(نموذجين من الكرم والتكافل قبل الاسلام ومابعده)
حكاية كرم حاتم الطائي ونور الضيافة
في ليلةٍ ظلماء من ليالي الصحراء، كان المسافرون يسيرون بين الكثبان، يتلمسون طريقهم في وحشة الليل. فجأةً، أبصروا نورًا يتقد في الأفق، كأنه نجمٌ هبط إلى الأرض، فاستبشروا خيرًا، وقادهم النور إلى بيتٍ عامرٍ بالكرم، إنه بيت حاتم الطائي.
كان حاتم لا يشعل ناره لدفء أهل بيته فقط، بل كان يوقدها عاليةً في الليل، حتى يهتدي إليها كل عابر سبيل، فكما كان يقول لزوجته:
"إذا ما عددتِ الأكل فالتمسي له أكيلا، فإني لست آكله وحدي."
وذات ليلةٍ، أتاه ضيوفٌ لم يكن في بيته ما يسد جوعهم، فاحتار حاتم، لكنه لم يرضَ أن يبيت ضيفه جائعًا. فما كان منه إلا أن نحر حصانه الوحيد، الذي كان كنزه في رحلاته، وطبخه لضيوفه، يقدم لهم اللحم بوجه بشوش، ولسان يفيض ترحيبًا. ومن يومها، صار يُضرب به المثل في الكرم، حتى قيل: "أكرم من حاتم الطائي."
نموذج من الكرم بعد ظهور الإسلام
ومضت الأيام، وجاء الإسلام برسالة محمدٍ صلى الله عليه وآله، فكان هو وأهل بيته عنوانًا للكرم، حتى قال:
"أحببتُ حاتم الطائي لكرمه، وأحببت عنترة لشجاعته."
وفي يومٍ من الأيام، كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء، وولداهم الحسن والحسين عليهم السلام، قد صاموا ثلاثة أيام. وفي كل ليلةٍ، وبينما هم يوشكون على الإفطار، جاءهم مسكينٌ في الليلة الأولى، ويتيمٌ في الثانية، وأسيرٌ في الثالثة، فآثروهم بطعامهم، وبقوا جياعًا، فأنزل الله فيهم قوله:
"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا."
وهكذا، كان الكرم خلقًا عظيمًا في الجاهلية، فجاء الإسلام ليزكيه، ويجعله نورًا يضيء قلوب المؤمنين. فحريٌّ بنا أن نكرم الضيف، ونساعد المحتاج، ونرعى اليتيم، لنكون على نهج الصالحين، ونحظى ببركة العطاء.