مدينة جما العريقة أحد أبرز معالم الحضارة الإسلامية في إثيوبيا



تعد مدينة جما، من المدن المهمة في إثيوبيا وتتميز بطابع تاريخي وإسلامي وهي إحدى أهم المدن التاريخية بإقليم أوروميا الإثيوبي، حيث تحتل المدينة العريقة مكانة تاريخية ليس كونها مهدا للبن الإثيوبي في أكبر أقاليم البلاد مساحة وتعدادا، وإنما أيضا كإحدى معالم الحضارة الإسلامية بالبلاد ومواقعها التاريخية ووجهتها السياحية على المستويين العالمي والمحلي.
الموقع
تقع جما في جنوب غرب إثيوبيا، وتبعد نحو 348 كيلومتراً عن العاصمة أديس أبابا. وتستمد أهميتها من موقعها الاستراتيجي على طريق القوافل التجارية بين ممالك الحبشة قديما، إذ تربط بين جنوب وغرب إثيوبيا، إضافة إلى طقسها المعتدل دائما.
وتقع جما على ارتفاع 5740 قدما عن مستوى سطح البحر (1750 مترا) في منطقة مغطاة بغابات البن وأشجار الفواكه.
تاريخ المدينة
مملكة جمّا هي أقوى الممالك الإسلامية الصغيرة التي أسستها القومية العرقية «أورومو» في جنوب غرب البلاد، والتي حكمها زعماء أشداء من ضمنهم أبا جفار الأول، وهو الملك السابع في هذه المملكة. ومن بعده تولى الحكم ابنه أبا جفار الثاني، الذي عرف أيضاً بالسلطان محمد داود بن إبراهيم، وكان حاكماً عاقلاً وقوياً ومؤثراً، واستمر حكمه منذ العام 1878 إلى عام 1930. وقد وصفه بعض المؤرخين بقولهم إنه كان يتمتع بهيبة كبيرة، وإنه محبّ للعلماء والصالحين، وكان كريماً معهم ومسانداً للحركة العلمية الشرعية. أما والده فكان كلما جلس على كرسي العرش في الصباح، يردّد «تبرأت من كل دين غير الإسلام، وكل مُلك يزول إلا مُلك الله». ونظراً لقوة اقتصاد مملكة جمّا الذي يعود بشكل أساسي إلى موقعها التجاري المهم، وممارسة أهلها عدة حِرَف مهمة، إضافة إلى وفرة أشجار القهوة، فقد أسس أبا جفار الثاني جيشاً قوياً، واستطاع التوسع وضمّ بعض الأقاليم الصغيرة حول مملكته، لكنّه كان يدفع الضريبة لإمبراطور إثيوبيا مينيليك الثاني منذ عام 1886 مقابل أن يحكم باستقلالية كاملة، ومن دون تدخّل الإمبراطور في شؤون جمّا، إضافة إلى عدم بناء كنائس فيها، أو السماح لغير المسلمين بدخولها. وفي عام 1930 تمت تنحية أبا جفار الثاني عن الحكم بالتفاوض السلمي مع حكومة الإمبراطور، لكن تم السماح له باستخدام لقب ملك، وتوفي عام 1932. ومن بعده تولى الحكم ابنه أبا دولا، وكان ورعاً تقياً وعالماً مجتهداً، ولم يكن مهتماً بالحكم، ولذلك تنازل لابنه أبا جوير، الذي عُرف عنه الذكاء والنشاط وحُبّ الشعر، إلّا أن حكم أبا جوير لم يدُم طويلاً، إذ استطاع الإمبراطور هيلاسيلاسي أن يضم «جمّا» إلى الإمبراطورية الإثيوبية ويُلغي استقلاليتها. وانتهت الحال بأبا جوير إلى اللجوء للمملكة العربية السعودية حتى وفاته، ثم عادت عائلته إلى إثيوبيا
أهم معالم مدينة جما
يوجد بجما العديد من المناطق التاريخية والأثرية والسياحية، كمنطقة تشوشي التي اكتشفت بها بذرة القهوة الإثيوبية. وهناك أيضا منطقة بشاشا، مسقط رأس رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وآخرين من القيادات السياسية
وبالإضافة إلى ذلك، توجد منطقة بلطي المعروفة بشلّالاتها وجمال طبيعتها والمغطاة بالغابات الكثيفة، على امتداد 3 مناطق في غرب إثيوبيا، وتعيش بها الحيوانات المتوحشة مثل الأسود.
وتتميز بلطي أيضا بتنوعها البيولوجي والنباتي بجانب غابة البن الطبيعي الإثيوبي، وتضم شلالات نهر جيبي، وغيرها من الآثار الإسلامية والمعالم التاريخية.
قصر أبا جيفار
يعد قصر الملك أبا جيفار بمدينة جما، أول قصر بهذا الحجم في تاريخ إثيوبيا، ويقع ضمن آثار آخر الممالك الإسلامية فيها، ويتضمن معالم أثرية أخرى أصبحت وجهات سياحية للمنطقة. ويقع القصر على بُعد 7 كيلومترات من المدينة، وقد شيد على ارتفاع 2020 قدما، ويطل من جبل بمنطقة "جيرين". وكان القصر مقرا سياسيا وإداريا للملوك الذين تعاقبوا على حكم المملكة، وإن كان للملك 4 قصور أخرى، فإن قصر أبا جيفار يعد الأهم والأكبر.
والقصر الذي شيد في سبعينيات القرن الـ18، أشرف على تصميمه المهندس الهندي تكام تاليموشي، وسبق تشييده بناء مسجد داخل سوره، اتباعا لثقافة شعب جما التي تركز على بناء المسجد بجانب المنزل وتعطيه الأولوية.
والقصر المحصن بقلعة ذات 4 بوابات للرصد والمراقبة، يتكون من 29 غرفة و54 شباكا و65 بوابة، بجانب مسجد كبير، والعديد من المرافق بينها غرف مخصصة للنوم وصالة الوجبات واستراحة الضيوف.
متحف جما
ولم يكن قصر أبا جيفار وحده هو المعبر عن تاريخ وحضارة مدينة جما، فهناك المتحف القومي الذي يتوسط المدينة، وبه العديد من الكنوز والمقتنيات الإسلامية.
ويعد من أقدم المتاحف في البلاد وأكثرها ثراء، ويحتوي على مجموعة متنوعة من القطع الأثرية، تجاوز عددها ألفي قطة أثرية من العصر الذهبي لمنطقة جما، وهو ما بين عامي 1941 و1950.
وكان التاريخ الرسمي لميلاد المتحف قد بدأ في عام 1980، في عهد نظام "منغستو هايلي ماريام".
وتعود الآثار الموجودة في المتحف إلى أكثر من 125 عاما، عندما أهدى السلطان أبا جوبر ابن أبا جيفار جميع المقتنيات، وأمر بالحفاظ عليها داخل متحف وطني، وبعد ذلك التوجيه السلطاني تم تجميع كل القطع الأثرية في مكان واحد.
مسجد أفورتما
يقع مسجد "أفورتما" وسط جما، وهو أول مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة قبل 190 عاما وكان له دور في تعليم القرآن الكريم وعلومه. والمسجد الذي أطلق عليه "أفورتما" وتعني (الأربعين) بلغة قومية الأورومو، أكبر قوميات إثيوبيا
وظل مسجد أفورتما وجهة لطلاب ودارسي العلوم الشرعية وتعاليم الدين الإسلامي وبهذا أصبح المسجد قبلة لكبار العلماء والتجار من مختلف مناطق إثيوبيا، خاصة شمال البلاد"