تزوجني ليسرقني فسرقته
إحدى الحاجات تريدك عند خيمة النساء، هكذا خاطبني أحد كوادر الحملة، ونحن في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة قبل أكثر من خمسة عشر عامًا تقريبًا، حينها لم تكن القوانين المنظمة للحج تمنع من ذهاب المواطنين إلى الحج سنويًا.
توجهت إليها، وكنت معتقدًا أن الأمر يرتبط بأسئلة حول حجها أو رميها الجمار، ولم يخب اعتقادي هذا، لكن أختنا الكريمة أخذتني إلى قصة تفتخر بها وتود إسماعي إياها، فبعد تحية واحترام كبيرين قالت: ”إن زوجي حاج معكم في الحملة، وهو فلان من الناس، وهذه هي السنة الثالثة التي تجمعنا بكم في الحج“، قلت لها: ”ربما أعرفه كشخص ولكن ليس كاسم“، فأخبرتني أنها ستحدثه ليعرفني بشخصه.
لكنها استغربت عدم معرفتي له، أنت الذي أجريت عقد نكاحنا، فكيف نسيته؟
تجاوزت سؤالها المحرج، وقلت لها: ”اسأل الله أن يسعدكما ويوفقكما ويرزقكما الذرية الصالحة“، فتأوهت، وبدأت قصتها قبل أسئلتها، وهي قصة لا تخلو من الفوائد.
زوجي من أقاربي، وكنت مصرة على الزواج منه بعد أن تقدم لي، مع أن سيرته لم تعجب أهلي، كما لا تعجب السواد الأكبر من أبناء مجتمعنا، فتاريخه فيه بعض الكبوات، أهلي كانوا رافضين، لكن إصراري حملهم على الموافقة بشرط واحد، وهو أن أتحمل أنا مسؤولية قراري في الزواج منه، وأن لا أطلب منهم موقفًا أو تدخلًا في المستقبل، لو لم أوفق في حياتي معه، كان هذا آخر كلام لأبي معي في شأن الزواج.
بعد العقد بأيام معدودة اكتشفت أنني أمام تحد كبير مع هذا الشخص، وكدت أنهار أمام تصرفاته، كان يطلب مني أن أكون مثله في الاستهتار ببعض الواجبات الدينية، فإذا اصطدم بممانعتي القوية، كان ينزعج ثم يقول لي ستتعودين على فعل ذلك.
شعرت أني أمام تحد حقيقي، فالرجل لا يكتفي بسلوكه فقط، بل يراهن على تغير سلوكي لأكون نسخة منه ومنسجمة معه.
كنت أبكي بسبب ضغوطه عليّ، وكنت أتأسف لتسرعي في قراري ومخالفتي لأهلي.
بعد حصول الزفاف ومرور الأيام اسودت الدنيا في عيني، فكنت أرى نفسي بين خيارين، أن أخسره أو أن يؤثر عليّ، وكلاهما كان مرًا، لكنني في لحظة أعتقدها ربانية، قلت في نفسي لماذا لا يكون هناك خيار ثالث؟ لماذا لا أكون أنا المؤثرة عليه؟
أعرف أن الطريق ليس معبدًا والتحدي قوي وخطير، لكنني قررت أن أبدأ متوكلة على الله، فبدأت وأمام عيني ثلاثة أمور:
1/ خوفي من الانجراف إلى طريقته وسلوكه.
2/ هدفي وهو أن يتغير هو إلى الأحسن.
3/ محذوري أن تتشنج العلاقة معه إذا شعر أني أريد تغيره أو قمت بتصرف يوتره، فيقلب حياتي جحيمًا.
هرعت إلى ربي وصممت على صلاة الليل والتزمت بها، وكان يرى ذلك، وعزمت على ألا أتهاون في الاستيقاظ لصلاة الصبح، وكان يستيقظ صباحًا فيراني أبدأ يومي بقراءة القرآن، وأدخلت الصيام المستحب في حياتي بعد الإذن منه.
صديقاتي المتزوجات من رجال صالحين كنت أدعوهن للزيارة وأطلب من زوجي أن يدعو أزواجهن، ليختلط برجال طيبين، وكنت أدعو إخواني أن يقفوا إلى جانبي فيكثرون الزيارة إلى زوجي، ويأخذونه معهم في بعض مشاويرهم وزياراتهم.
لقد قمت بالكثير من التعديلات على حياتي الروحية دون أن أغفل واجباتي الزوجية والمنزلية، ولم أكن أتحدث معه عن تغير حياته بلساني، لكي لا ينزعج مني، بل تركت أعمالي تحدثه عن طريقي ومسلكي إلى الله، ومع الأيام والشهور بدأ التغير يظهر عليه.
أحمد ربي أن المعادلة انقلبت، لقد تزوجني ليسرقني مما كنت فيه، فسرقته من ظلماته إلى نور ربه.
مستوحيات القصة:
1/ احترام نظرة الوالدين وتثمين معرفتهما بالحياة أمر في غاية الأهمية، لأن أبوتهما تمنعهما فطريًا من الوقوف أمام مصلحة أولادهما.
2/ المغامرات أحيانا تكون قاتلة، وعلى الفتاة ألا تخاطر بنفسها مستندة إلى حبها وعاطفتها ما دامت هناك علامات حقيقية للخطر، وألا تثق كثيرًا بقدرتها على تطويع الآخرين، فقد تقع في فخ من قسى قلبه، فيرديها إلى الهلاك.
3/ يمكن للأب أن يحمّل ابنته مسؤولية قرارها بالزواج، إذا كان غير مقتنع، ولكنه لا يحب أن يمارس صلاحيته الشرعية في الرفض، والأفضل هو أن يقول لابنته: ”أنا لست مع قرارك، لكني لن أتركك، وسأكون لك سندًا“، أما أن يشعرها أنها وحيدة بلا ناصر ولا معين، وكأنه يتبرأ منها، فهذا سيمنعها من الانفتاح معه في أي مشكلة تطرأ لها، وسيجعلها في موقع الخوف والضعف، وسيستقوي عليها زوجها.
4/ للأجواء الأسرية تأثير كبير على صلاح من فيها من أزواج وزوجات وأولاد وبنات.
5/ أيها الآباء أيتها الأمهات لسلوككم وممارساتكم اليومية أثر كبيرا على أبنائكم.