرف عليها خبراء إيرانيون في مجال صناعة الأسلحة.
أما الطائرات المسيرة التي تمتلكها هذه الميليشيات، فهي الأخرى متنوعة ومصنوعة في إيران، من طراز طائرات "مهاجر"، و"سحاب"، و"طائرات بدون طيار انتحارية"، و"شاهد 136"، و"أبابيل 3".
ويعتبر الخبير الاستراتيجي، أحمد الشريفي، مسألة نزع سلاح الفصائل مسألة جدلية، لأن الكثير من هذه الفصائل أصدرت بيانات كذبت فيها المعلومات الواردة عن استعدادها لنزع السلاح.
وأضاف الشريفي: "لو أُخذ بنظر الاعتبار أن المعلومات الواردة عن استعداد هذه الفصائل للتخلي عن السلاح صحيحة، حينها ندرك أن الإعلان تزامن مع زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، أي أن الفصائل أدركت أنها تمر بوقت حرج جدًا، لذلك أرادت امتصاص زخم لقاء نتنياهو وترامب من جهة، والالتفاف على الرغبة في مسألة توجيه ضربات إليها من جهة أخرى".
وأشار الشريفي إلى أن مجموع الفصائل المنضوية في ما يسمى بالمقاومة الإسلامية 10 جماعات.
أما من ذكر التقرير استعدادهم لنزع السلاح، فهم 6 جماعات، تمثل الفصائل المشاركة في العمل السياسي، سواء كان التنفيذي أو التشريعي، وفق الشريفي.
وأضاف: "أما الفصائل غير المعروفة التي تشكلت في وقت قريب، فلم تعلن عن نزع السلاح، ولن تكون جزءًا من هذه المعادلة".
وفي حديث خاص لقناة "الحرة" في 16 فبراير الماضي، أكد ديفيد فيليبس، المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تحدد بعد تفاصيل سياستها تجاه التهديدات التي تشكلها الفصائل المسلحة العراقية.
وأوضح فيليبس أن تركيز ترامب في هذه المرحلة سيكون على تعزيز وحدة العراق الوطنية، مشيرًا إلى أن الرئيس الأميركي يفضل أن يكون الحشد الشعبي تحت إشراف الحكومة المركزية في بغداد.
مصدر الخبر :
https://www.alhurra.com/iraq/2025/04...83%D9%84%D8%A9