أبي: المعذرة سأتزوج بشرطي
السلام عليكم ورحمة الله، وعليكم السلام والرحمة والإكرام، أخبرني خطيبي أنك الذي ستعقد نكاحنا بعد ليلتين، ومن هو خطيبك؟ خطيبي اسمه «....»، نعم لقد اتصل قبل أسبوع وطلب مني ذلك فأجبته.
شيخنا أنا مع والدي في صراع شديد منذ ثلاثة أيام، أنا أريد أن أُثبِّت في العقد شرطًا أشعره ضروريًا لحياتي الزوجية، فتجربة أختي التي تكبرني بسنتين تؤرقني كثيرًا، فهي منذ ثلاث سنوات معنا في المنزل، وزوجها الذي كان خلوقًا طيبًا أصبح الآن في مستنقع الرذيلة والمخدرات، لقد سافر مع بعض أصدقائه في رحلة سياحية امتدت أسبوعين وعاد وقد انقلبت حياته رأسًا على عقب.
أيام أختي تَمرّ، وشبابها يمضي، وهي لا تدري ماذا تفعل مع زوج كهذا؟ إنه في الكثير من الأحيان يتصل بها عبر هاتفنا الثابت في المنزل، فيشتم ويسب ويهدد ويهيننا جميعًا، ويُشكِّل مصدر إزعاج لنا، ولا ندري متى الخلاص منه؟ فقضيتها طال أمدها في المحكمة ونحن ننتظر الفرج.
لقد قلت لوالدي: "أنني لن أكرر تجربة أختي، ولن أقبل بالزواج إلا بشرطي وهو أن أكون وكيلة عنه في تطليق نفسي متى شئت، أو أي صيغة تمكنني من النجاة بنفسي لو ضاق بي الحال لا سمح الله.
يا شيخ لقد أخبرت والدي أن خطيبي قابل بشرطي، ومتفهّم لطلبي، لكن والدي رافض لهذا الشرط، وكل حوار معه يوتره ويغضبه، ويكرر عليّ دائما هذا الشرط ليس في قاموسي.
قلت لها: ”بقي يومان عن موعد العقد، ولا بد من التوصل إلى توافق بينك وبين الوالد، كي نجري العقد في أجواء بهيجة وبعيدة عن المنغصات“.
جاء التاريخ المعين، وحضرت للعقد، قمت بما يجب القيام به من ترتيبات أوراق العقد، وبقي أن أسمع منطوق الفتاة وقبولها بالشاب المتقدم لها، كان الهدوء والتلقائية يشيان بتبلور حالة من التراضي والتوافق بين الأب وابنته حول الشرط المذكور، لكن لحظة السؤال منها عن شروطها فجّرت الموقف من جديد، كانت البنت مصرة على شرطها - مع الاحتفاظ بالأدب والاحترام لوالدها - ويبدو أن معاناة أختها جاثمة على صدرها، فهي تنام معها في غرفة واحدة، تشهد قلقها وبكاءها وتعبها وتَصرُّم الأيام على حسابها وشبابها.
أما الأب فقد كان يتمسك بأمرين لاحظتهما أثناء نقاشي معه، الأول: أن هذا الشاب معروف بتدينه وأخلاقه، والثاني: هو المعرفة والصداقة التي تربطه بأبيه، لقد كان يقول لي: "تصور أن أطلب هذا الشرط من صديق عمر مديد، تعود صداقتي معه إلى أيام المرحلة الابتدائية حين كنا أطفالًا صغارًا.
بعد نقاش طويل أخبرت الأب أن الرأي في التفاصيل يعود لابنته، فإذا كانت مصرة فلا أستطيع شرعًا التغاضي عن شرطها، وإهماله في العقد، فأجابني بسرعة مذهلة: وأنا لن أُوقِّع على العقد.
بعد أن رأيت أن الموقفين في حالة من التصلّب والإصرار عدت إلى المجلس وأنا غير سعيد.
عند دخولي وقعت عيني على والد العريس، وكأن أحدا يقول لي: ”عليك به“ فربما يكون المخرج والحل هنا، عند هذا الرجل الطيب.
جلست إلى جانبه وناجيته سائلا: لماذا لا تُيسّر عقد العريسين؟ تفاجأ، وكأني صدمته بكلامي، أخبرته بالأمر، وأكدت عليه أن والد الزوجة صديق لك، وهو يخجل أن يتحدث معك في شرط ابنته، ولكي أُهوّن عليه الخطب أخبرته أن مخطوبة ابنك تعيش آلام أختها المعلقة بكل تفاصيلها، فأجابني أنه يعلم بطلاق أختها خلال سؤالهم عن الأسرة، فطلبت منه أن يتحدث مع والد الفتاة، بعد أن أخبرتُه أن ابنه يعلم بالشرط، وأنه موافق عليه، ثم رجوته قائلا: ”خذ بيد الرجل إلى مكان جانبي ورتب الأمر“.
تحرك الرجل والأمل في عينيه، وهو يقول: ”الأمر سهل ويسير“، أمسك بيد الرجل وخرج معه خارج المجلس، وبعد أقل من 3 دقائق، قال والد الفتاة دعني يا شيخ أرى إن كانت البنت جاهزة لأخذ منطوقها وموافقتها، فاستبشرت وقلت له: ”خذ وقتك“.
أخذت موافقة الفتاة وعدت للمجلس، وأجريت عقد النكاح بشرطها الذي إرادته.
مستوحيات القصة:
1/ وقت العقد الشرعي هو وقت لكتابة اتفاق بين قلبين، فإذا سُيّج هذا الاتفاق بالصراحة والوضوح، فإنه سيحمي القلبين من المرض على بعضهما بنسبة كبيرة، وإذا أحيط بالمجاملات والخجل فربما يكون الثمن باهظًا ومرهقًا.
2/ معرفة الأب أو الأم بالأسرة التي تقدمت لطلب يد ابنتهم ليس لها علاقة بالشاب المتقدم، فالولد ليس صورة طبق الأصل عن أبيه، فقد تكون أخلاقه وسلوكياته وأفكاره مختلفة تمامًا عن أبيه.
3/ الفتاة ستتزوج الولد وليس أباه، ومن الظلم أن تَضِيع حقوقها وترفض شروطها لعلاقة جميلة تربط أباها بأبيه، ماذا سيصنع والد العريس لو اتجه ابنه للمخدرات «لا سمح الله»؟ أو ركب رأسه معاندا في التعامل مع زوجته تحت عنوان «سأربيها».
4/ مشاكل زماننا كآباء وطريقة تفكيرنا ورؤيتنا إلى الأمور تختلف عن جيل أبنائنا، واستبدادنا بالرأي خطأ فادح، وأقل ما يجب هو أن نقبل مشاركتهم معنا في التفكير والقرار.
5/ كررتها مرارا وأعيدها، الاحتراز ووضع الشروط لا يعني اتهامًا للشاب، ولا تشكيكًا في سلوكه وأخلاقه، لكنه مجرد احتياط ومخرج للطوارئ، فلو لا سمح الله تغيّر الشاب أو بدر منه ما يؤذي ويرهق زوجته، فإن طريقها للخلاص منه ممكن ويسير، وكم من شاب كان في سلوك ودين وأخلاق لكنه هجرها جميعا، إلى طريق الشيطان وسلوك المجرمين، فلا أحد منّا معصوم.
5/ استفادة الفتاة من تجربة أختها كانت عقلا ووعيا منها، وإني أدعو الفتيات أن يستفدن من تجارب غيرهنّ، وأن يحترزن لعدم الوقوع فيها.
6/ أخيرا يستطيع المأذون أحيانا أن يدوّر الزوايا وأن يفتح باب الأمل في بعض المعضلات.
7/ ملاحظة: الشرط المذكور «أن تكون وكيلة عنه في تطليق نفسها» منع رسميًا، لكن بإمكان المأذون استخدام عبارات أخرى مقبولة رسميًا وتؤدي نفس الغرض.