الصداقة الحقيقية
عندما حانت الإجازة المدرسية ذهبتُ إلى قريتي للمشاركة في حفل زفاف خالي، التي استمرت مدة أسبوع، ثم عدتُ إلى المدرسة، فلم أر صديقي العزيز في الفصل، فشعرت أنني فقدت شيئاً غالياً.
كان صديقي العزيز طارق يجلس أمامي دائماً في الفصل، فلم يحضر ذلك اليوم، فسألت صديقي الآخر ”شعيب“ عن سبب غيابه.
فأجابني قائلاً،، "طارق لم يحضر إلى المدرسة منذ أسبوع وربما لن يعود أبداً.
تفاجأتُ كثيراً من كلامه.
لماذا؟
ماذا حدث له؟
أجابني شعيب: "كان طارق وعارف يلعبان كرة القدم في الملعب، وكانت المباراة مثيرة للغاية، يتبادلان التمريرات والتسديدات المدهشة وفجأة أثناء محاولة تسديد الكرة نحو المرمى، حدث شيء بينهما، بدأت الكلمات تتصاعد، والشجار بينهما يزداد حدة، وبعد ذلك قام عارف مع بعض أصدقائه بضرب طارق ضرباً شديداً، وألقوا حقيبته المدرسية على الأرض، ومزقوا ملابسه.
حاول بعض أصدقائهما التدخل، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.
وعندما سمع والد طارق عن أمرهما ذهب إلى مدير المدرسة ليقدم شكوى عن هذا التصرف، لكن المدير لم يهتم بما قال له ونصحه بالعودة إلى منزله، محاولاً حل المشكلة دون اتخاذ أي إجراءات ضد عارف.
بسبب ذلك، قرر والد طارق أن لا يرسل ابنه إلى المدرسة مرة أخرى. والآن بدأ طارق يعمل مع والده في متجره الصغير لبيع الخضروات في الحي.
قلتُ لصديقي: يا شعيب ما حدث له أمر خطير، لا يجب أن يُضرب بهذه الطريقة، ومن الواجب أن يتخذ المدير إجراءات عقابية ضد عارف.
أجابني شعيب، لا يمكن اتخاذ أي إجراءات ضد عارف، لأنه ينتمي إلى عائلة ثرية، وجده يشغّل منصباً إدارياً في المدرسة. فإذا تم اتخاذُ أي إجراء ضد عارف قد يُطرد المدير من عمله. فقلت: لكن ما يحدث الآن هو تدمير لحياة طالب ذكي وفطن، من المسؤول عن ذلك؟
قال شعيب: جميعنا يعرف جيداً أن عارف شخص خطير، ولا يمكننا التخاصم معه، وقد يكون العداء معه أخطر بكثير.
قلت: أنا جاد لمواجهة كل أنواع المخاطر والمشاكل من أجل صديقي العزيز لكي لا تتوقف دراسته وبإذن الله تعالى يصبح شخصاً بارزاً وممتازاً في المستقبل.
قال شعيب ماذا ستفعل؟
في تلك اللحظة قررتُ أن أقدم شكوى ضد عارف إلى جده وأخبره عن كل ما حدث، لأنني أعلم أن عارف يخاف من جده، وهو شخص صالح وعظيم.
قال شعيب: فكر قبل أن تقدم الشكوى، لأنك قد تتعرض للمشاكل والمخاطر إذا واجهته بالعداوة".
لكنني أصررتُ الدفاع عنه ولا داعي للقلق، ومستعد للمواجهة من أجل صديقي".
بعد انتهاء اليوم الدراسي، عدتُ إلى المنزل وكتبت رسالة تفصيلية عن أخلاق طارق وأوصافه وفطنته وذكائه وغيرها، وذكرت فيها تصرفات عارف السيئة.
وفي المساء توجهتُ إلى منزل عارف، علماً أن جده عادة يبقى في المنزل في هذا الوقت، ويعود عارف إلى بيته في نفس الوقت كل يوم.
ذهبت إلى بيت الجد وقرعتُ الباب، دخلت وسلمت على جده حيث كان يجلس على الكرسي المريح في غرفة الاستراحة يقرأ الأخبار. واقتربتُ منه وهو ينظر إلي باندهاش، سألني عن حالي، قلت له: الحمد لله أنا في أتم الصحة والسعادة، اسمي ظفر، وأدرس مع عارف في نفس المدرسة، وجئت إليك اليوم لأمرٍ مهم. ثم أعطيته الرسالة التي كتبتها، وبدأ يقرأها، فتغير لون وجهه، وعندما انتهى من قراءتها، وصل عارف بنفس اللحظة إلى المنزل، استغرب وتفاجأ عندما رآني عند جده، حيث كانت الرسالة بيد جده، ويده ترتعش بسبب الغضب من فعل حفيده وعارف واقف لم يفهم بعد ماذا حدث.
سلّم عارف على جده، ووقف بجانبه مستقيماً، نهض الجد من مكانه، وصفع عارف على وجهه بشدة وزجره وقام بتوبيخه كثيراً. وقال له: أنت قمت باستغلال نفوذي ونفوذ والدك للإساءة إلى الآخرين.
لماذا ضربت طارق؟
هل كان من الضروري ضربه عندما تصاعدت الكلمات خلال اللعب كرة القدم؟ هل تريد أن تدمر حياته؟
لنذهب فوراً إلى منزل طارق، وأطلب منه أن يسامحك.
صعد الجد سيارته وركبنا أنا وعارف معه، وصلنا إلى بيت طارق حيث يقع في حي قديم، وبنيت معظم المنازل والبيوت في الحي من العشب والقش.

بعد مرور عدة شوارع وصلنا قرب منزل طارق، وكان الليل قد حل. كان باب البيت مفتوحاً، ولمبة تنير داخل المنزل. وتم وضع مجموعة أدوات وأواني طبخٍ والطعام من الحبوب في زاوية من المنزل. وكانت امرأة تخيط الثياب على ماكنة خياطة في زاوية أخرى، بينما بنت صغيرة تقرأ على البساط.
خارج المنزل، كان والد طارق يقف قرب متجره لبيع الخضروات، يساعده طارق في رفع ونقل الخضروات
عندما شاهدونا، تعجب طارق واندهش والده بشدة، لكن قبل أن يتفوه والد طارق بشيء، اقترب الجد منه، وقال: يا أخي الكريم، أنا جد الولد عارف، وأنا أيضاً مدير المدرسة. جئت هنا لأطلب منك أن تسامح حفيدي على تصرفه التي قام به ضد ابنك طارق، أرجوك أن تسامحه.
وأشار الجد إلى حفيده ليعانق طارق، وقال عارف بصوت منخفض، يا صديقي الغالي طارق، من فضلك سامحني،
أنا ارتكبت خطأً كبيراً.
عليك أن تحضر إلى المدرسة من الغد، ونحن بحاجة ماسة إلى التعليم والدراسة، وأنا نادم جداً على ما فعلتُ.
ثم اقترب عارف من والد طارق وقال له: سامحني، يجب أن يذهب طارق إلى المدرسة ليكمل دراسته، وسيدرسان معاً، ولن يتخاصما أبداً، سأساعده في جميع الأمور بإذن الله تعالى.

عانق والد طارق عارفا وقال له: لا عليك يا عزيزي، هذه هي الحياة، يجب ألا نعيشها بالخصام والشجار، ولكن أن نعيشها بالحب والحنان واحترام الآخرين.
ثم توجهنا جميعاً إلى السيارة بعد أن تم الصلح وعدنا إلى منازلنا يغمرنا الفرح والسرور، راجياً من الله تعالى أن يكمل صديقي العزيز طارق دراسته بنجاح وتفوق،