حزب الله تعرض لانتكاسات- أسوشيتد برس
على مدى سنوات طويلة، نجح حزب الله في بناء "إمبراطورية مالية" قائمة على أنشطة غير مشروعة، وعلى رأسها إنتاج وتهريب المخدرات، إلا أن سقوط حليفه في سوريا والتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، وضعه أمام تحديات مالية.
ودفعته هذه التحديات للجوء إلى الراعي الإيراني لإنقاذه من أزمته المالية عبر تهريب مبالغ نقدية عبر مطار بيروت الدولي، إلا أن معظم هذه المحاولات كان مصيرها الفشل بسبب تغير قواعد اللعبة في المنطقة.
فبعد منع إقلاع طائرات من إيران أو العراق كانت متوجهة إلى لبنان بسبب ما قيل إنها كان على متنها مبالغ ضخمة مخصصة للحزب المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة، شهد مطار بيروت تطورا غير مسبوق، الأسبوع الماضي.
ويوم الجمعة، نقلت وكالة روتيرز عن، ثلاثة مصادر، قولها إن سلطات مطار بيروت ضبطت مع رجل وصل من تركيا 2.5 مليون دولار نقدا كانت في طريقها لجماعة حزب الله، وأضاف أحد هذه المصادر أنها أول مرة يجري فيها ضبط نقود.
وتأتي هذه الواقعة في وقت تؤكد فيه تقارير أجنبية أن الحزب يواجه ضائقة مالية خانقة، ما يثير تساؤلات حول قدرته على التكيف مع العقوبات الدولية والقيود المتزايدة التي تستهدف مصادر تمويله.
وكان الحزب تمكّن لسنوات طويلة من تجاوز العقوبات الاقتصادية عبر مصادر تمويل غير مشروعة، من أبرزها تجارة المخدرات وشبكات التهريب، التي باتت تشكل جزءاً رئيسياً من موارده المالية.
ولم يكن انخراطه في إنتاج وتهريب الكبتاغون من سوريا خلال العقد الأخير، إلا امتداداً لأنشطة غير مشروعة طويلة الأمد ساعدته في بناء شبكة مالية عابرة للقارات.
لكن اليوم، مع تصاعد الضغوط الدولية والمراقبة الشديدة على منافذ لبنان البرية والجوية وتفكيك معامل الكبتاغون في سوريا، أصبح الحزب أمام تحديات مالية، ما قد يدفعه إلى إعادة ترتيب أولوياته أو البحث عن طرق جديدة لتمويله.
في مواجهة هذه الأزمة، يسعى الحزب إلى تحويل الأنظار نحو الدولة اللبنانية، متهماً إياها بالعجز عن مواجهة بقاء الجيش الإسرائيلي في 5 مواقع جنوب البلاد وإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب التي شنها على إسرائيل.
وفي هذا السياق، قال النائب عن حزب الله، حسن فضل الله، يوم الأحد الماضي، "إلى الآن لم تتمكن الدولة من خلال مؤسساتها من معالجة أي من القضايا المرتبطة" بالحرب.
وكان الحزب تكبد خسائر ميدانية ومعنوية فادحة في الحرب، حين خسر قادة الصف الأول والثاني، وسقطت مناطق وبلدات بقبضة إسرائيل بالإضافة إلى مقتل المئات من عناصره واحتجاز القوات الإسرائيلية لآخرين.
"تجفيف" دولي؟
ويضاف إلى هذه الخسائر، فقدانه طرق الإمداد والعمق الاستراتيجي بعد سقوط نظام الأسد في الجارة سوريا، ما عمّق من أزمة الحزب الذي أصبح يواجه واقعا جديدا يتمثل بقرار منع إعادة تمويله، وهو بند مخفي في وقف إطلاق النار.
وقبل نحو أسبوعين، مُنعت طائرة إيرانية من الهبوط في بيروت من قبل المسؤولين اللبنانيين، وسط اتهامات إسرائيلية بأن إيران كانت تستخدم الرحلات التجارية لتهريب الأموال إلى جماعة حزب الله المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى.
وأفاد تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في يناير الماضي، بأن إسرائيل "قدمت شكوى إلى اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار في لبنان، قالت فيها إن أشخاصاً يحملون الجنسية التركية استُخدموا لنقل الأموال جواً من إسطنبول إلى بيروت".
وتضم اللجنة، التي تقودها الولايات المتحدة، ممثلين عن إسرائيل ولبنان وفرنسا والأمم المتحدة.
وهناك إرادة دولية واضحة لتجفيف مصادر تمويل حزب الله، كما يؤكد مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية، شارل جبور.
وقال جبور، لموقع الحرة، إن "قرار منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي لم يكن قراراً لبنانياً، بل هو قرار دولي، وقد جاء من الولايات المتحدة الأميركية في إطار العقوبات المفروضة على إيران وحزب الله".
وأشار إلى أن ثمة "قرار أميركي ودولي كبير يقضي بإنهاء النفوذ الإيراني وتقويض أذرعه في المنطقة".
وشدد على أن "حزب الله بات مطوّقاً عسكرياً بين إسرائيل من جهة والنظام السوري (الجديد) من جهة أخرى، مما حدّ من قدرته على تهريب السلاح عبر سوريا كما كان في السابق، ما جعله بحكم الساقط عسكرياً".
ولم يعد الحزب قادراً على تأمين التمويل من إيران كما في السابق، كما أكد جبور "إذ فقد القدرة على نقل الأموال جواً بعد تشديد الرقابة ومنع الطائرات الإيرانية من الوصول إلى لبنان..".
كما أن "الطرق البرية لم تعد متاحة. ونتيجة لذلك، لجأ الحزب إلى خطة بديلة، تعتمد على تهريب الأموال عبر أفراد يحملون مبالغ صغيرة نسبياً – مثل مليون أو مليوني دولار – بدلاً من استلام التمويل بالجملة كما كان يحصل سابقاً"، وفق مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في "القوات اللبنانية".
ورأى أن حزب الله "حتى لو نجح جزئياً في تنفيذ هذه الخطة البديلة، فإنه يواجه أزمة مالية عميقة تهدد بنيته العسكرية والأمنية والاجتماعية والسياسية".
وقال إن "الحزب بات في موقع ضعف غير مسبوق، نتيجة الحصار المالي والرقابة الدولية المشددة"، مؤكداً أن البدائل التي قد يلجأ إليها لن تكون كافية لتعويض الخسائر التي يتكبدها.
يذكر أن ميزانية حزب الله كانت تقدّر في السنوات الماضية بحوالي مليار دولار سنوياً، تخصص لدفع الرواتب والمزايا، دون احتساب النفقات العسكرية.
لكن التطورات الأخيرة تشير إلى ضغوط مالية غير مسبوقة قد تؤثر على قدرة الحزب في الوفاء بالتزاماته المالية، سواء تجاه مقاتليه أو قاعدته الشعبية.
إجراءات صارمة
والإجراءات الأخيرة التي استهدفت مصادر تمويل حزب الله، بما في ذلك منع هبوط الطائرات الإيرانية في لبنان، تأتي كما يرى المحامي أمين بشير، "في سياق تنفيذ القرار الدولي 1701..".
ووفق بشير، ينصّ القرار "على تجفيف منابع تمويل الحزب من إيران أو أي مصادر أخرى"، كما يشمل أيضاً مراقبة الشركات التي تدعم الحزب مالياً، متوقعاً فرض عقوبات أميركية جديدة قريباً، "بناء على مشروع قيد البحث في الكونغرس".
وأشار بشير، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن "الأنشطة المالية الداخلية لحزب الله تتعارض مع القوانين اللبنانية، إذ يتورط الحزب في تجارة غير شرعية، مثل تهريب الكبتاغون وتزوير العملة وتبييض الأموال، إضافة إلى تشغيل القرض الحسن كنظام مصرفي غير قانوني".
وكشف أنه تقدم سابقاً بإخبارات قضائية بشأن "القرض الحسن"، لكن "القضاء اللبناني لم يتحرك بسبب نفوذ الحزب وهيمنته على المؤسسات الرسمية".
ويعود تورط حزب الله في تجارة المخدرات إلى أواخر الثمانينيات، حيث استغل مجتمعات الشتات اللبناني في أميركا اللاتينية، مستفيداً من شعاراته الدينية ومواقفه المناهضة للغرب وإسرائيل لاستقطاب الدعم المالي.
في البداية، اعتمد على أموال "الخُمس" و"الزكاة" والتبرعات، لكن سرعان ما تحولت هذه التدفقات المالية إلى مليارات الدولارات، بفضل عمليات التهريب وتجارة المخدرات والأنشطة الإجرامية الأخرى.
وكان وزير الأشغال العامة والنقل في الحكومة اللبنانية، فايز رسامني، علّق في تصريحات لقناة "الحرة"، الاثنين، على الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات لحماية مطار بيروت والمرافئ، في مواجهة عمليات التهريب.
وقال رسامني، في هذا السياق، إن حماية المنشأة الحيوية تأتي "على رأس أولويات الحكومة"، في ظل التحديات الراهنة التي تواجه البلاد.
وأضاف أن الحكومة اتخذت "كل الإجراءات اللازمة لأمن المطار وأمن المسافرين"، واصفا إياها بـ"الصارمة جداً".
وفي رده على سؤال بشأن ما إذا كانت هذه الإجراءات تُتخذ "منعاً لأي تصعيد عسكري إسرائيلي"، أكد الوزير أن "هذه إجراءات ضرورية لكل مطارات العالم.. ومطار بيروت واحد منها".
تهرّب من المسؤولية؟
يتحدث النائب عن حزب الله، حسن فضل الله، عن عجز الدولة "وكأن حزب الله هو الطرف القادر على المواجهة"، كما يقول جبور "في حين أن الواقع يُظهر عجز الحزب نفسه بشكل واضح".
وأضاف "كل اللبنانيين شاهدوا كيف بدا حزب الله عاجزاً تماماً، رغم كل الشعارات التي أطلقها عن توازن الرعب والردع، وتهديده باحتلال الجليل، وزعمه أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت. لكن الحقيقة التي تكشفت هي أن حزب الله لا شيء."
ويشدد جبور على أن "حزب الله هو من حوّل الدولة إلى كيان عاجز، فهو الذي صادر قرار الحرب، وتمسك بسلاحه غير الشرعي، ومنع الدولة من القيام بدورها. الدولة اللبنانية بدأت تتحرر، وعندما تتحرر بالكامل من قبضة حزب الله ستصبح قوية وقادرة، لكن طالما أنه لا يزال يمسك بمفاصلها بشكل أو بآخر، فهي ستظل في حالة عجز."
وتساءل جبور عما أنجزه الحزب منذ عام 2005 حتى اليوم، قائلاً "20 عاماً مرت، فليُرِنا حزب الله أين هي قدرته؟ غير أنه جرّ لبنان إلى حربين مدمرتين خرج منهما مهزوماً".
ويشير إلى أن حرب يوليو 2006 انتهت بصدور القرار 1701، "الذي لو طُبّق بالكامل لكان نزع سلاح الحزب أمراً محسوماً".
كما اعتبر أن حزب الله اضطر إلى استجداء وقف إطلاق النار في حربه الأخيرة مع إسرائيل، وأن تنفيذ الاتفاق سيؤدي في النهاية إلى تفكيك بنيته العسكرية بالكامل.
وفي سياق متصل، أعرب بشير عن استغرابه من الحملات الإعلامية التي يشنها حزب الله، قائلًا "هناك أوركسترا منظمة تعمل على تحميل الدولة اللبنانية وحدها مسؤولية ما جرى..".
فـ"منذ أن بدأ الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، يردد أن إعادة الإعمار هي مسؤولية الدولة اللبنانية فقط، بات واضحاً أن هناك محاولة ممنهجة للتنصل من المسؤولية"، وفق ما أضاف بشير.
وأردف قائلا إن "الحزب، رغم كونه الجهة التي فجّرت الحرب الأخيرة، يسعى اليوم لتحميل الدولة مسؤولية إعادة الإعمار وإخراج الإسرائيلي من لبنان، متجاهلًا أنه المتسبب الرئيسي في الدمار".
ورأى أن الحزب يحاول الالتفاف على الدولة والشعب اللبناني، خاصة بعدما لاحظ وجود عهد جديد وشرعية سياسية يلتف حولها اللبنانيون، "ما يدفعه إلى تحميلها مسؤولية إخفاقاته والاستفادة من أي إنجازات".
محاولة تحميل الدولة والشعب اللبناني تبعات أخطاء الحزب لا يجب أن تمر مرور الكرام، كما شدد بشير.
وأكد أن "حزب الله أشعل الحرب منفرداً، دون أي قرار ديمقراطي أو دستوري، ودون الرجوع إلى اللبنانيين أو الحصول على تفويض من المجلس النيابي أو الحكومة".
يذكر أن البنك الدولي يقدّر تكلفة إعادة الإعمار في لبنان بنحو 8.5 مليارات دولار، فيما كشف صحيفة "وول ستريت جورنال" في 23 فبراير الماضي، أن لجاناً تابعة لحزب الله قيّمت مئات الآلاف من المنازل المتضررة، وأصدرت تعويضات بقيمة 630 مليون دولار عن الخسائر، وفقاً لمسؤول في مؤسسة "القرض الحسن".
وكان خليفة حسن نصر الله وسلفه هاشم صفي الدين الذين قتلا بضربتين إسرائيليتين، نعيم قاسم، قد وعد في ديسمبر الماضي بتقديم 12 إلى 14 ألف دولار سنوياً كبدل إيجار لكل متضرر من الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
إلا أن الصحيفة ذاتها أفادت بأن "القرض الحسن" (المؤسسة المالية الأساسية للحزب) جمدت مؤخراً صرف شيكات التعويضات التي سبق إصدارها، ما يعكس أزمة مالية متصاعدة.
كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن المؤسسة أوقفت دفع التعويضات لمدة خمسة أيام في أوائل فبراير، مبررة ذلك بـ"صعوبات فنية".
نهاية حتمية؟
و"تحاول قيادة حزب الله التقليل من شأن الإجراءات التي تتخذها السلطة اللبنانية على منافذ لبنان أمام بيئتها الداخلية"، كما ذكر بشير.
وقال: "وذلك للإيحاء بأن الحزب لا يزال قوياً، لكن الواقع مختلف، إذ إن هذه التدابير تأتي ضمن التزامات وقّع عليها الحزب نفسه في اتفاق وقف إطلاق النار".
وأضاف أن "رئيس مجلس النواب نبيه بري حاول التنصل بالقول إنه لم يتم التوقيع على الاتفاق، رغم أنه تم برعاية دولية وبوساطات دبلوماسية، ما يجعل تنفيذه أمراً حتمياً".
وتظهر الوثائق التي بدأت تتكشف، ومنها كما قال بشير "ورقة الضمانات الأميركية لإسرائيل لوقف إطلاق النار، أن حزب الله بات في موقف دفاعي، إذ تستهدف الضغوط الدولية قدراته المالية والعسكرية على حد سواء".
ويعتبر أن حادثة ضبط الأموال في مطار بيروت ليست سوى جزء من سلسلة إجراءات مماثلة ستتصاعد في الفترة المقبلة.
ولفت بشير إلى أن "الدولة اللبنانية لا تعلن موقفاً واضحاً حيال هذه التطورات، ربما لإدراكها لحساسية الوضع الذي يمر به حزب الله"، لكنه يؤكد أن الضغوط المالية والقانونية ستستمر، مما سيزيد من التحديات التي تواجه الحزب على المدى القريب.
ورأى أن دور حزب الله مرتبط بحجم الدور الذي تمنحه له إيران في المنطقة، "ومع تراجع نفوذ طهران اليوم، سيشهد الحزب تحولات كبيرة، ليس فقط في لبنان، بل في المنطقة بأكملها".
وكشف أن "الأدوار التي كان يحصل عليها الحزب من إيران أصبحت موضع تساؤل، لا سيما مع الضغوط المتزايدة على طهران وسعيها إلى إنقاذ نفسها".
وأضاف أن استقالة محمد جواد ظريف، مستشار الرئيس الإيراني والمسؤول عن ملف المفاوضات مع الأميركيين، "تعكس دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التصعيد".
ورأى أن المواجهة بين إيران وإسرائيل "باتت حتمية، مما يعني أن حزب الله سيواجه أياماً أصعب من أي وقت مضى".
وختم قائلا: "في ظل هذه التطورات، لن يبقى من الحزب سوى اسمه كتنظيم لبناني، بينما ستتآكل قدراته تدريجياً، إذ سيكون من أولويات إسرائيل إنهاء أي دور له قد يشكل تهديداً لهم".
وحول إمكانية أن يجري حزب الله مراجعة داخلية تقوده إلى إلقاء السلاح، يرد جبور قائلاً "لا يبدو ذلك، فهو لا يزال يعيش في عالمه الخاص، متمسكاً بلغة قديمة ونهج لم يعد ينسجم مع المتغيرات."
وأشار جبور إلى أن الحزب يواجه اليوم أزمتين رئيسيتين، عسكرية ومالية، ويقول "بين غياب القيادة الأساسية، وشحّ التمويل، وانعدام القدرة على تمرير الأسلحة، سيجد الحزب نفسه في أزمة داخلية لا مفر منها، مهما طال الوقت."
واعتبر أن حتى في حال نجاح الحزب في إدخال بعض التمويل، "فذلك سيكون بهدف الحفاظ على نفوذه في الانتخابات وليس لتعزيز قدراته العسكرية".
وأكد أن الدور العسكري للحزب انتهى فعلياً مع سقوط النظام السوري القديم وصعود نظام جديد في دمشق، مما أفقده أحد أبرز خطوط إمداده الاستراتيجية.
مصدر الخبر :
https://www.alhurra.com/lebanon/2025...84%D9%8A%D8%A7