عبداللطيف عبدالله آل الشيخ

في كل زمان، تحتفي الدول بأسماء نساء خالدات، يتراءى بهن التاريخ في سماء الزمان.
هؤلاء النسوة من أرض الجزيرة العربية إلى بلاد الشام و مصر، تركن بصمةً على صفحات التاريخ، فكانت لكل عصر نساءه اللواتي رسمن طريق الدولة بألوان إنسانية متلونة.
في العصر الجاهلي البداية مع هاجر، أم إسماعيل عليه السلام ،التي تركت بصمة في التاريخ بصبرها و تضحياتها في صحراء مكة، مُؤسسةً لعهد جديد بلغة الفداء.
و قبل أن تطلع شمس الإسلام، كانت خديجة بنت خويلد تتألق كنجمة في سماء التجارة، لكنها برحمتها ودعمها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أصبحت رمزًا مشرفاً للمرأة المسلمة.
في هذا العصر أيضاً، ظهرت الشاعرة الخنساء، تميزت بشعرها الجاهلي الذي أثر بعمق في تاريخ الأدب العربي. الخنساء، واسمها الحقيقي تماضر بنت عمرو بن الشرد بن الحارث السلمية، كانت من أعظم الشعراء في العصر الجاهلي، حيث أصبحت رمزاً للفخر و البأس في الشعر العربي. شعرها، الذي يتميز بالرثاء لأخيها صخر، يعتبر من أجمل وأعمق رثاء في الأدب العربي، حيث أظهرت فيه المشاعر الإنسانية بعمق و جمال لم يسبق له مثيل. شعرها قد ساهم في تشكيل الوعي الجماعي العربي حول الشجاعة و الفداء و المحبة الأخوية، مما جعلها أحد النساء اللواتي ساهمن في ترسيخ الثقافة و الهوية العربية قبل الإسلام.
عندما تحول النور من مكة إلى دمشق ثم القاهرة، ظهرت نساء كشجرة الدر، التي أصبحت سلطانة مصر في القرن الثالث عشر ، و بحكم شجاع و عقل مدبر قادت دولة مملوكية خلال فترة زمنية مضطربة، مثلت بذلك أدباً للقيادة النسائية في عصر حيث كان الحكم مطلباً للجرأة و المهارة.
كذلك، زينب بنت أبي سلمة، التي كانت من بين النساء اللواتي نقلن العلم و الفقه الإسلامي، وقد ساهمت في إثراء الفكر الإسلامي بنقلها للعلم من الرجال الثقات في تلك الفترة.
في السياق النضالي، ظهرت غالية البقمية، التي كانت أحد رموز الدولة السعودية الأولى.
غالية، التي توفيت في حدود عام 1818، قادت مقاومة الغزو العثماني-المصري لبلدة تربة، و أصبحت اسطورة مرعبة لدى القوات العثمانية بشجاعتها و قيادتها الاستثنائية.
كانت تحث الفرسان على القتال و تدعمهم مادياً ومعنوياً، و قد أخفت خبر وفاة زوجها في المعركة لتحافظ على روح المقاومة، حيث ساهمت في هزيمة قوات محمد علي باشا في ثلاث معارك شهيرة.
و مع تقدم القرون، وفي أوائل النهضة العربية، ظهر نساء مثل مي زيادة، التي كانت نجمة لامعة في سماء الأدب العربي.
كانت مي زيادة شاعرة و كاتبة و صحفية، و قد أثرت في الحركة الأدبية النهضوية بكتاباتها الرقيقة و العميقة في آنٍ واحد، و قد جمعت حولها حلقة من الأدباء و المفكرين الذين شكلوا ملامح الأدب العربي الحديث.
كذلك فاطمة اليوسف المعروفة بإسم ( روز اليوسف ) ، إحدى أشهر أسماء الفن والصحافة و السياسة في النصف الأول من القرن العشرين بمصر التي كانت من رواد المسرح العربي، حيث نظمت و أدت أعمالًا مسرحية أثرت في الثقافة العربية بعمق، معززة الفنون المسرحية و تقديمها كمنبر للفكر والتعبير.
في السياق النضالي، ظهرت جميلة بوحيرد، وهي مناضلة جزائرية تعد من أبرز رموز الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في منتصف القرن العشرين. دور جميلة في النضال كان حاسماً ،و تعرضت للاعتقال و للتعذيب الشديد، لكنها ظلت صلبة في موقفها. شجاعتها و تضحياتها جعلتها رمزاً للمقاومة النسائية في الجزائر، مما ألهم العديد من الشعراء و الفنانين لتكريمها في أعمالهم الثقافية و الفنية.
في العصر الحديث، شهدت البلدان العربية نهوضاً للنساء في مختلف المجالات ، ففي سياق الدبلوماسية، ظهرت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، و هي أول سفيرة سعودية في هذا المنصب ، و تمثلت بها نقطة تحول في التاريخ الدبلوماسي السعودي، حيث جمعت بين التراث و الحداثة في عملها الدبلوماسي، مؤكدة على دور المرأة السعودية في تعزيز العلاقات الدولية و السلام.
النساء العربيات و المسلمات، منذ البدايات القديمة حتى العصر المعاصر، لم يكن دورهن مجرد دور متفرع من تاريخ الرجل بل كانوا أساساً لبناء الدولة، برهن على ذلك تضحياتهن و أعمالهن و قيادتهن.
في كل عصر، كان لهن أدوار تاريخية لم تقتصر على الدور الأسري بل امتدت لتشمل السياسة و الفن والعلم و النضال من أجل أوطانهم.
إن التاريخ العربي والإسلامي ليس كاملاً بدون تسجيل أعمال هؤلاء النساء، اللواتي كن وسيلة لتحقيق التوازن في الحضارة، مؤكدات أن الدولة ليست مجرد قوانين وأرض، بل هي أيضًا نساء يرفعن رايات الأمل والتغيير.