يتداول بيننا القول المتعارف "من شب على شيء شاب عليه"، ومعناه واضح لا يحتاج إلى بيان وتأويل؛ أي "من تعوّد على سلوك معين أو عمل ما أو ورثه من سابقيه بقي عليه وبه مدى حياته إن كان زينًا أو شينًا وكأنه حقيقة حتمية مسلّمة عند البعض"، والأغلب يقصد ما شآن والدليل قولهم التشبيه بـ"ذنب الكلب أعوج لا يعتدل مهما حاولت" التساؤل هل هذه المقولة صحيحة على إطلاقها أو بها استثناءات؟ بالتأكيد وبشكل عام "بها" ففي كثير من الأحيان تختفي تتحول إلى عكسها بالأفضل أو الأسوأ إن قهرًا "بسبب ظروف نوعية مؤثرة" أو اختيارًا "نفس لوامة أو شريرة أو موقف" ولا يبقى على حاله إلا القليل:
أولًا: الأخلاق والسيرة: كان حسن السمعة يُغبط تُضرب به الأمثال الكل يتمنى سلوكه وخلقه أصاب من الدنيا شيئًا "بعض غنمات أو من تجارة دريهمات" تغير امتنع عن دفع زكاتها نسي المبادئ، تنكّر لأرحامه وأصدقائه، تكبر إن سلمتَ عليه لا يرد كأن أذنيه صمتا وإن مرك لم يسلم تظنه أخرس اللسان ومن قبل كان سباقًا لا يجالس قدماء معارفه لأنهم أضحوا بزعمه دونه يستبدل زوجته الحانية وقد تحملت أيامه الصعبة بأخرى في نظره متاع منتهي الصلاحية حديثه ماديات يعيب السابقين من صحبه ينتقصهم وكان أحدَهم الذي يترجى من يطلب له كوب شاي وإن جارت عليه الدنيا وسُلبت منه النعمة كره الكل وظل حبيس داره لا يقبل من يزوره أحباب الأمس أعداء اليوم.
ثانيًا: الغنى والفقر: رأينا غنيًا افتقر فكفر وفقيرًا استغنى فأمسك وكان يشارك في مشاريع الخير بما تيسر من مال وجهد وجاه ما أسرع انقلب على عقبيه يتأسف لو أنه ما قدم ولا خدم يرى ما قام به خسارة هي الدنيا متقلبة بأهلها حالًا بعد حال.
ثالثًا: في العبادات والعقائد: عابد يؤذي صلواته بانتظام تال للقرآن صائمًا أيامًا معتمرًا زائرًا حاجًا ما أسرع هجرها وربما تحول من موحد إلى ملحد وقد تجاوز من العمر عتيًا شب أحفاده انتهى به الأمر إلى سوء منقلب لم يستفد من دنياه وخسر أخراه ومذنب وحد بعد إلحاد أضحى من النساك كان في نوم عميق انتبه فخُتم له بخير نال عالي الدرجات سبحانه مغير الأحوال.
رابعًا: الصحة والمرض: مريض في طفولته يشفى في فتوته صحيح في شبابه يعتل قبل كهولته فلا نغتر بصحة ولا نيأس من شفاء. إنه أرحم وأعلم بعباده.
خامسًا: العزة والذلة: عزيز يُذل بفقده المال أو المنصب وخدلان من حوله {تَحالَفَ الناسُ والزمانُ فحيثُ كانَ الزمانُ كانوا عادانيَ الدهرُ نِصفَ يومٍ فانْكَشَفَ الناسُ لي وبانُوا يا أَيها المُعرِضونَ عَنَّا عُودوا فقد عادَ لي الزمانُ} وذليل يُعز لأنه اغتنم الفرصة بخدماته ومواقفه الاجتماعية الطيبة وما صنع لنفسه أين صار العزيز وكيف رُفع شأن للذليل.
إذًا لا نحكم ونجزم ببقاء الشيء كما علمناه أو نقل إلينا من أزمان إنما الأنسب أن نقول "بقاء الحال محال في كثير من الأحيان" التحول وارد سلبًا وإيجابًا بين ليلة ونهارها لا الاستقامة ترافق لنهاية العمر "إبليس من العبّاد عصى" ولا الانحراف حتمًا يلازم إلى الموت "بشر من الفساق تاب" لا نعيب ونتتبع أحدًا بصفات كانت فيه قبل عشرات السنين ثم بانت الأولى أن نحسن الظن وإن بحذر نزرع الأمل، نبتعد عن اليأس، نكون متفائلين تجاه الآخرين لا متشائمين. ولا نركن للخمول والتبعية أبي وجدي فقيران متواضعي المهنة ما عسى أن أغير كيف أخالفهما هذا منطق غير سليم فكر الفاشلين الجبناء العاجزين، الحري أن تنظر لزمانك بعين بصيرة طور ارسم مستقبلك بنفسك بعيدًا عن ماضٍ ليس فيه فرص الحاضر وإمكانياته.
أمامك نقلة نوعية من العلوم مستجدة متتالية دع عنك أباك وجدك وابن عمك فيما يسوء ويشين إن كان فيهم وخذ أحسن ما يزينك وينفعك منهم إن وُجد، أنت ابن ساعتك نحن في عصر الطائرة والشبكة المعلوماتية والذكاء الاصطناعي.