مقابر المقطم بقيع القاهرة | كنز الآثار والرفات الذي شرف على الاختفاء
مقابر المقطم بقيع القاهرة
على مدار 1300 عام تحولت منطقة السيدة عائشة إلى متحف حي لمقابر تعود لمختلف العصور حيث رسم الزمن لوحة دقيقة لكل حقبة تركت بصمتها الخاصة في طراز الأماكن، من زمن الأمراء إلى فترات عهد الكتّاب والفنانين في التسعينات، تروي هذه المقابر قصصاً تعبر عن عصور مختلفة بمظاهرها المادية والثقافية في مقابر المقطم أو بقيع القاهرة كما يطلق عليها.
في حين تُهدم مقابر المثقفين والملوك الأمراء بالسيدة عائشة بمنطقة مقابر الإمام الشافعي أو مقابر المقطم الآن، قررنا توثيق هذه المنطقة على طريقتها الخاصة كمزار سياحي تحوي رماله رفات الأولياء والصحابة ومثقفو مصر.
وفي حالة من الهلع يشهدها سكان المنطقة الآن خوفًا من الالتقاء بمثواهم الأخير بالمنطقة، تجول فريق “الرحالة” بين تحف فنية لتلك القبور التي ظهر كثيرًا منها في مشهد أشبه بالقصور، من حدائق وأحواش بمساحات كبيرة مع زخارف وكتابات بخطوط نادرة.
مقابر المقطم بقيع القاهرة
مقابر المقطم بقيع القاهرة
احتفظ المنطقة برونقها المميز طيلة السنوات الماضية فهي تمثل مزار سياحي من نوع خاص، لكن مع الحفر مؤخرًا لمحاولات إعادة ترميم المنطقة اكتُشفت آثار تعود لعصور المصريين القدماء، ليعثر هدامي المنطقة على بقايا حجرية تحت الأرض. أدت إلى اكتشاف بئر مياه وعقد حجري يُعتقد أنهما يعودان إلى العصر المملوكي.
فيقول الباحث في الآثار حسام عبدالعظيم، مؤسس مبادرة “شواهد مصر”، أن هذا الاكتشاف نادر ومهم للغاية، وربما يعود لعصر المماليك في فترة حكم الملك ناصر بن قلاوون. ومع ذلك، يشدد على أهمية العودة إلى الدراسة والتاريخ لتحديد العصر بدقة.
رموز مقابر المقطم الخالدين
ويضيف “عبدالعظيم” لـ “الرحالة” أن هذا البئر قد يكون جزءاً من شبكة صهاريج في الميدان، كانت تُستخدم لتخزين المياه القادمة من سور مجرى العيون، وتوصيلها بسيور لرفع المياه إلى القلعة. وهذا يشير إلى احتمال وجود اكتشافات أكبر تحت الأرض. لذا، يقترح عبدالعظيم إجراء حفائر إنقاذ قبل البدء بأعمال الإزالة، لعلنا نكتشف أثاراً أخرى مخبأة في المنطقة، دون أن يتعارض ذلك مع مسار الطريق المزمع إنشاؤه.
مشاهد من جولتنا بمقابر المقطم
بدأت الجولة الأولى داخل أحواش منطقة السيدة عائشة بزيارة حوش علي باشا فهمي، الذي يتميز بتصميمه الفريد المقسم إلى عدة أجزاء. يبدأ الحوش بحديقة تتفرع منها أربعة طرق تؤدي إلى مبنى القبر الرئيسي، الذي تزينه نوافذ زجاجية ملونة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، يحمل كل منها كلمة، وعند تجميعها تكتمل آية قرآنية تقول: “أَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ”. يعكس السقف المزخرف بالنقوش الإسلامية والأعمدة الرخامية ذات الطراز المميز الروعة المعمارية لهذا الحوش، حتى أُطلق عليه اسم “جامع الرفاعي الصغير”.
مقابر الأثرياء والبسطاء
ويوضح حسام عبدالعظيم، باحث الآثار، أن الفرق بين مقابر الأثرياء والبسطاء يتجلى في التفاصيل. فبينما كانت مقابر العامة تقتصر على تركيب بسيط يحتضن الموتى، كانت مقابر الأثرياء أشبه بحياة كاملة تُعاش داخلها.
تضمنت هذه المقابر بوابة كبيرة تفتح على مبنى مزود باستراحة مناسبة للمبيت، تحتوي على غرفة نوم، مطبخ، وغرفة طعام. وكان هناك قسم مخصص للسيدات (حرملك) وآخر للرجال (سلملك)، بالإضافة إلى غرفة للحارس، مما يجعلها أشبه بمنازل صغيرة داخل المقابر.
أين يقع بقيع مصر
رموز مقابر المقطم الخالدين
لم يكن ليحى حقي أحد أهم كتاب مصر وصانعي نهضتها في الأدب والرواية والكتابة أمنية ممثالة لدفنه في منطقة بقيع القاهرة الموازية لمسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها في مصر القديمة، هكذا تشير ابنته نهى يحيى حقي على هامش أزمة إزالة قبر والدها لتوسعة في محيط المسجد وتطوير الميدان بشكل يتناسب مع القاهرة بشكلها الجديدة.
بقيع لم يكشف عنه أكثر من عملية إزالة لقبر روائي هام في تاريخ مصر المحروسة، بينما تستكشف “رحالة” قصة البقيع الموجود في حضن الجبل بمنطقة المقطم حيث لم يشر أحد إلى أهميتها ومن المدفونين أسفلها ولماذا سميت ببقيع مصر، وما أهمية الموجودين فيها ما جعل واحد من أهم الكتاب رغبته الوحيدة أن يدفن فيها.
بقيع القاهرة
البقيع في البداية هو اسم مماثل لمنطقة البقيع المدفون فيها كبار الصحابة وأغلبهم في المملكة العربية السعودية وبينهم أول الخلفاء الراشدين وثانيهم أبو بكر وعمر، حيث استخدم المصريون نفس الاسم نسبة إلى دفن عدد وافر من الصحابة الذين عاشوا في مصر في منطقة المقطم خلف مسجد السيدة نفيسة التي تواجدت بدورها في نفس المكان وبني مقامها ومسجدها.
كتب عن نعمة المنع ابن عطاء الله السكندري، فمن اسمه وضع له الناس مقاما رفيعا، إلا أن مقامه بالفعل موجود في مصر تحديدا في منطقة البقيع حيث يزوره الآلاف محبة في صوفيته المتجرده وزهده الذي أوصله للحديث عن المنع بكونه نعمة من الله أحيانا لا يرى فيه المرء الخير الحقيقي إلا بعد فترة فيحمد الله على ما منع.
مقابر المقطم بقيع القاهرة
الصحابة في مقابر بقيع القاهرة
ومن أبرز الصحابة الموجودين عمرو بن العاص، الذي يعد من أهم الصحابة في عصره، وفاتح مصر في صدر الإسلام وعصر الخلافة، والذي تول مصر لفترتين. حيث جاء في كتاب “مرشد الزوار الى قبور الأبرار” لمؤلفه “موفق الدين ابن عثمان” أن هذه المقبرة لعمرو بن العاص، وأنه قبل أن يموت أوصي إبنه بأن يُدفن في منطقة سفح جبل المقطم .حيث تقع على طريق الحجيج ومن ثم لا يوجد شاهد لقبره. كما كان يدفن الموتى في بقيع أرض المملكة العربية السعودية أثناء فترات الحج.
ويعد من أشهر الصحابة الموجودية في بقيع مصر ومسمى على اسمه المكان “عقبة ابن عامر” حيث يطلق على المكان بالكامل اسمه وهو أحد أبرز صحابة رسول الله محمد صلى الله وعليه وسلم، وغيره من الصحابة أمثال أبي ذر الغفاري وذانون المصري، محمد بن الحنفية ابن سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه، والسيدة رابعة العدوية.
كما يوجد في مدافن بقيع مصر الليث بن سعد الفقيه وإمام المحدثين ويقع الضريح داخل مسجد صغير سمى على اسم الإمام، يحتوى بداخله على ثلاثة أضرحة، ضريح الامام الليث، وضريح ابنه شعيب، وضريح خادمه ومن هنا تأتي قصص أغلبهم في حبه للدفن في نفس المكان الذي سبقهم فيه الصحابة والعارفين .