تزوجت رجلين في وقت واحد
الحكاية عهدتها على راويها، وكتابتها هنا تمت بتصرف - غير مخل بمضمونها - مني، والغرض من هذا التصرف هو ألا يتضرر أحد من كتابتها ونشرها، فعلى الله أتكل وبه أستعين.
سمعت من أحد المأذونين أنه أجرى عقد الزواج لفتاة في مقتبل العمر، ومرت سنتان على عقد الزواج، حتى اتصل والد الفتاة طالبًا من المأذون موعدًا ليشاوره في أمر يريد أن يسترشد برأيه فيه.
لم يتأخر الموعد كثيرًا فالعلاقة بين المأذون ووالد الفتاة وطيدة، عمرها الزمني مديد، وأطوارها المتعددة حافلة بالود والمحبة، وسبق أن كان المأذون عونًا وسندًا لوالد الفتاة في أغلب قضاياه ومشاوراته العائلية والاجتماعية، لذلك كانا يستمتعان بلقاء بعضهما.
والد الفتاة: لا أدري كيف أبدأ؟ ومن أين؟ رأت زوجتي في جوال ابنتي رسائل قديمة، لكنها غير مريحة، فاتحتها وصارحتها بما رأت، فلم تصل معها إلى نتيجة.
أمسكت بها وطلبت منها أن تكون صريحة معي، وأخبرتها أني أمانها ومستودع أسرارها، لن أسبب لها مشكلة ولن أغضب عليها، وبين إقدام وإحجام بكت البنت، وقالت لي: ”هي قضية مضت، وعفى عليها الزمن، لم تتجاوز الجوال الذي في يدي، ولم تدم سوى ثلاثة أشهر حين قررت تركها والإعراض عنها، يومها كنت في الخامسة عشر من عمري، فلا تفتحوا جروحي، ولا تعيدوا عليّ ماض هجرته وقطعت الصلة به“.
احتضنتها وهي تبكي، لا بأس عليك يا ابنتي، أخبريني ما القصة، وسأكون عونك وعضدك، تكلمي ولا تحملي همًا.
سامحني يا أبتِ، لقد تعرفت على شخص في وسائل التواصل الاجتماعي، كان ودودًا ولطيفًا معي، بعد فترة تحول التواصل بيننا من رسائل عابرة إلى رسائل متواصلة ومريحة، وكان أغلبها يحمل مشاعر تأخذ خيالي بعيدًا، فيستريح لها قلبي.
فجأة توقف الشاب عن الإرسال، فسألته عن سبب توقفه، فأخبرني أن عنده الكثير الذي يريد قوله لي، فكتبت له قل ما تريد، فرد عليّ زوجيني نفسك، حتى أتمكن من البوح بمشاعري، لم أكن أعرف كيف أزوجه نفسي، فاتصل بي وقال لي بعد أن طلب مني ألا أخبر أحدًا حتى والدي، قولي زوجتك نفسي على صداق قدره خمسمائة ريال، فقلت له ذلك، ثم قال لي قبلت ذلك.
بعد أقل من عشرين يومًا تركته، وصرت أقرأ رسائله ولا أرد عليها، لأنني التفت إلى أني أفعل أمرًا يتعبني ولا يشبهني أبدًا، لم أخرج معه، ولم أره سوى في الصور التي كان يرسلها لي، ثم أجهشت البنت بالبكاء، والله لم يلمسني، والله لم يمس جسمي، والله لم أقابله وجهًا لوجه.
التفت والد الفتاة إلى الشيخ المأذون، هل نترك الأمر أم تنصحنا وتوجهنا إلى أمر ما؟
انشغل فكر الشيخ بأمر آخر وهو يرى أن والد الفتاة قد أوشك على نهاية كلامه، سأله ابنتك تقلد من؟ فأجابه، أطرق الشيخ المأذون رأسه إلى الأرض، هل طلقها؟ أجابه والد الفتاة سأتصل لأسألها، حسنا أخبرها أن الشيخ يريد محادثتك.
الشيخ: ماذا قلت له لتزوجيه نفسك؟ فأعادت عليه العبارة التي ذكرتها لوالدها، الشيخ: تذكري جيدًا هل حددتما وقتًا كشهر أو سنة مثلا؟ أجابته لا، هل طلقك؟ ردت على الشيخ أنه لم يكتب لي أنه طلقني، لكنني حضرت رسائله في نفس الليلة التي عقدت لي فيها على زوجي الحالي.
أخذ الشيخ يحوقل تارة ”لا حول ولا قوة إلا بالله“ وأخرى يسترجع ”إنا لله وإنا إليه راجعون“، شيخنا أخفتني، ما الأمر؟
ابنتك زوجت نفسها ولم تُطلق، وحين زوجناها لزوجها الحالي كانت على ذمة الرجل الذي زوجته نفسها، أي أنها كانت متزوجة.
مستوحيات القصة:
1/ بناتنا وأولادنا أمانة في أعناقنا، وسنسأل يوم القيامة عنهم، ومسؤوليتنا وقايتهم من النار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} .
2/ الطمأنينة والأمن والأمان التي يصنعها الوالدان هي التي تدفع الأولاد إلى مشاورتهم والحديث معهم في كل حدث أو طارئ يعرض لهم.
3/ سؤال المراهق أو المراهقة عمّا يتابع عبر وسائل التواصل، وتوعيته لأخطارها وموارد الزلل والسقوط فيها أمر بالغ الأهمية.
4/ الحديث مع أولادنا وبناتنا عن قصص وقع فيها الآخرون دون ذكر أسمائهم، مهم جدا، لأنها تفعّل جرس الإنذار وتبعث الحذر عندهم.
5/ كلمة واحدة قد تقولها الفتاة فتقلب حياتها رأسًا على عقب، استشيري والديك وفاتحيهما في أمورك، وأنت الرابحة دائمًا.
فائدة:
1/ يرى مشهور الفقهاء أن العقد على البكر دون موافقة ولي أمرها حرام وغير جائز، وأن العقد يقع باطلًا، بينما يرى فقهاء آخرون أن العقد صحيح، مع أن العاقدَين قد ارتكبا حرامًا واكتسبا إثمًا.
2/ إذا كانت الفتاة تقلد من يرى صحة زواجها دون علم أبيها - مع الحرمة والإثم - كما حصل مع هذه الفتاة، فإن زواجها الثاني يقع باطلا، وعليها أن تنفصل عن زوجها الثاني، لأن العقد الذي أوقعه المأذون كان باطلا.