طير السعد
يا سادة يا كرام، اجتمعوا حولي، لأروي لكم قصةً تُسرُّ بها القلوب وتصفق لها الأكف، قصةً تحكي عن ذاك الطائر المبارك الذي إن حطَّ على دارٍ عمَّها الرخاء، وإن غاب عنها حلَّ بها العناء.
في قديم الزمان، في بلدةٍ تظلّلها النخيل، وتحيط بها الجبال، كان هناك فتى يُدعى مرزوق، لكنه لم يكن مرزوقًا، بل كان نحسًا عليه الزمان، فما أن يبدأ في عمل حتى يخسر، وإن غرس زرعًا جفَّ قبل أن يُثمر. حتى صار الناس يتحاشونه، وقالوا: "مرزوق، لا رزق لك!".
وذات يوم، وبينما كان مرزوق هائمًا على وجهه، إذ به يرى طائرًا غريبًا، ريشه من ذهب، وعيناه كالجمر المتقد، يغرد بلحنٍ لم تسمع الأذن مثله قط. طار الطائر وحطَّ على شجرة قريبة، فناداه مرزوق:
— "يا طير، أهذا اسمك؟ أأنت طير السعد؟"
فأجابه الطير بصوتٍ كأنه ترانيم المساء:
— "أنا طير السعد، من يمسكني نال الحظ، ومن أطلقني حصد الذهب!"
لم يصدق مرزوق أذنيه، فمد يده بحذر، فإذا بالطائر يهبط على كفه وكأنما اختاره هو من دون البشر!
رجع مرزوق إلى قريته، وما إن دخل بيته حتى تبدّل حاله، جفت دموعه، وأينعت أرضه، وأقبل الناس عليه يطلبون وده بعدما كانوا ينفرون منه.
لكن، آهٍ ثم آه! ما طاب الرزق إلا وكان للحسد نصيب! بلغ خبر طير السعد مسامع الوالي الجشع، فأرسل جنوده ليأتوا به. ولمّا وقف مرزوق بين يدي الحاكم، سأله:
— "أهذا طيرك؟"
قال مرزوق:
— "هو ضيفي، لم أملكه يومًا، لكنه اختارني!"
ضحك الوالي ساخرًا وقال:
— "إن كان طيرك، فاطلب منه الذهب!"
نظر مرزوق إلى الطائر، فلم ينبس ببنت شفة، لكنه في قلبه كان يعلم أن السعد ليس في الطير بل في القناعة. فقال:
— "يا مولاي، ليس الذهب ما ينقصني، بل الرزق الطيب. فإن شئت الطير، فهو لك، ولكن اعلم أن من أراد السعد بالسيف خسره!"
حاول الوالي أن يُمسك بالطير، لكنه ما إن كاد يلمسه حتى حلق عاليًا، ودار ثلاث مرات في السماء، ثم غاب في الأفق، ولم يره أحد بعدها.
أما مرزوق، فقد عاد إلى حياته، لكنه هذه المرة لم يكن بحاجة إلى طير السعد، فقد تعلم أن السعد يسكن القلوب قبل البيوت، وأن الرضا أغلى من الذهب، وأن الحظ قد يأتيك على جناح طائر، لكنه لا يبقى إلا لمن يستحقه!
وهكذا، يا سادة، تنتهي الحكاية، فمن أخذ منها عبرة، سعد، ومن أهملها، ظل على حاله كما هو.