في اليوم العالمي للغة الأم.. تداخل الإنجليزية في اللغة العربية: دليل على الثقافة أم مؤشر على التبعية؟
اللغة هي مجرد أداة للتعبير عن هذه الثقافة، وليست تعريفًا شاملاً لها
من الظواهر اللغوية البارزة في مجتمعاتنا العربية المعاصرة، هي اللغة الانكليزية. وكثيرًا ما نسمع عبارات مثل "أنا كُلش هابي" أو "هذا شيء كُول" أو "أنا راح أسوي أبلود لهذا الفيديو" أو "سوري".
لا يستطيع إكمال جملة عربية دون أن يحشر بين كلماتها كلمة إنجليزية حتى لو لم تكن ضرورية للدقة العلمية أو ضمن السياق وهو في الأصل يتحدث مع شخص من نفس لغته؟ كأن يقول أنا رايح meeting ويُؤمن أنه دليل على الرقي! او محاولة لإثبات الثقافة! أو نوع من التفاخر!! ولكن، هل هذا التداخل دليل حقيقي على الثقافة والتحضر، أم أنه تقليد أعمى يؤدي إلى فقدان هويتنا اللغوية؟
يَدعي البعض على أن تداخل اللغات هو نتيجة حتمية للعولمة وتزايد التواصل بين الثقافات. وأن استخدام الكلمات الإنجليزية يسهل التواصل مع الآخرين، خاصة في المجالات العلمية والتكنولوجية.
ويَرون أن استخدام الكلمات الأجنبية يضفي على اللغة طابعًا حديثًا وعصريًا، ويجعلها تتلاءم مع التطورات التكنولوجية السريعة.
لنُحلل هذه الظاهرة، هذه الظاهرة ليست بريئة ولا عشوائية. هذه حالة نفسية واجتماعية تسمى تقليد الوجاهة الثقافية Cultural Prestige Imitation). في المجتمعات مثل مجتمعنا يعاني الإنسان بها من (ضياع) يعيش أزمة هوية.. وهذه حالة تنكر، محاولة أشبه بعمليات التجميل. يحاول الإنسان الذي يشعر بالنقص أن يختبئ خلف مظهر منفتح متحضر! دون أن يمتلك وزن أو رصيد ثقافي.
لذلك الكلمات الإنجليزية هنا ليست أداة تواصل بل نوع من التماهي وزينة سطحية لإخفاء شعور داخلي بالانكسار أمام الثقافة الأجنبية!
يتحول الأمر إلى استعراض أكثر منه تعبير عن الثقافة. معتقدين أن هذا الفعل يمنحهم شعوراً بالرقي أو يرفعهم درجة أمام الآخرين.. تماماً مثل شخص يرتدي بدلة فاخرة في وسط سوق شعبي. معتقداً أنه يلفت الأنظار بينما الجميع يراه لا شيء!
هل سمعتم يوماً أجنبياً يزج كلمات لغة أخرى في حديثه؟ بالطبع لا. لماذا؟ لأن الهويات القوية والواثقة من نفسها لا تحتاج إلى واجهة لغوية.
أما عندنا فالكلمات الإنجليزية أصبحت مثل (الماكياج). تستخدم للتغطية على إحساس خفي بالتنكر الثقافي. كأن المواطن هنا يقول للعالم (انظروا، أنا متحضر... أنا مختلف).
كما يجب أن نَعي أن هذا التداخل يؤدي إلى تآكل اللغة العربية وفقدانها لهويتها، ويضعف قدرتها على التعبير عن خصوصيات الثقافة العربية.
وهذا يعكس حالة من التبعية الثقافية للغرب، وأننا نستورد لغاتهم وعاداتهم دون تفكير نقدي.
وقد يؤدي استخدام الكلمات الأجنبية دون فهم دقيق لمعانيها إلى خلط المفاهيم وتشويهها.
ومن أسباب تداخل اللغات هي وسائل الإعلام فوسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في نشر الكلمات الأجنبية، خاصة من خلال المسلسلات والأفلام الأجنبية المدبلجة أو المترجمة.
كما في التعليم فقد يكون للمنهج التعليمي دور في تعزيز استخدام الكلمات الأجنبية، خاصة في بعض التخصصات العلمية.
وأيضا من يكون كثير السياحة والسفر يتزايد استخدام الكلمات الأجنبية عنده ففي المناطق السياحية وفي الأوساط هناك الكثير ممن يتحدث لغات أجنبية.
إن تداخل اللغات ظاهرة معقدة تتطلب تحليلًا متعمقًا. فمن ناحية، لا يمكن إنكار أن العولمة والتطور التكنولوجي يفرضان علينا التعامل مع لغات أخرى. ومن ناحية أخرى، يجب أن نحرص على الحفاظ على هويتنا اللغوية والثقافية.
لهذا يجب أن يركز التعليم على تعزيز اللغة العربية وتطوير مهارات التعبير بها، مع إيلاء اهتمام خاص بتعليم المعاني الدقيقة للكلمات.
كما على وسائل الإعلام أن تلعب دورًا إيجابيًا في الحفاظ على اللغة العربية، وتجنب الإفراط في استخدام الكلمات الأجنبية، ونشر الوعي بأهمية اللغة العربية ودورها في الحفاظ على الهوية الوطنية، وتحقيق التوازن بين الانفتاح على الثقافات الأخرى والحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية.
لأننا يجب أن ندرك أن التداخل اللغوي ليس ظاهرة إيجابية أو سلبية بحد ذاتها، وإنما يعتمد على كيفية استخدامنا للغة وكيفية التعامل مع الثقافات الأخرى.
فاللغة الإنجليزية ليست الدليل الوحيد أو الحاسم على ثقافة الفرد فالثقافة تشمل مجموعة واسعة من العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات التي تشكل هوية الفرد والمجتمع. اللغة هي مجرد أداة للتعبير عن هذه الثقافة، وليست تعريفًا شاملاً لها.