#ترند_المعلم
منذ بضعة أيام برزت ظاهرة غريبة من نوعها، وانتشرت لها مقاطع فيديو قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيها طُلّاب ينادون معلِّميهم بأسمائهم دون تسْبيقِها بلفظة (أستاذ أو سِت)، وقد سمّوها ب(ترِند المعلم).
استمعتُ لبعض هذه المقاطع لَكنّي فضَّلت تأجيل التعليق عليها حتى تهدأ الزَوبعة التي أثارتها.
لن أتكلَّم عن الجهة التي أَطلقت هذا الترِند السيئ لأنَّ الأهم البحث في الأسباب أو العوامل التي تؤدي إلى صعود مثل هكذا شيء بعيد عن جادة الصواب.
وإذا بحثنا قليلاً في محيطنا الاجتماعي والقانوني سنجد أنَّ هذا الترند لم يأتِ مِن فراغ، بَل هو نتيجة الظروف المحيطة بنا، وهذه تتمثل بالآتي:
1. غياب ثقافة احترام المعلم عند نسبة كبيرة من الطلبة، وهذا يرجع إلى عدم اهتمام عدد كبير من الأُسَر بدراسة أولادها ولا حرصها على تعليمهم بشكل جيد، وينعكس ذلك على تصرفات الطالب في المدرسة ثُمَّ في الجامعة، فمنذ كنا أطفالاً كان آباؤنا وأمهاتنا دائماً يحثوننا على احترام المعلم وطاعته، وحتى عندما كان هؤلاء يقسون علينا في العقوبات ونشتكي إلى أُسَرِنا لم تكن تصدر ردود أفعال تحريضية من الأُسَر ضد المعلمين، بَل على العكس كانوا يُلْقُون اللوم على أولادهم أولاً قَبْل الذهاب إلى المدرسة والتكلم مع المعلم أو المعلمة عن شكوى ابنهم أو ابنتهم.
2. انعدام الرقابة الأُسْرية على الأولاد: لم يعُد معظم الآباء والأمهات يراقبون أولادهم وينتبهون على تصرفاتهم، لا يسألونهم عمن يُلازمون في واقعهم ومن يصاحبون في عالمهم الافتراضي (أي الأنترنت)، والأخير قنبلة موقوتة بَل بُركان خامد تحت طبقاتهم العائلية ؛ فمن خلاله يكتسب الأطفال عشرات أو مئات أساليب الغش والكذب والخداع والانحراف الأخلاقي والفكري و...، وأي غفلة من الأسرة عن أولادها ستُكلِّفها الكثير؛ ذلك لأنَّ الطفل إذا تعلَّم شيء من الأنترنت لن يقبل بالتخلي عنه حتى لو شرح لهُ والداه وأوضحَا لهُ أنَّ ما تعلَّمه غير صحيح.
3. تساهل وزارة التربية والتعليم المفرط مع الطالب ووقوفها بالضد من المعلم، فأنت تُلاحِظ أيها العزيز الانفلات الكبير في المدارس بشكل عام، إلغاء العقوبات وإعطاء درجات النجاح واحتساب مراحل العبور ودرجات الجبر وغيرها أدت إلى تسيُّب كثير جداً من الطلبة وجموح تصرفاتهم بَل وإفلات زمام الأُمور من يد المدرسة -إدارةً ومعلمين-، والذي زادَ الطين بلةً وجعلهُ كالطرطبيس عدم قيام وزارة التربية باتخاذ أي إجراء عقابي أو تدبير احترازي رادع بحق الطالب الذي يتجاوز أو يعتدي على معلم، بالمقابل قسوتها المفرطة في العقوبات على الكادر التعليمي لمجرد ارتكاب خَطَأ بسيط وأحياناً بلا سبب مقنع.
4. عدم وجود قوانين جنائية تحوي معالجات حقيقية للمشكلة وتعود بمردود إيجابي على المجتمع المَدرَسي، ومع وجود بعض النصوص ضعيفة التأثير نلاحظ عدم جدية الجهات الأمنية والقضائية في ملاحقة الطلبة الذين يرتكبون أفعال ترقى إلى مَرْتبة الجريمة أحياناً، فلا عقوبات بحق الطالب الذي يعتدي على معلم ولا تدبير احترازي ضدَّه.
5. تدخل ما يسمى ب(منظمات حقوق الإنسان) بشكل مقلوب، فنراها دائماً تطالب بتشديد الإجراءات على المعلمين وإدارات المدارس ، بينما تسعى لإلغاء كل عقوبة -جنائية أو إدارية- وتقف في وجه أي تدبير احترازي تنوي الجهة المعنية فرضه لضمان سَيْر العملية التعليمية والتربوية بأمان، وحجة تلك المنظمات إنَّ العقوبات تنتهك حقوق الإنسان وحرية الرأي، وبئس ما تحتجُّ به.
6. انعدام الرقابة المعلوماتية على مواقع شبكة الأنترنت -لا سيمَا التواصل الاجتماعي منها-، فلا رقيب ولا حسيب على ما يُنشَر في العراق أو ما يصل إلى مجاله السيبراني، ولن ينفع حجب تلك المواقع لأنَّ برامج فك الحظر تعيدها للعمل بالتالي لا بُدَّ من وسيلة أخرى ، ونحن نفضل استعمال الإعلام الحكومي بشكل مضاد عن طريق نشر الوعي بين الأُسَر عموماً والأطفال والمراهقين خصوصاً.
7. سوء تصرفات بعض المنتمين للكادر التعليمي نفسهم، للأسف بعض المحسوبين على الكادر التعليمي -لا سيمَا في معاهد التدريس الخصوصي- لعب دوراً كبيراً في تراجع احترام الطالب للمعلم، فالكلام السيئ وإعطاء الطالب حرية فوق المعقول بحيث يتجاوز بها على المعلم أنتجت تراجع نسبة احترام الطلبة لمعلميهم وانخفاض تقديرهم في نظر الطلبة.
8. أخيراً -وإنْ كان البعض يرى أنَّها السبب الأول- تدخل جهات تابعة لسفارات دول تعادي العراق وتعمل بأي شكل من الأشكال على تخريبه وتدمير مجتمعه، ولا نستبعد وقوف مثل هكذا جهات خلف بث مَقاطع أو إشاعة تصرفات تؤدي إلى التقليل من احترام التعليم والمعلم في أعيُن الطلبة، لأنَّ ذلك يؤدي إلى تحويل التعليم إلى شيء شكلي مما يجعل البلد بيئة حاضنة للتخلف والفوضى الخلّاقة.
د. حسن سعيد رضا، تاريخ التحرير: 3 آذار 2025