أهدى عروسه سهرة وأهداني بسمة
اسمحوا لي أن أمرر هذه القصة اللطيفة، خصوصًا ونحن في ثلاثة أيام متتالية نحييها بالبهجة والفرحة، بدأت اليوم بمولد الإمام الحسين لتنتهي بمولد الإمام السجاد، مرورًا بمولد أبي الفضل العباس «عليهم جميعا سلام الله» وكل عام وأنتم بألف خير.
أخيرًا تم عقد الزواج، والحمد لله على كل حال، تلك كانت كلمات العريس بعد أن تم عقد نكاحه الشرعي، لقد كان فرحًا بعقده وعروسه بحد لا يوصف.
كالعادة أخبرته أن العقد يُختم من المحكمة خلال يوم أو يومين، وأنني سأتصل به إذا تم الأمر، فأخبرني أنه ينتظر اتصالي، أمضيت بعض الوقت وأنا أتحدث عن أمور تهم العريسين في فترة العقد، واسترسلت مؤكدًا رأيي ببعض القصص الخفيفة التي تخطر على بالي، وبعدها هممت بالخروج.
استأذنت الجميع مودعًا، وأخذت طريقي نحو الباب، اتجهت لسيارتي التي ركنتها قريبًا من المكان، لم تكن الطريق مضاءة بشكل جيد، غير أن العريس تبعني وهو يناديني بصوت تعمّد ألا يكون مرتفعًا، توقفت حتى وصلني، ثم انطلقنا سويًا إلى السيارة.
بدأ الرجل يشكرني على العقد وعلى الكلام الذي تحدثت به بعد العقد، ثم مد يده إلى جيبه وأخرج ظرفًا دفعه بيدي «بركة العقد»، فالعادة جرت أن يُعطَى المأذون مبلغا من المال، قلت له لم تتم مهمة العقد بعد، إذا تم عقدك بتصديق المحكمة فسنلتقي لتستلمه وسأستلم منك البركة، لكنه أصرّ عليّ أن أستلم الظرف منه، وهو يقول: ”لا تحرجني يا شيخ فربما يخرج أحد من الحاضرين“.
وضعت الظرف في جيبي، وصعدت إلى سيارتي واتجهت حيث أريد، وحين عدت إلى منزلي فتحت الظرف فأخذتني الضحكة، فلأول مرة يصادفني هذا الأمر، وكنت لا أدري هل وقعت أنا في الفخ أم هو؟
كان في الظرف ورقة للفحص الدوري لسيارته «الدفرنس والشاصي وعلبة الدركسيون إلى آخر القائمة»، وكان المطلوب منه أن يغيّر الأذرع ولوحة السيارة.
ضحكت من كل قلبي لهذا الموقف، وكما يقول المثل الشعبي ”راحت عليك“، في صبيحة اليوم التالي صدّقتُ العقد ووثقته في المحكمة، ثم اتصلت بأخ العريس كي يستلم العقد، حتى لا يقع العريس في الحرج أمامي، فجاءني مسرعًا، كان هذا في حوالي الحادية عشرة صباحًا، أعطيته العقد ومعه الظرف بعد أن أعدت إغلاقه، وقلت له: ”سلم عليه، وقل له أن يبادر في نقل زوجته من دفتر عائلة أبيها إلى دفتر عائلة جديد يخصه وزوجته، في دائرة الأحوال المدنية بالقطيف“ «كان هذا هو الإجراء المعمول به حينها».
في الساعة الثانية ظهرًا يرن الهاتف عندي، ويظهر اسم العريس، فتحت الخط مسلمًا، وسألته هل وصلك العقد؟ قال: ”نعم“، قلت له: ”ألف مبروك“، فبدأ بالتأسف والاعتذار عمّا حصل، وأنا أضحك، وأقول له: ”هذا موقف جميل، وأنا غير منزعج“، لكنه لم يستمع لي، بل كان في غاية الإحراج والخجل.
بدأ في كلامه يشرح ملابسات ما حصل، يقول: ”كنت قبل يوم من العقد في الفحص الدوري لسيارتي، وحين استلمت الأوراق وضعتها في الظرف وتركتها في درج السيارة، وفي صبيحة يوم العقد سحبت لك مبلغًا من الصراف ووضعته في ظرف مشابه لذلك الظرف، وتركته في درج السيارة أيضًا، ومساء ارتديت ثوبي الجديد الذي جهزته للعقد، وقدت سيارتي إلى بيت زوجتي، وحين وصولي فتحت درج السيارة، ومددت يدي لأسحب ظرفك ناسيًا أن في الدرج ظرفًا آخر، فسحبت ظرف الفحص الدوري للسيارة وتركت الظرف الذي يخصك، ولأنني سهرت البارحة مع العروس فقد نمت متأخرًا ولم أستيقظ إلا مع أذان الظهر، وحين أعاد أخي الظرف وفتحته انتبهت إلى ما حصل“، فقلت له: ”هوّن عليك، أنت سهرت مع خطيبتك وتركتني في سهرة باسمة مع أوراق سيارتك“.
مستوحيات القصة:
1/ الأخطاء تحصل من الناس في أغلب الأحيان بعفوية، لا يقصدون منها الإهانة ولا الاستنقاص، وكلما تعاملنا معها بروح رياضية كنّا أسعد وأبعد عن التشنج.
2/ لا تستعجل في حكمك على الناس، وإذا اعتقدت أن أحدًا أساء لك، ففكر ألف مرة في الطريقة التي تخبره بها أنه أخطأ بحقك، لأن ردود الفعل العنيفة خسارتها أكبر وأكثر من ربحها.
3/ الاستعداد المبكر للمناسبات وترتيب ما يلزم لها، هو أفضل وسيلة لتخفيف التوتر والارتباك وتقليل الأخطاء.
4/ استعن بأقربائك وأصدقائك في مناسباتك، فالناس لبعضها، نسق مع أحدهم لإعانتك في الدعوات ومع الآخر لاستقبال الضيوف والمأذون، ومع ثالث لتقديم الضيافة، وكن أكثر تألقًا بنجاح مناسبتك.
4/ الهدية ليست دائما مالًا، ولا مكسبًا ماديًا، فالضحكة والبسمة هدية ثمينة، من يهديك إياها يسعدك، ويجعلها ذكرى جميلة في حياتك، كلما ذكرتَها أعادت البسمةَ إلى قلبك، فالحياة إلى جانب المال تكمل بالبسمة والسعادة، وما أجمل أن يهديك أحد بسمة في ظرف.