بسم الله الرحمن الرحيم
((إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ))



صدق الله العظيم
سورة آل عمران آية رقم 19


التفسير من كتاب المتشابه من القران لمحمد علي حسن الحلي ،(الطبعة اﻷولى – بيروت – لبنان – 1965)

(إِنَّ الدِّينَ) أي الطاعة (عِندَ اللّهِ) هو (الإِسْلاَمُ) أي الاستسلام لأوامر الله والانقياد لرسوله (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ) معناه وما اختلف اليهود والنصارى فيما بينهم (إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ) في الكتب السماوية ، فالتوراة أخبرت بمجيء عيسى ، والإنجيل جاء مصدّقاً للتوراة فينبغي أن لا يكون بينهما اختلاف ولكن اختلفوا (بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) أي حسداً وعداوة فيما بينهم (وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ) أي بكتبه وأنبيائه ، وذلك أنّ اليهود كفروا بعيسى والإنجيل ، وكفرت اليهود والنصارى بمحمّد والقرآن (فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ) أي سريع العقاب ، فيعاقبهم على اختلافهم وعلى كفرهم .

المصدر

تفسير الطبري
القول في تأويل قوله ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل - وهو " الكتاب " الذي ذكره الله في هذه الآية - في أمرعيسى ، وافترائهم على الله فيما قالوه فيه من الأقوال التي كثر بها اختلافهم بينهم ، وتشتتت بها كلمتهم ، وباين بها بعضهم بعضا; حتى استحل بها بعضهم دماء بعض "إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " يعني : إلا من بعد ما علموا الحق فيما اختلفوا فيه من أمره ، وأيقنوا أنهم فيما يقولون فيه من عظيم الفرية مبطلون . فأخبر الله عباده أنهم أتوا ما أتوا من الباطل ، وقالوا من القول الذي هو كفر بالله ، على علم منهم بخطأ [ ص: 277 ] ما قالوه ، وأنهم لم يقولوا ذلك جهلا منهم بخطئه ، ولكنهم قالوه واختلفوا فيه الاختلاف الذي هم عليه ، تعديا من بعضهم على بعض ، وطلب الرياسات والملك والسلطان ، كما : -

6767 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " قال : قال أبو العالية ، إلا من بعد ما جاءهم الكتاب والعلم " بغيا بينهم " يقول : بغيا على الدنيا ، وطلب ملكها وسلطانها ، فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس .

6768 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع عن ابن عمر : أنه كان يكثر تلاوة هذه الآية : "إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " يقول : بغيا على الدنيا ، وطلب ملكها وسلطانها . من قبلها والله أتينا ! ما كان علينا من يكون علينا ، بعد أن يأخذ فينا كتاب الله وسنة نبيه ، ولكنا أتينا من قبلها .

6769 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قال : إن موسى لما حضره الموت دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل ، فاستودعهم التوراة ، وجعلهم أمناء عليه ، كل حبر جزءا منه ، واستخلف موسى يوشع بن نون . فلما مضى القرن الأول ومضى الثاني ومضى الثالث ، وقعت الفرقة بينهم - وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين - حتى [ ص: 278 ] أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف . وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلم ، بغيا بينهم على الدنيا ، طلبا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها ، فسلط الله عليهم جبابرتهم ، فقال الله : " إن الدين عند الله الإسلام " إلى قوله : " والله بصير بالعباد " .

فقول الربيع بن أنس هذا يدل على أنه كان عنده أنه معني بقوله : " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب " اليهود من بني إسرائيل ، دون النصارى منهم ، وغيرهم .

وكان غيره يوجه ذلك إلى أن المعني به النصارى الذين أوتوا الإنجيل .

ذكر من قال ذلك :

6770 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم " الذي جاءك ، أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك " بغيا بينهم " يعني بذلك النصارى .

المصدر



الميزان في تفسير القرآن العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي

الآيات متعرضة لحال أهل الكتاب و هم آخر الفرق الثلاث التي تقدم أنها عرضة للكلام في هذه السورة، و أهمهم بحسب قصد الكلام أهل الكتاب من اليهود و النصارى، ففيهم و في أمرهم نزل معظم السورة و إليهم يعود.
قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام، قد مر معنى الإسلام بحسب اللغة و كان هذا المعنى هو المراد هاهنا بقرينة ما يذكره من اختلاف أهل الكتاب بعد العلم بغيا بينهم فيكون المعنى: أن الدين عند الله سبحانه واحد لا اختلاف فيه لم يأمر عباده إلا به، و لم يبين لهم فيما أنزله من الكتاب على أنبيائه إلا إياه، و لم ينصب الآيات الدالة إلا له و هو الإسلام الذي هو التسليم للحق الذي هو حق الاعتقاد و حق العمل، و بعبارة أخرى هو التسليم للبيان الصادر عن مقام الربوبية في المعارف و الأحكام، و هو و إن اختلف كما و كيفا في شرائع أنبيائه و رسله على ما يحكيه الله سبحانه في كتابه غير أنه ليس في الحقيقة إلا أمرا واحدا و إنما اختلاف الشرائع بالكمال و النقص دون التضاد و التنافي، و التفاضل بينها بالدرجات، و يجمع الجميع أنها تسليم و إطاعة لله سبحانه فيما يريده من عباده على لسان رسله.
فهذا هو الدين الذي أراده الله من عباده و بينه لهم، و لازمه أن يأخذ الإنسان بما تبين له من معارفه حق التبين، و يقف عند الشبهات وقوف التسليم من غير تصرف فيها من عند نفسه و أما اختلاف أهل الكتاب من اليهود و النصارى في الدين مع نزول الكتاب الإلهي عليهم، و بيانه تعالى لما هو عنده دين و هو الإسلام له فلم يكن عن جهل منهم بحقيقة الأمر و كون الدين واحدا بل كانوا عالمين بذلك، و إنما حملهم على ذلك بغيهم و ظلمهم من غير عذر و ذلك كفر منهم بآيات الله المبينة لهم حق الأمر و حقيقته لا بالله فإنهم يعترفون به، و من يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب، يحاسبه سريعا في دنياه و آخرته: أما في الدنيا فبالخزي و سلب سعادة الحيوة عنه، و أما في الآخرة فبأليم عذاب النار.
و الدليل على عموم سرعة الحساب للدنيا و الآخرة قوله تعالى بعد آيتين: أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و ما لهم من ناصرين.
و مما تقدم يظهر أولا: أن المراد بكون الدين عند الله و حضوره لديه سبحانه هو الحضور التشريعي بمعنى كونه شرعا واحدا لا يختلف إلا بالدرجات و بحسب استعدادات الأمم المختلفة دون كونه واحدا بحسب التكوين بمعنى كونه واحدا مودعا في الفطرة الإنسانية على وتيرة واحدة.
و ثانيا: أن المراد بالآيات هو آيات الوحي، و البيانات الإلهية التي ألقاها إلى أنبيائه دون الآيات التكوينية الدالة على الوحدانية و ما يزاملها من المعارف الإلهية.
و الآية تشتمل على تهديد أهل الكتاب بما يستدل عليه بالبغي و هو الانتقام، كما يشتمل قوله تعالى في الآيات السابقة: قل للذين كفروا ستغلبون و تحشرون إلى جهنم الآية على تهديد المشركين و الكفار، و لعل هذا هو السبب في أنه جمع أهل الكتاب و المشركين معا في الآية التالية في الخطاب بقوله: قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين أ أسلمتم «الخ»، و فيه إشعار بالتهديد أيضا.

المصدر