في ليلة مضيئة بنور الإيمان، حيث يعلو هلال رقيق فوق المسجد النبوي الشريف، تحلق الصحابة حول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ينصتون لكلماته التي تنساب كنبع الحكمة.
في ذلك اليوم الحزين، جاء خبر استشهاد جعفر بن أبي طالب ع ابن عم النبي وأحد أحبائه، في غزوة مؤتة. كان فارسًا شجاعًا، مقاتلًا مغوارًا، لكنه يوم المعركة لم يحمل درعه فحسب، بل حمل إيمانًا راسخًا في قلبه. ضرب بالسيف في سبيل الله، فحمل لواء المسلمين حتى قُطعت يده اليمنى، فلم يتراجع، بل حمل الراية بيسراه حتى بُترت. فاحتضنها بعضديه حتى سقط شهيدًا.
حين وصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، اغرورقت عيناه بالدموع، تألم لفراق ابن عمه، لكنه بشر أصحابه بأن الله عوضه عن يديه بجناحين يطير بهما في الجنة، فلقبوه بجعفر الطيار.
ولم يكن حزنه مجرد دموع، بل كان عطفًا ورحمة، فذهب بنفسه إلى بيت جعفر، ومسح على رؤوس أبنائه اليتامى، وضمهم إلى صدره الحنون.
، وقال ص: "أنا وكافل اليتيم كهاتين"، وأشار إلى سبابتيه، ليرسم بذلك طريق الرحمة والرفق للأمة.
وكما علمهم التراحم، علمهم الإحساس بالفقراء، فحث على الصيام، لا كعبادة فقط، بل ليشعر المسلم بما يعانيه الفقير، ويدرك مرارة الجوع، فيحنو على المحتاج، ويعطي السائل، ولا يبيت شبعانًا وجاره جائع.
هكذا كان نبي الرحمة، ليس قائدًا فحسب، بل أبًا لكل يتيم، وأخًا لكل محتاج، ونورًا لكل من ضل الطريق.