
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطائر الحر
“فتيل الغرام” بلغوها إذا أتيتم حماها… أنني مت في الغرام فداها محبرة وقلم

\
مات هذا الشاعر غراما، هو قتيل الغرام ولا أود لقتيل الغرام، فان كان الناس يقولون «من الحب ما قتل»، فهذا الشاعر يجعلنا نقول: من الغرام ما قتل، والغرام اشد فتكا من الحب، ولا اشبهه الا بالعسل الشهي ممزوجا بالسم البطيء الذي يسري في بدن المغرم رويدا، رويدا حتى يهلكه، والغرام كمعنى، العذاب الدائم، والشر الملازم، والتعلق الشديد بالشيء تعلقا لا يستطاع التخلص منه، حتى يصل المرء الى درجة فقد السيطرة على المشاعر والاحاسيس، يسوقه الغرام سوقا، ويشرق به ويغرب «بشارة الخوري الشاعر العربي اللبناني، صاحب هذا البيت الذي ردد كثيرا، وغناه كبار المطربين العرب، وهذا البيت الجميل فيه وصية لمن احب، يخبرها من خلاله انه مات حبا وهياما بها وفداء لها، هو يقول:
“بلغوها اذا أتيتم حماها
أنني مت بالغرام فداها”.
ثم يتابع هذا الشاعر وصيته، ويطلب من اصحابه امراً اخر حيث يقول:
“واذكروني لها بكل جميل
فعساها ان تبكي علي عساها”.
يريد من أصحابه ان يثنوا عليه بالخير عندها وان يمدحوه، لعل وعسى ان تبكي عليه، وليس هذا الامر صعبا، ثم يتابع في وصيته الحزينه قائلا:
“واصحبوها لتربتي فعظامي
تشتهي ان تدوسها قدماها”.
يريد هذا الشاعر قتيل الغرام ان تطأ قدما من احب عظامه وهو في قبره، هذه العظام تشتهي ان تطأها هذه الاقدام، ثم يعرج الخوري على امر يثير الدهشة والغرابة فيقول:
“لم يشقني يوم القيامة لولا
أملي أنني هناك أراها”.
أبعد الشقة في هذا البيت، وأساء القول، فهو يذكر ان يوم القيامة لا يشتاقه الا لانه سيرى حبيبته في هذا اليوم.
والشاعر يقول ما يشاء ما لم يتجاوز المعقول الى اللامعقول والغرام عموما ذكره الشعراء، فهاذا يزيد بن معاوية الخليفة الاموي الثاني يقول (26 – 65هـ):
“فكم قتيل لنا بالحب مات جوى
من الغرام ولم يبدي ولم يعد”.
وهذا محيي الدين بن العربي محمد بن علي بن محمد الطائي (638 – 558 هـ) يقول في ذلك:
“عاينت اسباب المنية عندما
أرخوا أزمتها وشد وضين
ان الفراق مع الغرام لقاتلي
صعب اللقاء مع الغرام يهون”.
وبدأ البهاء زهير (581 – 656هـ) اشد تحملا للغرام، واكثر رباطة جأش، وما ذاك الا لأن الغرام لم يصل ذروته في قلبه، ومع ذلك ترك اثرا كبيرا عليه حيث يقول:
“ملك الغرام عنانيه
فاليوم طال عنائيه
من لي بقلب اشتريه
من القلوب القاسيه
واليك يا مالك الملاح
واقفت اشكو حاليه
مولاي ياقلبي العزيز
وياحياتي الغالية
اني لأطلب حاجة
ليست عليك بخافيه”.
وبدا الفارس العربي الشهير عنترة بن شداد منتصرا على الغرام، فهو ليس كغيره من المغرمين لشدته وصلابته، وفي ذلك يقول:
“اذا لعب الغرام بكل حر
حمدت تجلدي وشكرت صبري
وفضلت البعاد على التداني
واخفيت الهوى وكتمت سري”.
اما الشاعر بشارة الخورى فقد ولد في بيروت عام 1885 وتوفي فيها عام 1968 عرف بلقب الاخطل الصغير، وشاعر الحب والهوى، وشاعر الصبا والجمال وهو صاحب الابيات المشهورة التي يقول فيها:
“جفنه علم الغزل
ومن العلم ماقتل
فحرقنا نفوسنا
في جحيم من القبل”.
وسبب تسميته بالاخطل الصغير اقتداء بالشاعر الاموي الاخطل التغلبي ابو مالك (ت 89هـ) ومن اجمل وأرق ما قاله الاخطل الصغير ايضا ابياته التي تفننت بها مطربة لبنان فيروز،و والتي يقول في بعض ابياتها:
” يا عاقد الحاجبين
على الجبين اللجين
ان كنت تقصد قتلي
قتلتني مرتين
تمر قفز غزال
بين الرصيف وبيني
وما نصبت شباكي
ولا اذنت لعيني
تبدو كأن لا تراني
وملء عينك عيني.
ومن شعره بالرقيق السائر قوله:
“اضنيتني بالهجر ما اظلمك
فارحم عسى الرحمن ان يرحمك
مولاي حكمتك في مهجتي
فارفق بها يفديك من حكمك
ما كان احلى قبلات الهوى
ان كنت لا تذكرها فسل فمك
تمر بي كأنني لم اكن
قلبك او صدرك او معصمك”.
وهو القائل ايضا:
عش انت، اني مت بعدك
وأطل الى ما شئت صدك
ما كان ضرك لو عدلت
اما رأت عيناك قدك
وجعلت من جفني متكئا
ومن عيني مهدك
يامن اساء بي الظنون
ثلمتني وثلمت حدك
ان لم يكن ادبي، فخلقك
كان أولى ان يصدك
أغضاضه ياروض ان
انا شاقني فشممت وردك
انقى من الفجر الضحوك
فهل اعرت الفجر خدك
وأرق من طبع النسيم
فهل خلعت عليه بردك؟
وألذ من كأس النديم
فهل أبحت الكأس شهدك”
وفي النهاية احذروا من الغرام، لا تصطادكم شباكه وحبائله
جف القلم ونشفت المحبرة في امان الله