محاولات الحكومة العراقية إقناع الفصائل العراقية المسلحة "غير المنضبطة" بالتخلي عن سلاحها أصبحت أمرًا ملحًا في العراق، لا سيما بعد النكسات التي تعرض لها ما كان يُسمى بـ"محور المقاومة" الموالي لإيران.
وتصريحات وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، خلال زيارته إلى لندن في 16 يناير 2015، أعادت فتح ملف نزع سلاح الفصائل المسلحة في العراق.
وقال وزير الخارجية، في لقاء مع وكالة رويترز، إن بغداد تحاول إقناع فصائل مسلحة عراقية خاضت قتالًا ضد القوات الأميركية وأطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة على إسرائيل بالتخلي عن سلاحها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.
وتقول رويترز إن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعهدت بتعزيز الضغوط على طهران، التي طالما دعمت عددًا من الأحزاب السياسية ومجموعة من الفصائل المسلحة في العراق.
يشعر بعض المسؤولين في بغداد بالقلق من احتمال أن يكون الدور على العراق في تغيير الوضع القائم، وفق رويترز.
لكن حسين قلل من أهمية هذا الأمر في مقابلة مع رويترز أثناء زيارته الرسمية إلى لندن، حيث قال: "لا نعتقد أن العراق هو الدولة التالية".
وأضاف أن الحكومة تجري محادثات للسيطرة على هذه الجماعات مع الاستمرار في الحفاظ على التوازن بين علاقاتها مع كل من واشنطن وطهران. وقال: "منذ عامين أو ثلاثة أعوام، كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع في مجتمعنا".
الفصائل المعنية
فما هي تلك الجماعات؟ وهل هي ميليشيات منضوية تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي؟
في هذا السياق، يقول الخبير العسكري صفاء الأعسم، لموقع "الحرة"، إن وزير الخارجية العراقي لم يقصد بتصريحاته الفصائل المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي، لأن هذه الميليشيات "تتبع أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وأصبحت قانونيًا جزءًا من القوات العراقية، وهي ملتزمة بالتعليمات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة".
لكن تصريحات حسين تؤكد أن تلك الفصائل لا تزال موجودة في العراق، وأن الحكومة تفاوضها لإقناعها بالتخلي عن سلاحها.
وتشير تصريحاته إلى أن "الفصائل غير المنضبطة" كان لها نفوذ كبير، وفق الأعسم، الذي يوضح قائلًا: "منذ عامين أو ثلاثة أعوام، كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع في مجتمعنا".
وتكشف هذه التصريحات عن عمق الأزمات التي تعاني منها الحكومة العراقية في التعامل مع معضلة الفصائل المسلحة غير المنضبطة، وكيفية جعلها تخضع لأمرة القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، بحسب الخبير الاستراتيجي الفريق الركن جليل خلف المحمداوي.
ويضيف المحمداوي، لموقع "الحرة"، أن تصريحات وزير الخارجية تعكس "ضعف الدولة" أمام هيمنة هذه الفصائل، التي تعتبر "قليلة العدد" لكنها خارجة عن سيطرة الدولة.
وحسب المحمداوي، فإن الفصائل المقصودة بهذه التصريحات هي 4 أو 5 جماعات، أبرزها "حركة النجباء، وكتائب حزب الله، ولواء الفاطميون، وأنصار الله الأوفياء".
يوضح أن هذه الفصائل كانت جزءًا من "محور المقاومة الإسلامية في العراق"، وشنت ضربات مباشرة على إسرائيل منذ انطلاق حرب غزة، ضمن ما كان يُسمى بمبدأ "وحدة الساحات" الذي نظرت له إيران.
معظم هذه الفصائل أوقفت هجماتها على إسرائيل والتزمت الصمت بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بانتظار ما ستؤول إليه المواقف، بحسب الخبير الأمني أحمد الشريفي.
الحلول والتحديات
قال الشريفي، لموقع "الحرة"، إن الفصائل غير المنضبطة لا تزال موجودة في العراق، ووجودها بهذه الصيغة يحرج الحكومة، لأنها ترفض "الاندماج" في تشكيلات الجيش العراقي أو "الانضواء" على غرار فصائل الحشد الشعبي تحت أمرة القيادة العسكرية العراقية.
مسألة آلية احتواء هذه الميليشيات كانت من ضمن التساؤلات التي أثارتها تصريحات الوزير العراقي. فهل ستسلك مسار فصائل الحشد الشعبي التي أصبحت على الورق تحت أمرة القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولكنها احتفظت بهيكليتها وتشكيلاتها وقياداتها؟ أم أنها ستندمج مع القوات العسكرية العراقية؟
يرى الفريق الركن جليل خلف المحمداوي أنه يجب دمج هذه الفصائل في القوات العراقية، أي ينبغي "حلها" و"تفكيك" هيكليتها وقياداتها قبل دمجها مع القوات العراقية.
لكن الكثير من هذه الفصائل لديها ارتباطات سياسية، فهي تابعة لأحزاب فاعلة في العراق، لديها نواب في البرلمان العراقي، ومشاركة في الحكومة، ومنخرطة في العملية السياسية والتشريعية في العراق، بحسب المحمداوي.
وأكد المحمداوي أن "قيادات تلك الفصائل تمتلك نفوذًا كبيرًا" في العراق، وهذا ما يجعل السيطرة عليها أمرًا بالغ الصعوبة.
الحشد الشعبي والتعقيدات
يشكل الحشد الشعبي الحاضنة الرئيسية لهذه الفصائل، ومن الصعب "فك الارتباط" بين الحشد الشعبي وهذه الفصائل، لأن فصائل الحشد الشعبي لم يتم دمجها بالقوات العراقية، وإنما انضوت بتشكيلاتها وهيكليتها تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، بحسب المحمداوي.
لفت إلى أن قادة الفصائل المسلحة يستغلون موارد وإمكانيات الحشد الشعبي واسمه لتحقيق مصالحهم.
إشكالية الارتباط بإيران
يشكك الشريفي، بدوره، في قدرة الحكومة العراقية على معالجة ملف هذه الفصائل، لأن أغلبها "لديها ارتباطات بأحزاب ذات نفوذ داخل العراق، فضلًا عن كونها مدعومة إيرانيًا".
ويرجح، في الوقت نفسه، أن الفصائل غير المنضبطة لن "تتخلى عن سلاحها في الوقت الحالي"، لا سيما بعد التصريحات الأخيرة التي أطلقها المرشد الإيراني، علي خامنئي، بضرورة "الإبقاء" على فصائل الحشد الشعبي.
يؤكد الشريفي أن استمرار تلك الفصائل بتبعيتها لإيران وتعنتها في "عدم الاستجابة" لمحاولات الحكومة الداعية إلى نزع سلاحها، سيعرض العراق إلى "ضربات عسكرية" قد تُشن على مواقع الميليشيات أو تستهدف قياداتها.
التأثيرات الإقليمية
يقول الأعسم إن العراق لا يزال في دائرة "الخطر" بسبب هذه الفصائل غير المنضبطة، داعيًا الحكومة إلى التعامل بحزم مع هذا الملف، وعدم تركه مفتوحًا أمام الخيارات الدولية.
يشير إلى أن "وجودها بشكلها الحالي يشكل تهديدًا على مستقبل العراق".
يعود تاريخ الميليشيات والفصائل العسكرية في العراق إلى سنوات طويلة، لكنها ازدادت عددًا بعد زوال النظام البعثي عام 2003، وبرز دورها بعد اجتياح تنظيم داعش لثلث الأراضي العراقية عام 2014.
شاركت تلك الفصائل بفتوى من المرجع الديني علي السيستاني، تحت مسمى الحشد الشعبي، في المعارك التي خاضتها القوات العراقية ضد تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي.
عام 2016، انضوت معظم تلك الفصائل في هيئة الحشد الشعبي في إطار قانون أقره مجلس النواب العراقي، واعتبرها جزءًا من القوات العراقية.
ومع انطلاق حرب غزة، ظهر مصطلح "المقاومة الإسلامية في العراق"، الذي جمع تحت مظلته مجموعة من الميليشيات المدعومة إيرانيًا، من ضمنها نحو 15 فصيلًا عراقيًا.
شاركت في الهجمات التي شُنت على إسرائيل والقواعد العراقية التي تستضيف قوات التحالف الدولي، وفق مبدأ "وحدة الساحات".
لكن الكثير من تلك الفصائل انفصلت عن هذا المحور في العراق، لا سيما بعد الضربات التي تلقاها محور المقاومة الذي تقوده إيران.
الحوار والحلول
فتح الحكومة باب الحوار لاحتواء تلك الفصائل شكّل فرصة لهذه الفصائل للاندماج مع التشكيلات الأمنية الموجودة في العراق، بحسب المحلل العسكري صفاء الأعسم.
اختتم الأعسم قائلًا: "عدم انصياع تلك الفصائل لمحاولات الحكومة سيعرضها لضربات عسكرية".

مصدر الخبر :
https://www.alhurra.com/iraq/2025/01...A8%D8%B7%D8%A9