حكاية بدر الكبرى وشجاعة الأبطال
اجتمع القوم في دار الحكواتي، يتزاحمون حول المصابيح المضيئة، عيونهم متعلقة بالشايب الحكيم، الذي ارتدى نضارته وأمسك بكتابه .. وجلس على كرسيه، ثم تنحنح وقال:
"يا سادة يا كرام... يا أصحاب المروءة والإقدام... اسمعوا مني ما جرى في يوم الفرقان، حيث انتصر الإيمان، وانكسرت شوكة الطغيان!"
في السنة الثانية من الهجرة، تحرك جيش المسلمين بقيادة سيد الأنام، نبي الرحمة، محمد المصطفى ﷺ، إلى بدر، حيث جاء المشركون بحدهم وحديدهم، مستكبرين في الأرض، يريدون إخماد نور الله، ولكن هيهات...
وقف النبي ﷺ، ثابت القلب، صلب العزيمة، يتأمل الصفوف، ويرفع يديه إلى السماء قائلاً: "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض!" فكان دعاؤه كالرعد، يمزق سكون الليل، والملائكة تسمع وتستعد للنزول!
أما أسد الله وأسد رسوله، الحمزة بن عبد المطلب، فوقف هناك، شاهراً سيفه، عاقداً العزم، وكأنه جبلٌ راسخ! خرج أمام القوم، وصرخ بأعلى صوته:
"أنا ابن من حمل السقاية، أنا ابن هاشم، فليأتني من يبارز!"
فخرج له شيبة بن ربيعة، وكان من صناديد قريش، فتنازلا كما يتنازل البحر مع الريح، ضربةٌ بضربة، حتى هوى شيبة صريعًا بسيف الحمزة، فتعالت تكبيرات المسلمين!
وهنا، يا كرام، برز شابٌ لم يعرف الخوف، كان كالسيف في يد القدر، يقاتل من أجل الحق لا من أجل غنائم الدنيا... إنه علي بن أبي طالب عليه السلام، ابن عم النبي، سيف الله ..صاحب سيف ذو الفقار .
وقف عليٌّ في مواجهة الوليد بن عتبة، فكان كالنسر الجارح ينقض على فريسته، ودار القتال، وتطاير الشرر من السيوف، حتى سقط الوليد صريعًا بضربة واحدة، ضربةٍ لم ينج منها أحد!
ثم صاح النبي ﷺ: "من يأتيني بخبر أبي جهل؟" فانطلق عليٌّ في الميدان، لا يهاب الموت، يضرب هذا ويفتك بذاك، حتى وجد أبا جهل، فرماه بضربةٍ كسرت غروره وجبروته، وسقط رأس الكفر على الأرض، لتعلو راية الإسلام.
وكانت الملائكة تحفُّ بالمؤمنين وتقاتل معهم ، والريح تهبّ بنصر السماء، فانقلبت قريش على أعقابها، ووقف النبي ﷺ بين الشهداء، يمسح التراب عن وجه أصحابه، ثم نظر إلى السماء وقال: "هذا يومٌ نصر الله فيه عباده، وأعلى به دينه!"
فهكذا، يا سادة، سطّر المسلمون ملحمة بدر، ووقف عليٌّ عليه السلام والحمزة ع والنبي ﷺ كأركان النصر، وكتب التاريخ أسماءهم بماء الذهب!
"ومن يومها، بقيت بدرٌ نداءً للمظلوم، ورايةً للحق، تلوّح في سماء الإسلام!"
![]()