همسة في أذن كل صانع محتوى: هل فكرت -أيها الصانع والصانعة- أنك تسهم في صناعة ثقافة تبقى ذخرًا لك بعد موتك؟ المقاطع والتسجيلات والخواطر تبقى بعد أن نذهب فإما تكون ذهبًا لا يصدأ وعملًا يجزي الله من صنعه خيرًا أو شرًا يدوم!
قبل أن أحكي لكم -القراء الأعزاء- حكاية المحتوى الفارغ أود أن ألفت نظركم الفاحص إلى الكم الكبير من المقاطع والتسجيلات الرائعة، ذات المحتوى الثمين، حتى إن بعضها فيه كم من المتعة والفائدة يفوق القراءة من الكتب في نظري القاصر. الكلام والنقد هنا ليس لهذا النوع من المقاطع المبثوثة في الفضاء الإعلامي.
اشترى أحد الأقارب سيارة جديدة -نوعًا ما غالية الثمن- ولو أن كل أنواع السيارات غالية الثمن الآن، ووضع صورتها في مقطع مصور في وسائل التواصل الاجتماعي وبعد مضي 12 ساعة زار المقطع مليون و200 ألف، و64 ألفًا ومائتان إعجاب و1418 تعليقًا عدا ما حذفه التطبيق من تعليقات غير مقبولة!
هذه الأرقام تنبئ عن كثرة المتصفحين الذين تستهويهم هذه الأنماط من المشاركات قليلة الدسم. المحتوى غير ذي قيمة أصبح خطرًا ينافس المحتويات القيمة وله صناع ومشاهير.
شيئان فيهما إدمان ضار؛ وجبات الأكل السريعة ذات السعرات الحرارية العالية التي تفتك بالجسم، وإدمان مشاهدة المقاطع المصورة التي تأخذنا من مقطع لآخر دون فائدة سوى قتل الوقت والشعور بعدم الملل!
هي مبرمجة بحيث كلما شاهدنا مقطعًا يأخذنا نحو مقطع آخر يدفعنا نحو الإدمان وكلما أكلنا وجبة سريعة زادت رغبتنا في وجبة أخرى دون القدرة على التوقف! سوف آكل عودًا واحدًا من البطاطا المقلية ينتهي بكيس من البطاطا وسوف أشاهد مقطعًا قصيرًا واحدًا يتحول إلى ساعات من إهدار الوقت في مشاهدات ذات محتوى فارغ.
إذن، ما العمل؟ لا يكفي التذمر والشتم، كلنا نأكل أحيانًا وجبة ذات مواد غذائية سيئة، لكن ليس كل يوم! كذلك يمكننا مسامحة أنفسنا إذا رأينا مقطعًا فارغًا من القيمة الفكرية شرط أن لا يكون فيه مخالفة أخلاقية أو دينية وأن لا يصل الأمر إلى حد الإدمان.
قد لا يحاسبني ولا يعاقبني القانون لكن الأولى أن أحاسب نفسي. عن النبي محمد -صلى الله عليه وآله-: "لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه؟ ومن أين مشربه؟ ومن أين ملبسه؟ أمن حل ذلك أم من حرام؟". أليس من الأجمل أن أحاسب نفسي عندما أصنع محتوى وأبثه في الفضاء؟
ماذا يضرنا لو أعرضنا عن المحتويات الفارغة؟ ألن تختفي أو تقل صناعتها؟ أليست مسألة عرض وطلب مثل أي سلعة أخرى؟! ألا تجد شبهًا بين الإناء الفارغ والعقل حين يكون فارغًا فينشغل بصغائر الأمور؟!