مسجد أبي الحجاج الأقصري: أيقونة مصرية ترفع شعار الله محبة

في قلب الأقصر.. رحلة إلى مسجد أبو الحجاج بين عراقة التاريخ وروحانيات الإيمان


مسجد أبي الحجاج الأقصري
عندما تخطو نحو معبد الأقصر، يصعب تجاهل ذلك الهيكل الفريد الذي يحتضن بين جدرانه ثلاثة من أعظم حضارات الإنسانية. إنه مسجد أبي الحجاج الأقصري، الذي يقف شامخًا وسط ساحة المعبد، محاطًا برموز الحضارة الفرعونية القديمة وكنيسة قبطية قديمة، ليعكس تمازجًا مذهلاً بين الحضارات الإسلامية والمسيحية والفرعونية.


مسجد أبي الحجاج الأقصري :737 عامًا من التاريخ والتقديس
بُني مسجد أبي الحجاج الأقصري عام 1286م على أطلال معبد الأقصر القديم، ليشكل رمزًا للتواصل بين العصور والثقافات. يتميز المسجد بمئذنته العريقة المبنية من الطوب اللبن، التي ترتفع نحو 14 مترًا، وتعد من أقدم المآذن في مصر. يرتكز المسجد على أعمدة فرعونية، لتجمع جدرانه بين الزخارف الإسلامية والنقوش الفرعونية، ما يضفي عليه سحرًا خاصًا لا مثيل له.


مسجد أبي الحجاج الأقصري
تريزا بنت القيصر.. حكاية الأميرة التي وهبت الأقصر للشيخ الزاهد
تحت قبة مسجد أبي الحجاج الأقصري، يوجد مقام السيدة تريزا، ابنة القيصر، التي تحولت قصتها إلى أسطورة خالدة. وفقًا لروايات متناقلة، كانت تريزا راهبة قوية ورئيسة ديرها في الأقصر. تأثرت بزهده وعلمه عندما ظهر أبو الحجاج الأقصري في المدينة، لتتحول لاحقًا إلى الإسلام وتتزوج الشيخ الزاهد. ويروي آخرون أنها وهبت المدينة بأكملها لأبو الحجاج بعدما طلب منها مقدار جلد بعير من الأرض للتعبد. هذه الأسطورة التي قد تبدو خيالية للكثيرين، لا تزال تعيش في قلوب أهالي الأقصر، كجزء لا يتجزأ من تراثهم الروحي والثقافي.

مسجد أبي الحجاج الأقصري
مسجد أبي الحجاج الأقصري: ملتقى المريدين والسياح
ليلة النصف من شعبان ليست مجرد ليلة عابرة في الأقصر، بل هي مناسبة دينية وروحانية يتوافد فيها المريدون من كل مكان إلى مسجد أبو الحجاج الأقصري. يتجمع الآلاف في ساحات المسجد للاحتفال بمولد القطب الصوفي الجليل، يتلون الأذكار، ويرفعون الأدعية، في مشهد يملأ القلوب بالسكينة والإيمان. وتتزين الساحة بالفنون التقليدية والحرف اليدوية والمأكولات الشعبية، ما يجعلها وجهة سياحية مميزة للزوار والسياح.
مسجد أبي الحجاج الأقصري رمز الألفة بين الحضارات
يتوسط مسجد أبو الحجاج المدينة القديمة للأقصر، ويقع بجوار معبد الأقصر وطريق الكباش، مما يضفي عليه مكانة مميزة بين المعالم السياحية. ورغم عمره الذي تجاوز السبعة قرون، لا يزال المسجد يحتفظ بروحه النابضة، جاذبًا إليه زوارًا من كل حدب وصوب، ليشهدوا على جمال الحضارة المصرية التي عبدت الله بمختلف أديانها في مكان واحد.
مسجد أبو الحجاج الأقصري ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو قلب ينبض بالتاريخ والروحانية، يحكي قصة مدينة عريقة ومقام شيخ جليل، تتداخل فيه الأساطير مع الحقائق، لتشكل معًا لوحة فنية خلابة تجذب إليها الأنظار من كل مكان.

ضريح سيدي ابو الحجاج
أساطير وروايات مقام أبو الحجاج
في غرف مقام محافظة الأقصر الأشهر أبو الحجاج الذي يرنو إليه الآلاف يوميا من الصوفية والمرتحلين والسياح العرب والأجانب، تقع غرفة خاصة لمقام السيدة تريزا والمكتوب اسمها بالأبيض على خلفية خضراء كعادة أهل الصوفية في الاشارة إلى الموالي والولاة وأصحاب البركة في تقديرهم.
خلف مقام السيدة تريزا الموجودة في كنف مقام أبو الحجاج أحد أكبر مساجد الأقصر الساحرة، قصة مليئة بالتفاصيل والأساطير التي فندتها كتب وتناقلتها روايات متضاربة إلا أنها رغم ذلك استمرت في التواجد بسيرتها مع أبو الحجاج نفسه والذي يعود تواجده في الأقصر في القرن السابع الهجري تقريبا.
القصة الأولى والتي رواها أحد ائمة مسجد الإمام أبو الحجاج، الشيخ حجاج محمد، إمام ثان بمسجد سيدي أبو الحجاج بالأقصر، حيث يشير إلى أن السيدة تريزا تعد من سادة الأقصر القدامى، حيق كانت راهبة ورئيسة ديرها ومعروفة باسم ابنة القيصر والتقت بالإمام عندما ظهر في الأقصر وانتشرت سيرة زهده بين العباد لتسأله في أمور الدين وتناقشه حتى أسلمت وتحولت إلى داعية إسلامية من شدة حبها فيه.


مسجد أبي الحجاج الأقصري
فيما وصف آخرين منهم عبد المنعم عبد العظيم مدير مكتب الأقصر لتراث الصعيد الحوار الذي دار بين أبو الحجاج الأقصري والسيدة تريزا، حيث كان يرغب الأول في مقدار جلد بعير من الأرض يتمكن من التعبد فيه فأجابته في وثيقة مكتوبة ليجد في الليل جلد البعير على شكل سير طويل ربط طرفه بأحد أعمدة معبد الأقصر وأحاط به المدينة فتملكها بموجب الوثيقة التي كتبتها له السيدة تريزا بعدما سألها جلد البعير، ثم تقول الأسطورة إن الراهبة من إعجابها بذكاء الشيخ أسلمت وتزوجته مع الوقت .
كما الشيء المميز يتوسط الأشياء، يأخذ مسجد ومقام أبو الحجاج مركز المدينة ووسطها، وينزل إليه الناس يقصدون فسحتهم اليومية في ظل جو شديد الحرارة فيما عدا بعد المغرب، ومن ثم تمثل ساحته مركز سياحة أهل المدينة وأفضل مكان للتواجد إلا جانب المنظر الجمالي فيرتكز المسجد جوار معبد الأقصر البديع وطريق الكباش من الناحية الآخرى .
رغم عدم تصديق أهل الأقصر ومحبي أبو الحجاج رواية مختلفة، فند الباحث الآثري عبد الجواد الحجاجى – أحد أحفاد الشيخ “أبو الحجاج الأقصرى” الموضوع في كتاب “الأقصر في عهد الشيخ أبو الحجاج”، حيث يشير إلى أنه لا يمكن حسم موقف السيدة تريزا رضي الله عنه من الروايات والأسطورة المتناقلة خاصة وأن العصر المقصود كان للأقباط سيادة على الأرض ومن ثم صعوبة تولي الإمام ولاية البلد بهذه السهولة.
وأضاف أن الرواية مماثلة في تأسيس عدة مدن منها قرطاج التونسية والفسطاط في المغرب ما يدفع بأنها رواية خيالية، لكن رغم ذلك لا يمنع ذلك الناس من الاعتقاد وتبقى الاسطورة جزء من تراثهم الخالد، لكن ذلك لا ينفي قيمة السيدة تريزا نفسها التي تعد من أقوى راهبات عصرها وتسيطر على المدينة باسم “تريزة بنت القيصر”.